الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٥ مساءً

مشاريع التفتيت الصهيونية الامريكية من بن غوريون إلى رالف بيترز

إبراهيم القيسي
الاربعاء ، ٠٣ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
مشاريع التفتيت للعالم الإسلامي والعربي بدأت مبكرة وهي قضية الدول الكبرى الصاعدة على حساب العرب والمسلمين فقد عمل اليهود ومن يقف وراءهم على إسقاط جامعة المسلمين في اسطنبول وجاء بعده اتفاقية سايكس ـ بيكو لتقسيم العالم العربي في عام 1916م وذلك بعد وعد بلفور 1917م بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وقد سبق هذا كله تخطيط رهيب هندسته عقول الاستعمار على مدى قرون متطاولة تجلى في تصريحات القادة الأوربيين فنابليون بونابرت دعى إلى عودة اليهود إلى فلسطين عام 1799م ووقفت بريطانيا أمام مشاريع الوحدة التي تبناها "محمد علي باشا " ثم تبعت وثيقة كامبل يزمان 1907م التي تحدثت عن إنشاء جسم بشري غريب يملك القوة في المنطقة التي تربط آسيا وإفريقيا بحيث يكون معاديا لأهل المنطقة .

لقد نجحت تلك المخططات اليهودية بالتعاون مع الدول الاستعمارية في قيام وطن قومي لليهود في فلسطين ولم تقف تلك المخططات عند هذا الحد بل استمرت في نشاط أكبر يعمل للحفاظ على أمن دولة إسرائيل الناشئة فكان أول مشروع تفتيتي بعد قيام الدولة اليهودية هو مشروع أول رئيس وزراء لإسرائيل " بن غوريون " وهذا المشروع يهدف إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات ضعيفة كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب كما ركز المشروع على إثارة الفوضى الطائفية " الديموغرافية " التي تستوحي الطائفية والاثنية والعصبية الدينية والمذهبية والقومية وتتابعت المشاريع بعد هذا المشروع بصورة مستمرة تستهدف تجزيء الوطن العربي والإسلامي وتفتيته فهذا مشروع " برنارد لويس " 1983م وينص المشروع الذي أقره الكونغرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية وتم اعتماده وتقنينه وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية وهو ينص على رؤية خاصة لتقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة يقسم مصر إلى أربع دويلات والسودان إلى أربع دويلات كذلك نص على تفكيك دول المغرب العربي والجزيرة العربية والعراق وإثارة النعرات والطائفية والمذهبية والقومية وهو مشروع مؤكد لمشروع بن غوريون .

ويعتبر مشروع برنارد لويس مستوحى من مشروع " أوديد ينون " الذي قدمه لوزارتي الدفاع والخارجية الإسرائيليتين في فبراير 1982م ويرى اتفاقية كامب ديفد مع مصر خطيئة ارتكبتها إسرائيل وإن إصلاح ذلك بالسعي لتجزئة مصر إلى أربع دويلات قبطية عاصمتها الاسكندرية ونوبية عاصمتها أسوان في الجنوب ومسلمة عاصمتها القاهرة ودولة رابعة تقع تحت النفوذ الإسرائيلي وفي عام 1985م أصدرت رئاسة الجيش الإسرائيلي كتابا يتضمن نفس المخططات ومن مشاريع السيطرة الاقتصادية على اقتصاد الوطن العربي مشروع شمعون بيرس بعد حرب الخليج وبعد اتفاقية أوسلو 1993م أصدر بيرس كتابه المتحدث عن نظرية الوحدة الاقتصادية بين إسرائيل ودول العالم العربي وهي وحدة اقتصادية تجمع بين الثروة البترولية وأيدي العرب العاملة الرخيصة وتتحقق تلك الوحدة الاقتصادية من وجهة نظره في المعادلة التي تنص على تفعيل التكنولوجيا الإسرائيلية + استثمار المياه التركية +العمالة المصرية + الأموال الخليجية .

