الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٨ صباحاً

الجذور والمحتوى .. عند اصحاب الرؤى!

د. علي مهيوب العسلي
الاربعاء ، ٢٦ يونيو ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
من خلال ما استطعت متابعته للرؤى المقدمة من الأحزاب والمكونات الأخرى للقضية الجنوبية ،فإنني لاحظت في الرؤى المقدمة الذاتية وليس الموضوعية ، إلا ما ندر ،وأخص بالذكر الشباب الذين ربما كانوا مثاليين في التنظير للمستقبل ،أما بقية المكونات فكانت رؤاها تبريرية ،واتسمت بالدفاع عن النفس واللجوء لاتهام الاخرين!

سأركز هنا على القضية الجنوبية بعد أن أعطي انطباعاتي البسيطة لمجمل مجريات الحوار الوطني وما رافقه من مواقف جانبية في جلسته العامة الثانية!

الانطباع الأول :- هو أن مؤتمر الحوار الوطني في الجلسة العامة الثانية اتسم في الفوضى وعدم المسئولية والمواقف المتشنجة والمزايدات التي توحي بعدم الجدية ،والسبب في ذلك في اعتقادي هو عدم مبالاة رئاسة المؤتمر من خلال عدم حضورها بشكل دائم في منصة الرئاسة والاكتفاء بشخص واحد يدير الجلسة والتبرير لغياب الأخرين من أنهم منشغلون في اجتماعات لجنة التوفيق ،وهذا مبرر مردود عليهم ، لأنه ليس من المعقول أن في اليمن لا يوجد سواهم - سوبرمان وحلالين العقد - ،لأنهم بالأصل هم جذر المشكلة ، بل وهم محتواها !؛ ولو كان المؤتمر قد أتجه بشخوص غيرهم ، ربما كان قد توصلَّ إلى حلول ناجعة لمعظم المشكلات المطروحة على طاولة الحوار!
الانطباع الثاني:- هو أن التقارير المقدمة من بعد النزول الميداني للفرق لا تقدم خلاصات عملية وعلمية في معظم محاور الحوار الوطني ،حيث أن البعض حاول المبالغة في محوره ،واجتهد وخرج بصياغات دستورية وهذا الشيء ليس من مهامه ،والبعض اختلط عليه الأمر فأسند اشياء إلى محوره هي بالأصل من اختصاص محور أخر ،أو متعلقة بمحور أخر، والبعض لجأ إلى التفنُنِ في صياغة تقارير إنشائية جميلة الشكل ولكنها ضعيفة المحتوى ،وبعض التقارير كانت مثارا للجدل أثناء النقاش في الجلسة المفتوحة والمنقولة مباشرة وعلى الهواء ،حيث هذا النقل قد ساعد في توتر الأجواء عند أعضاء الحوار والمشاهدين على حد سواء!

الانطباع الثالث :- متعلق ببعض المواقف والتصريحات من خارج قاعات المؤتمر ،فما أثار حفيظتي هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح في برنامجه "الذاكرة السياسية –قناة العربية الممولة والمملوكة للعربية السعودية" المصنوع صناعة سعودية بامتياز ، وهذه الصناعة في تقديري مرجعها أمرين اثنين لا ثالث لهما : الأمر الأول - هو من أجل ضبط الإيقاع حتى لا يستمر بالابتزاز والتهديد في فضح قضايا بقت طي الكتمان حتى إدلائه بالمقابلة المثيرة للجدل ،والعمل على تحويل علي صالح من متحدث كحاكم بمجريات حكمه إلى عارض لأحداث تخدم أجندة من مولوا حواره المتسلسل في حلقات بتلك القناة التي ظهر بها ؛ والأمر الثاني - هو محاولة التشويش على مجريات الحوار الوطني بتعرضه لمعظم جذور ومشكلات كل قضية والادلاء بشهادات ربما الغرض منها احداث فتنة ،أو الاختبار لردود الافعال من عامة الناس وقياس شعبيته وأسرته من خلال تصديق ما يتحدث به عبر شاشة التلفاز ،وما ينتج عنه من مواقف وتأثيرات على مستوى القرار السياسي في مؤتمر الحوار الوطني. وكذلك أثار انتباهي الجنازة المهيبة للسيد حسين بدر الدين الحوثي ،ثم التمدد والتحشيد في العاصمة صنعاء ،والمطالبة بإلغاء الأمن القومي كان ثمن ذلك شهداء جدد رحمة الله عليهم ،ترافق ذلك مع المضايقات للمغتربين اليمنيين من قبل السعودية ، والاستعداد الكبير لترحيل اليمنيين بالآلاف ،وهذا لا يخدم الحوار الوطني ،وكون السعودية الراعية الأولى ،لكنها بعملها هذا تخدم الحوثيين وتقدمهم وحدهم فقط كمدافعين عن اليمنين ومظلوميتهم .والظاهرة الحزينة أن أحد اعضاء الحوار الوطني مازال يخفي قتلة الشابين الجنوبين من غير سبب!

