الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥١ صباحاً

هلال رمضان بين الرؤية الشرعية والتوظيف السياسي

إبراهيم القيسي
الثلاثاء ، ٠٩ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
هلال رمضان إطلالة زمانية تحمل إشارات قدسية وتجسد إدلاجة روحانية إلى شهر الرحمة والغفران وهذه اللحظة الزمانية التي يسعى الصائمون لاكتشافها تحتاج إلى رؤية بصرية دقيقة تثبت بشاهد عدل على أرجح الأقوال لدى جمهور الفقهاء يتقدم للإدلاء بشهادته ليبنى على هذه الشهادة تحمل المسئولية الدينية لتعبر الأمة الإسلامية إلى الفترة الزمانية الموجبة للإمساك عن الطعام والشراب والدخول في الطقوس العبادية المقدسة في فترة زمانية تقاس بشهر رمضان الفضيل ونتيجة لاختلاف المنازل الزمانية من مكان إلى آخر ترتب على هذا اختلاف زمان ابتداء هذا الشهر الكريم من بلد إلى آخر فثنائية الدخول في الصيام والخروج منه مرتبط باختلاف المكان والاعتماد على الرؤية أو إكمال عدة شعبان ثلاثين وقد تظاهرت النصوص الشرعية على إثبات الرؤية البصرية قال تعالى :" فمن شهد منكم الشهر فليصمه ..." البقرة (185) " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا " البخاري . وحدد الشرع في حالة الغيم واللبس في رؤية الهلال بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما خروجا من الشك "...وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " البخاري . وقد حدد صلى الله عليه وسلم حدود الشهر العربي بقوله :" الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين يوما ومرة ثلاثين " البخاري . وبقوله :" إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما " البخاري .

ومن خلال النصوص المعروضة تتجلى حقيقة الرؤية بوضوح في إثبات دخول رمضان والخروج منه وفي حالة تعذر الرؤية يأتي الخيار الثاني بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما على قاعدة الثنائية العددية المرتبطة بالرؤية والغيم على اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم " شهران لا ينقصان شهرا عيد : رمضان وذوالحجة " البخاري . فالمسألة بسيطة تتمشى مع سماحة الإسلام وتعطي رؤية جلية عن قدرة هذه الشريعة وتجلياتها التطبيقية في واقع الحياة عبادة وعقيدة فحين جعل الإسلام الرؤية البصرية البسيطة قاعدة لإثبات الصيام أو الخروج منه أراد أن يبسط المسألة في حدودها الزمانية والمكانية فالأمر أولا وأخيرا متعلق برؤية الهلال وتجلياته الزمانية والمكانية على اعتبار التقارب النسبي في حدود الزمان المرتبط بالمكان على علة اختلاف المنازل القمرية شروقا وغروبا وصيفا وخريفا وشتاء وربيعا قال تعالى : والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" (39 ,40) وقال تعالى : " رب المشرق والمغرب ومابينهما " الشعراء 27 وقال تعالى :" فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون " المعارج 40 وقالى تعالى :" حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " الزخرف 37 فقد أثبتت الآيات الآنفة الذكر أكثر من مشرق وأكثر من مغرب وقد أثبت العلم الحديث كروية الأرض والتي ينشأ منها في كل لحظة زمانية شروق وغروب وكل جنس يتجدد على وضعية جديدة تطل على أمكنة متجددة تتكرر مع حركة الزمان المستمرة وفي هذه الحالة يتمحور التأكيد على خصوصية كل بلد في الرؤية البصرية وحقه الشرعي في تقرير الزمان الذي يؤكد فيه تجسيد شهر الصوم على أساس الخصوصية المكانية التي يتعلق بها الزمان وفي حالة استخدام الوسائل المتاحة المعينة على الرؤية فلا ضير في ذلك لأن تكبير الصوت والبصر ضرورة ملحة تعمل على رفد الحياة بوسائل التزويد المعينة فاستخدام العدسة والتلسكوب للوصول لدقة الرؤية أمور واقعة في إطار المباح وتطبيقاته وتظل الحياة مدينة لمن يقدم لها تطبيقات واقعية ترفد عيش الناس بالإيجابيات الحسنة التي تزيد من نشاط التقدم والعمل في مسيرة الحياة المتحركة .

ومسألة تعميم الرؤية ابتداء وانتهاء على كل البلدان شيء من الحيف والغلو وخروج عن بساطة الإسلام وفطرته وقصور عن فهم تشريعاته وبعد عن مقاصده لقد ثبت بالأدلة الشرعية والعقلية اختلاف الإمساك بين البلدان الإسلامية في عهود توحدها وسيرها تحت قيادة سياسية واحدة بداية من عصر الصحابة والخلفاء الراشدين ومرورا بالمسيرة التاريخية عبر الزمن الطويل وذلك ما سجله الفقه الإسلامي في ثنايا بحوثه المتكئة على الأخذ والرد وذلك ما نلحظه اليوم وما أكده العلم حديثا من اختلاف حركات الفلك وارتباطها الزماني والمكاني بجغرافية مستقلة من بلد إلى آخر فالبصمة المكانية لأهل البلد المرتبط بالرؤية الجغرافية يجب أن تكون واضحة وجلية وتعبر عن استقلالية تامة عن التبعية لأي بلد آخر وهي دلالة تحمل معان شرعية تتكئ على ثقة مطلقة بتجسيد واقع الرؤية البصرية التي تحقق مناط الحكم المتعلق بوجوب الصوم ابتداء في لحظات تجلي سقوطها على مروحية الزمان الحادث والمكان الحاضن في الإطار الجغرافي المحدود .

وما نلحظه من تغطية سياسية متنافرة حينا ومتوائمة أخرى وتبعية في مرحلة ثالثة بين البلدان المتقاربة جغرافيا يعكس مدى التوظيف الخاطئ للرؤية البصرية وما يماثلها من بدائل في حال الغيم وحجب الرؤية فتارة تكون الدولة الغنية مترفعة بنفسها عن اتباع الدولة الفقيرة في حالة سبقها في الإعلان فتضطر تلك الدولة للمغايرة فتقع في المحذور الشرعي وهذا ما حدا بدولة مجاورة لليمن أن صامت رمضان ثمانية وعشرين يوما مما اضطرها إلى إعلان القضاء لتتمة رمضان بصيام يوم في شوال وذلك في أيام الخصام بعد حرب الخليج الثانية ومن ثم حدث بعد ذلك التبعية المطلقة لهذه الدولة فنصوم بصيامها ونفطر بفطرها على إيقاع إعلامها المترسل الذي يعكس مدى الدكتاتورية التي تزاولها تلك الدولة علينا حتى في الطقوس العبادية وتجردنا من كل استقلالية لشئوننا الداخلية ولا أدل على ذلك من إعلان العطلة الأسبوعية وتبعيتنا لها في يومي الخميس والجمعة وفي حال إعلانها الجمعة والسبت سارعنا في الإعلان بعدها مباشرة بدون روية أو عقل ذلك واقعنا السياسي والديني الذي التبس فيه الأمر فصرنا لا نقدر على تحديد هوية رؤيتنا المستقلة لتقرير الصوم إلا بالتبعية المطلقة للسيدة العظمى وفي حال مخالفتها ستكون الأمور وخيمة ربما تصل إلى صدور قرار بإزاحتنا من جنوب الجزيرة العربية إلى جزيرة واق الواق .