ومن المشاريع التي تتراقص على نفس السيمفونية السابقة مشروع " إستراتيجية الفوضى الخلاقة " وهو مشروع كبير يعتبر الوسيلة التنفيذية الناجحة لمشاريع التفتيت ويدخل ضمن هذا المشروع الحرب الباردة وحرب مناهضة مايسمى بالإرهاب في العرف الأمريكي والإسرائيلي وقد صاغ هذا المشروع الأمريكي " مايكل ليدين " العضو البارز في معهد ( أمريكا انتر برايز) تحت مسمى الفوضى الخلاقة أو التدمير البناء وهو ماعبر عنه في مشروع " التغيير الكامل " عام 2003م بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... الخ وهذا المصطلح أدرجته أمريكا عام 2007م وردده كبار مسئوليها منهم " كوندوليزا رايس " وبنظرة بسيطة نرى هذا المشروع قد تحقق في واقع الحياة العربية بكل تجلياته وهو لازال ساري المفعول تغذيه تلك القوى المنفذة وعملاؤها في كل البلدان العربية وقد تواكب هذا المشروع مع مشروع الرئيس بوش الأب بعد احتلال العراق وتدميره عام 2003م ليشمل أفغانستان والوطن العربي وتركيا وإيران وقد نوقش المشروع من قبل اجتماع الدول الصناعية الكبرى عام 2004م في يوليو في جزيرة إيلاند وأبرز ماجاء في المشروع الدعوة إلى الديمقراطية والتغيير الثقافي وحقوق الإنسان والتأكيد على حقوق المرأة وإنهاء الأمية وقد أكد المتابعون عدم تحقيق أي شيء من ذلك بل تحقق مشروع الفوضى الخلاقة وكأن المشروع طرح من أجل التغطية على تنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة أو أن المعبر إلى هذا المشروع هو الفوضى الخلاقة ومن ضمن أهداف هذا المشروع القضاء على الإسلام والحضارة العربية الإسلامية كذلك زعزعة الأمن والاستقرار في مناطق دول تركيا ـ سوريا ـ إيران ـ العراق .

وقد لخص تلك المشاريع كلها مشروع " خارطة الدم " الذي أعده رالف بيترز ونشره في مجلة القوات المسلحة الأمريكية عدد يوليو تموز 2006م والمقال يعتبر جزء من كتاب بعنوان " لانترك النضال أبدا " وقد حدد هذا المشروع الأهداف الإستراتيجية لخارطة الدم والتي تبنى على أصول طائفية واثنية وقومية ومذهبية تحت دعوى أن حدود الشرق الأوسط قد تسببت في خلل وظيفي داخل الدولة نفسها وأن هناك ممارسات دكتاتورية ضد الأقليات داخل دول الشرق الأوسط ولهذا السبب ترى خارطة الدم استقلال الأقليات بدويلات تقوم على أسس طائفية واثنية وقومية ومذهبية تدعم التقسيم الديموغرافي الأنسب للتعايش السلمي في الشرق الأوسط ويرى المشروع الدعوة إلى التوافق بين هذه الدول ونتيجة لصعوبة التوافق في الوقت الحاضر ولضيق الوقت لابد من سفك الدماء حتى يسهل للدول الراعية للمشروع تنفيذه على الواقع بالقوة ويستهدف المشروع إيران ـ تركيا ـ العراق ـ السعودية ـ باكستان ـ سوريا ـ الإمارات ويرى المشروع توسعة بعض الدول لأهداف سياسية بحتة وهي اليمن ـ الأردن ـ أفغانستان ويعتبر هذا المشروع جامعا لكل المشاريع السابقة التي تنظر لتقسيم الوطن العربي والإسلامي على أسس ديمغورافية تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الأقليات الاثنية والطائفية والقومية والمذهبية غير أن الأمر يعني غير ذلك فالغرض الحقيقي من وراء التقسيم هو تفتيت العالم الإسلامي والعربي إلى دويلات صغيرة يسهل ابتلاعها أو التحالف معها للوصول إلى تحقيق أمل إسرائيل في التوسع الجغرافي لقيام دولتها الكبرى على حساب أراضي المسلمين وثرواتهم لتضمن من خلال ذلك الوصول إلى أهدافها بسلام وتحصل على أمنها واستقرارها الدائمين وتسيطر على الثروات الكبيرة وتضمن للدول الداعمة مصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط ويظل البترول متدفقا إلى أمريكا والحلفاء الأروبيين باستمرار دائم .