أما الجانب الأخر من المقال والذي أردت أن اشير إلى بعض الملاحظات التي أرى أنها مهمة وتجاهلتها رؤى مكونات الحوار الوطني والتي خلصت بها لجنة القضية الجنوبية من حيث الجذور والمحتوى وهي على النحو التالي:

لقد جاءت خلاصات لجنة القضية الجنوبية في اعتبار المدَّة من 90 الى 94 بمثابة جذور القضية الجنوبية ،بينما بعد 94 هي محتوى القضية الجنوبية ،والحقيقة أنني أريد أسجل ملاحظاتي على مالم تتناوله معظم الرؤى المقدمة من المكونات وعلى النحو الآتي:

أولا :- من حيث التأصيل فكل المبادرات والرؤى تتناول مسألة الوحدة اليمنية ،وكان ينبغي أن يسأل المؤتمرين أنفسهم ويحسمون من حيث المبدأ قرارهم في أن الحوار سيتناول إعادة النظر في شكل الدولة اليمنية ،واعتقد أن المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ولجنة الحوار الوطني ومؤتمر الحوار الوطني قد قرروا أن القضية الجنوبية هي القضية الرئيسية فبحلها ستحل كافة القضايا الأخرى ،بمعنى أخر اعتراف منه ما هو واضح وصريح ومنه ضمني من أن الوحدة اليمنية قد فشلت في تجربتها خلال العقدين الماضيين من تطبيق ما اتفق عليه في الثلاثين من نوفمبر ،وفي المرجلة الانتقالية في الثلاث السنوات اللاحقة لإعادة توحيد اليمن ،ومن المسيرة المليونية قُبيل الاستفتاء على الدستور التي قادها الاسلاميون في اليمن ،وهذا مالم تتكلم عنه الرؤى ،وفي نظري أن ذلك هو لب المشكلة(الجذور) ، ثم أقيمت الانتخابات النيابية في 93 على أساس جغرافي ،حيث استفرد الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية وأقصي إلى حد ما في المحافظات الشمالية ،عقب كل ذلك أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية بسبب التراكمات في عدم الثقة بين الشريكين الموقعين على إعادة الوحدة اليمنية !

ثانيا :- نتج عن تلك الازمات والانقسامات حوار وطني أسفر عن توقيع اتفاقية العهد والاتفاق والموقعة من قبل الاطراف المأزومة في عمّان عاصمة المملكة الاردنية الهاشمية ، وكون الاطراف الموقعة لم تؤمن بتلك الاتفاقية حقيقة ! ؛ فقد نشبت الحرب في صيف 94، فأعتقد أن ما جرى في تلك الحرب وما نتج عنها هو في الحقيقة محتوى القضية !

ثالثا – لكي لا أطيل سأجمل الملاحظات في الرؤى المقدمة وكما يلي:

1. اتفاقية الثلاثين من نوفمبر جاءت على مستوى القمة ،فالتقطها الشعب اليمني شماله وجنوبه في سرعة الحركة مِن وإلى صَنعاء وعدن وبقية المحافظات قبل الاعلان الرسمي في 22مايو 1990 .

2. قبل الاعلان وبعده رتبت أوضاع أناس كثيرين في الوظيفة العامة المدنية منها والعسكرية ، ضخم الجهاز الوظيفي وأصبحت الدولة الجديدة في المرحلة الانتقالية عاجزة عن الوفاء بالالتزامات تجاه هذا التضخيم .

3. بقاء الجيش منقسما وإن تم نشر وحدات جنوبية في الشمال ووحدات شمالية في الجنوب ،مما جعل الجيش عند بدء المعركة يأخذ توجيهاته كل من كَبِيرِهِ وليس من المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها.

4. بعد إعلان الانفصال من قبل نائب الرئيس علي سالم البيض أنقسم المجتمع انقساما حادا كان أغلبه لصالح الوحدة والذي بالضرورة لصالح رأس النظام الذي مارس الانفصال على الارض وتمسك بالوحدة كخطاب اعلامي .

5. في 7/7 /1994 أُعلن عن انتصار الشرعية وتحولت الدولة في هذا التاريخ إلى تطبيق نموذج الجمهورية العربية اليمنية كليا ،وفي هذه المحطة التاريخية بدء الجنوبيون يشعرون بالهزيمة بالرغم من ان الحرب لم تكن جنوبية شمالية ونما خليط من الشمال والجنوب ضد قيادة الجنوب التي اعلنت الانفصال ،وهذا هو اليوم الاسود في تاريخ اليمن والذي جعل الكثيرين من الجنوبين يفكرون بفك الارتباط .

