السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٢ مساءً

كابوس المشايخ..!

د. عبدالله أبو الغيث
الاربعاء ، ٢٦ يونيو ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
ارتبطت لفظة الشيخ في المعاجم العربية بالرجل الوقور كبير السن، لكنها في اليمن المعاصر صارت تعني الكِبر والعنجهة والغرور واحتقار الناس واستعبادهم والاستحواذ على حقوقهم.. وتلك قاعدة عامة التصقت بمعظم مشايخ اليمن، ولا يخفي أن لكل قاعدة استثناء، لكنها فيما يخص المشايخ فالاستثناءات نادرة.. والنادر لا حكم له.

وقد تكاثر المشايخ في اليمن كما تتكاثر الخلايا السرطانية في الجسم المنهك فاقد المناعة، وأصبحت اليمن بلد المليون شيخ، فإبن الشيخ صار شيخاً، وكذلك أصهاره وأنسابه ، وامتد الأمر ليشمل حتى خدم الشيخ وعساكره.. وكل هؤلاء يريدون لهم (رعية) يمارسون عليهم القهر والإذلال ليشعروا بطعم المشيخة.. وأنّا لشعب اليمن أن يكفيهم.

ميزانية الدولة أصبح معظمها يذهب إلى جيوب المشايخ عن طريق مصلحة القبائل وغيرها.. وظائف الدولة ومناصبها الكبرى (مدنية وعسكرية وما بينهما) استحوذ عليها المشايخ.. تجارة اليمن بات المشايخ هم أسيادها؛ مع حصلوهم على كل خدمات الدولة بدون مقابل.. ابتداء من أرض المشروع، مروراً بالضرائب والجمارك، وليس انتهاء بالماء والكهرباء والاتصالات.. والمشاريع الخدمية العامة هم من يستحوذون عليها دون رقيب أو حسيب.. حتى رئاسة الأندية والاتحادات الرياضية أبو إلا أن يكونوا على رأسها.

تتسابق الأحزاب السياسية لاقتنائهم، وترقيهم في سلمها القيادي بسرعة البرق، وتسلمهم أعلى المناصب فيها، وتتحمل كل فسادهم وعبثهم، بل وتصبح مجرد مطية لتحقيق مأربهم، ولو بدر من غيرهم عشر ما يمارسونه فإن تلك الأحزاب تنظر إليهم كمهوسيين يجب تحجيمهم وتهميشهم.. هذا إذا لم تتعامل معهم كخونة ومندسين يجب التخلص منهم.

ما يجمع المشايخ بسلوكياتهم العبثية أكثر مما يجمعهم بإيديولوجيات أحزابهم ولوائحها وأنظمتها، لذلك يصعب عليك أن تميز الانتماء السياسي لهذا الشيخ أو ذاك، فالمؤتمري يتساوى مع الاشتراكي، والإصلاحي يتساوى مع الحوثي، والقومي يتساوي مع المناطقي.. فكلهم في العبث والاستعلاء مشايخ.. والمهم أن يضمنوا لأحزابهم الدائرة الانتخابية، فالشيخ من سيفوز بها بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه.

سلوكيات المشايخ حاشا لأحد أن يتجرأ على الاعتراض عليها لأن اللطم سيكون عقابه حتى إن كان مسؤولاً كبير، والشواهد كثيرة ومعروفة. أما موكب الشيخ المسلح فالوقوف في طريقه حتى بدون قصد فالموت هو المصير المحتوم لمن يتجرأ على ذلك، وتعجز أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والقضائية حتى من مجرد استدعاء ذلك القاتل! الذي يصبح في نظر عشيرته بطل همام يستحق التكريم!

وبعد هذا كله فإن معظم المشايخ يرتبطون بالعمالة للخارج، ولا يتحرجون من التعامل مع أكثر من سيد.. المهم أن تتدفق الدولارات الخضراء على خزائنهم، وليذهب الوطن اليمني بشعبه إلى الجحيم.. ثم يأتي أحدهم بعد ذلك ليحدثك عن الوطنية والدولة المدنية المتطورة.

ولقد ظننا – بسذاجة منقطعة النظير – بأن الثورة الشعبية ستخلصنا من كل ذلك؛ أو من بعضه على الأقل، وأن دولتنا الجديدة ستتعامل مع شعبها وفقاً لمعايير العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وستصحح اختلالات التنافس، وتساوي بين الفرص، لكن يبدو (إن بعض الظن إثم) ، فدولة الثورة برئيسها وحكومتها وبرلمانها وأجهزة أمنها وقضائها وأحزابها أبت إلا أن تخيب ظن شعبها المغلوب على أمره.. ويبدو من خلال قراراتها المرتجلة والمتعسفة أنها تريد أن تقول لنا (عادكم ما شفتوا من الجمل إلا أذنه)!!!