والناظر البصير يرى تلك المخططات قد سرى العمل بها منذ إعلان دولة إسرائيل على ثرى الوطن الفلسطيني في عام 1947م وظلت تلك المخططات تسير تحت غطاء سياسي متعدد الأشكال والألوان والمبررات وعمل العملاء داخل الوطن العربي على التسهيلات الإستراتيجية لتمرير تلك المخططات وذلك ما نلحظه متجليا في تفكك العلاقات الثنائية بين البلدان العربية وضعف الجامعة العربية ودورها السلبي في إدارة الأزمات الأمر الذي جسد اللجوء الخانع إلى مجلس الأمن واحتماء الدول الصغيرة بالجيوش الأمريكية وحلفائها تحت غطاء الحماية الدولية لمجلس الأمن الدولي وقد لعبت إسرائيل لعبة خسيسة في هذا المجال التفكيكي فوقوفها أمام استمرار الوحدة المصرية السورية 1958م ـ 1961م وظلت تعمل ضد وحدة الدولتين إلى أن تم تفكيكها وعملت إسرائيل وحلفاؤها على هزيمة الجيش العربي الداخل إلى فلسطين وهزيمته في كل الجهات مما اضطره إلى عقد معاهدة هدنة 1949م وتحالفت إسرائيل مع " فرنسا وبريطانيا " واحتلت قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء عام 1956م وشنت عدوانها على مصر والأردن وسوريا في حرب الأيام الستة يونيو ـ حزيران 1967م واحتلت الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وفي عام 1978م قامت بغزو لبنان وهاجمت قواعد منظمة التحرير الفلسطينية وفي عام 1982م قامت بغزو شامل واكتسحت لبنان واحتلت بيروت وقتلت الآلاف من الفلسطينيين العزل عملت مع بقية الدول الحليفة على إذكاء الصراع في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران عام 1980م شجعت على الصراع الدائر بين العراق والكويت وبإشارة من خائنة الأعين تم احتلال العراق للكويت الأمر الذي سهل لدخول القوات الأجنبية إلى الجزيرة العربية ونتج عنها حرب الخليج الثانية 17/يناير /1991م وفي عام 2001م تم إعلان الحرب الشاملة على الإرهاب بعد اتخاذ مجلس الأمن قرارا يلزم الدول الأعضاء في المجلس بمكافحة الإرهاب بموجب الأحكام الواردة وبهذا الأمر سهل على الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في شئون الدول العربية والإسلامية تحت ذريعة مساندة هذه الدول لمحاربة الإرهاب ويعتبر هذا المنفذ السياسي من أخطر المنافذ الذي مكن لأمريكا وحلفائها من تفتيت الدول العربية والإسلامية وتحت هذه اللافتة احتلت أفغانستان 2001م واحتلت العراق عام 2003م ولازالت المخططات سارية المفعول تدخل من عقدة إلى عقدة وتضع بيضها المخصب في كل ركن وتفقص في كل زاوية تدق على جرس الأقليات الطائفية والاثنية وتثير إستراتيجية الفوضى الخلاقة بين الشعوب وتمسك بورقة الديمقراطية والتدخل في شئون الأمن تحت غطاء حرب الإرهاب الشاملة وقد أكد الباحث الاسكتلندي توماس براون المهتم بشئون الشرق الأوسط على مشروع خارطة الدم واستهدافها لسيادة مصر والسودان وذكر خطة أمريكا وحلفائها المرسومة منذ ثلاث سنوات لتفتيت مصر وتقسيمها من (4ـ5) دويلات تقوم على أسس ديموغرافية وبدأ ذلك المخطط بانفصال السودان إلى شمال وجنوب وتجري المخططات على احتلال دار فور لتكون منطقة دولية تشحن بالجيوش الأمريكية وحلفائها حيث تجري الخطة لرفد المنطقة بمائتي ألف جندي مع شحنها بأحدث الأسلحة والطائرات التي بدورها ستؤدي المهمة بدقة متناهية لغرض تقسيم وتفتيت الدولة المصرية وما يتبعها من المخططات لتقسيم العالم العربي والإسلامي .

وقد أجمع خبراء أكاديميون على أن ما يسمى بالربيع العربي هو محض صناعة غربية يصب ضمن مشاريع التفتيت الأمريكية الإسرائيلية وقد جرت طباخته في أورقة الكونجرس الأمريكي ودهاليز السياسة الأوربية وقد أكد هذا القول الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي الفرنسي "ايريك دونيسي " وأكد ابتداء الاعداد لهذا المخطط منذ 2002م وذكر الكثير من الأدلة من ضمنها فضح وثائق وكيليكس لبعض الساسة العرب استعدادا لإثارة الشعوب عليهم إضافة إلى استغلال مؤسسات التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية لإثارة الرأي العام وتحريضه على الثورة من أجل الوصول إلى الأهداف الإستراتيجية للدعوة للفوضى الخلاقة ذات المشروع التفتيتي والذي يقسم البلد الواحد إلى عدة طوائف اثنية وطائفية وقومية ليحتدم الصراع حول السلطة للوصول إلى التوافق أو الاقتتال لتحصل كل طائفة على دولة صغيرة تعزز أمنها واستقرارها في العرف التفتيتي وذلك مانلحظه في دول الربيع العربي من الاحتقان السياسي والتعبئة الطائفية التي وصلت إلى الحرب الشاملة في سوريا وهي في طريقها إلى الاصطدام في مصر واليمن .