6. بعد 7/7 تغير كل شيء وأقصي شريك الوحدة نهائيا من السلطة وتمت الانتهاكات بالجملة للأرض والانسان ،وتمت انتخابات 97 من دون الاشتراكي ،وعُدِّل الدستور عدة مرات ،وتحول الحكم في اليمن إلى حكم فردي ديكتاتوري بعد إلغاء مجلس الرئاسة .

7. كان قد أتفق من مجمل الاتفاقات على أن تكون العاصمة التجارية والاقتصادية "العاصمة الشتوية " عدن ، وأن عدن هي المنطقة الحرة ،لم يتم من ذلك شيء سوى التبرير لنهب أراضي عدن بحجة الاستثمار .

8. في 2006 ،توحدت أحزاب المعارضة بعد أن استفرد صالح بالعديد منها واشراكها بالسلطة، ثم الإقصاء كل على حدة ، فتجمعت القوى لإسقاطه ،ودخلت بمرشح قوي هو المناضل بن شملان ،فزُوِّرت الانتخابات ، وأعلن صالح رئيسا للبلاد مغتصبا للسلطة من غير وجه حق ، ولم يعترف بن شملان بفوز صالح حتى توفاه الله.

9. كان لكبر الأبناء في الأسرة الحاكمة ورغبة أركانها في توريث أبنائها الأثر البالغ في التداعيات التي حصلت بعد انتخاب بن شملان وحتى انطلاق ثورة الشباب السلمية في 11 فبراير 2011م.

كانت تلك أهم المحطات التي يجب التركيز عليها في التشخيص وطرح الحلول الناجعة لمعالجة كل نقطة أشرنا اليها ، وهو ما لم يحدث في الرؤى المقدمة ،حيث لم تشير الرؤى إلى موقف التجمع اليمني للإصلاح والعلماء من مواقفهم من الدستور ،وكذلك لم تشخص الرؤى التضخم الوظيفي في اجهزة الدولة ،ثم بعد ذلك التسريح المجحف فيما عُرف بالقوى الفائضة ،كذلك الرؤى لم تتحدث عن محتوى وثيقة العهد الاتفاق وهل كانت كافية للاستمرار في الوحدة القائمة ،وهل مازال هناك من النقاط تفيد في حل القضية الجنوبية ،كذلك بعض الرؤى أكتفت في نقد الفتاوي التكفيرية ، ولم تتعرض بشكل موسع للتحالفات في حرب 94 ،كذلك الرؤى لم تشر إلى نقاط الضعف في دستور الجمهورية اليمنية ، وهل التعديلات الدستورية المتعاقبة كانت تخدم الوحدة واتفاقاتها ؟ ؛وكثير من النقاط التي أوردتها في ثالثا بحاجة إلى مناقشة مستفيضة لا يسمح لي المجال هنا بذكرها ..وفي الختام أخلص إلى أن الحل في اطار الوحدة اليمنية ممكن جدا من خلال الحوار الجاد في طاولة الحوار الوطني الذي اقيمه بانه لم يرتقي بعد الى الجدية ولم يطمئن الناس في صدق التوجه ،ولذلك لم يستقطب القوى الفاعلة على الارض في الانضمام إليه ،بل رئينا انسحابات لا إضافات إلى قوام المؤتمر وخصوصا من القوى المعارضة في الجنوب ،وأرى أن تهيئ الأرضية للحوار بتطبيق النقاط العشرين ،والعشر ،إضافة الى إصدار قرار رئاسي بتوصية من مؤتمر الحوار الوطني بإلغاء كل التعديلات الدستورية التي حدث بعد الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية ،والعودة إلى الدستور المستفتي عليه في 91 قبل الشروع في الدستور الجديد ،وأن يتشكل مجلس رئاسة مكون من كل مكونات الحوار الوطني لمرحلة انتقالية جديدة ،يتم فيها تطبيق اتفاقية الوحدة واستعادة هيبة الدولة وإرجاع المظالم إلى أصحابها ،وتغيير العاصمة كبادرة حسن النية ،ويستكمل الحوار وفقا لذلك سنصل بعون الله إلى عقد اجتماعي جديد يلبي تطلعات الشعب اليمني وبالأخص شباب الثورة السلمية ويتحقق في ظله العدالة والمواطنة المتساوية والتوزيع العادل للثروة والسلطة ،ومالم يتم ذلك فإن الأمور تشبه إلى حد ما الفترة التي وقعت فيها الأطراف على وثيقة العهد والاتفاق والتي أدى عدم الالتزام بها إلى الحرب المشؤومة في صيف 94 ،فهل المؤتمرين مدركون كارثة فشل الحوار الوطني لا سمح الله؟