الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٨ صباحاً

صفحة من التاريخ - الوحدة اليمنية ( 2 )

فضل عبدالكريم الجهمي
الاربعاء ، ٣١ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
من سوء حظ اليمن كما من حسن حضها إن تحقيق الوحدة اليمنية أتى قبل حرب الخليج الأولى التي نتجت عن احتلال العراق للكويت والتي تسببت بأوضاع كارثية على مستوى المنطقة عموما وعلى اليمن خصوصا حيث صادف الاجتياح العراقي للكويت عام 1991م ترئس اليمن لمجلس الأمن الدولي وهو ما زاد من حجم مسئولية اليمن تجاه هذا الاجتياح ووضعها في صدارة الاهتمام الإعلامي الدولي الأمر الذي كان يحتم عليها اتخاذ قرارات حاسمة تراعي المصلحة الوطنية وتراعي الحق وتدين العدوان وترفض الضم والاحتلال ولكن وللأسف الشديد فأن الحكمة اليمانية والعاطفة قد غلبت في وقت لا تنفع الحكم ولا تفيد العواطف لان الاحتلال قد تم وفصول المؤامرة والشرك قد وقع الجميع فيه محتل واحتلال ومؤيد وغير مؤيد.

وإجمالا فقد اتخذت اليمن قرارا سليما, ولكن هذا في حكم الظروف الطبيعية والأزمات الثنائية البعيدة في جوهرها عن المؤامرات والدسائس وليس في ضل مؤامرة وشرك محكم وقع فيه العراق والكويت معا وجميع العرب, مخطط له جيدا ولن تسمح القوى المخططة له بوأده أو إفشاله, وهذا القرار أو الموقف كان كارثيا على اليمن لم يراعي فيه مصالح اليمن مثلما راعت جميع الدول مصالح شعوبها باتخاذها قرارات ومواقف تدين الاحتلال وتدعوا إلى تحرير الكويت فورا, بل إن هذه الدول أبدت استعدادا للمشاركة في تحرير الكويت وذالك بما يتماشى وأهداف ومواقف الدول الكبرى, وحتى تحافظ على مصالحها أو طلبا لمصالح جديدة.

وفورا وبدون تأخر سارع الخليجيون إلى اتخاذ قرارات عقابية بحق اليمن واليمنيين المقيمين في الخليج ردا على قرارات اليمن ومواقفها في مجلس الأمن التي حسبت في صف الجانب العراقي ويمكن إن نوجز أهم نتائج حرب الخليج الأولى على اليمن بالتالي:

1-طرد العمالة اليمنية بطريقة غير مباشرة من خلال اتخاذ دول الخليج قرارات حدت من حرية الجاليات اليمنية وقيدت نشاطاتها الاقتصادية وفرضت على العمالة نظام الكفالة ما يعني منع الجالية اليمنية من التملك بل وإجبارها على التخلي عن ممتلكاتها وهو ما أدى إلى عودت أكثر من مليون مغترب يمني من السعودية والخليج بعد أن اجبروا على بيع ممتلكاتهم يثمنا بخس وهو ما أثقل كاهل اليمن اقتصاديا نتيجة لاستقبال هذه الأعداد وانقطاع تحويلاتهم المالية التي كانت ترفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة وكذا تضرر زها خمسة ملايين من السكان جرى توقف مصدر رزقهم.

2-ايقاف المعونات المالية والاقتصادية التي كانت تقدمها دول الخليج لليمن وكذالك الدول الغربية وهو ما زاد من حدت الأزمة الاقتصادية حيث ارتفع مستوى التضخم خلال الفترة 90-94م من33.5%سنة90م إلى 72%سنة1994م (وهو ما يعني ارتفاع الأسعار بنسبة قياسية إلى ما يساوي ثمانية أضعاف) وارتفع العجز المالي على أساس نقدي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 10%سنة91م إلى 17%سنة 94م وارتفاع نسبة البطالة ما بين 25-40% من قوة العمل بحسب إحصائيات المنشورة في كتاب الاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين اكتوبر1998م للناشر ألينك المركزي اليمني.

3-اتخاذ مواقف سياسية عدائية ضد اليمن من قبل الخليجيين وهذا ما أبرزته وبوضوح الأزمة السياسية التي عصفت باليمن في عام 1993م.


مسببات الأزمة السياسية التي عصفت باليمن عام 1993م
1-محاولات التراجع عن تنفيذ اتفاقيات الوحدة وإدخال تعديلات على دستور دولة الوحدة واختصار الفترة الانتقالية والتسرع في دمج المؤسسات وهو ما نتج عنه تكريس نظام الجمهورية العربية اليمنية (جار الله عمر ).

2-تشجيع كل خصوم الحزب الاشتراكي اليمني في الشمال والجنوب للانتقام منه وهو ما أدى إلى اغتيال أكثر من مئة وخمسة وخمسون من قادة الحزب وكوادره (جارا لله).

3-تراخي الإرادة السياسية للقيادة الجنوبية في متابعة تنفيذ اتفاقيات الوحدة وهو ما شجع قيادات الشمال على التنصل من تنفيذ الاتفاقيات أو عرقلت تنفيذ الاتفاقيات.

4- ألانتخابات النيابية الاولى التي أجريت في سنة 1993 وما نتج عنها من نتائج((- المؤتمر الشعبي العام 122 مقعد الحزب الاشتراكي اليمني 56 مقعد حزب الاصلاح 13 مقعد حزب البعث العربي الاشتراكي 7 مقاعد حزب الحق 2 مقعدان التنظيم الشعبي الناصري 1 مقعد التصحيح الشعبي الناصري 1 مقعد الحزب الديمقراطي الناصري 1 مقعد المستقلون 46 مقعد -))هذه النتائج لم ترضي قيادات في الحزب الاشتراكي وخلقت نوعا من التذمر بحكم تحول الحزب الاشتراكي وقيادته والجنوبيين إلى أقلية سياسية أبعدتهم عن مركز الشريك الفاعل ودخول طرف ثالث إلى مجلس الرئاسة والنواب متمثلا في حزب الإصلاح الإسلامي الغريم التقليدي للحزب الاشتراكي اليمني انذاك.

5- حرب الخليج الأولى كان لموقف اليمن من احتلال الكويت اثاره وتداعياته وبرزت هذه الاثار وهذه التداعيات في ردود افعال وموقف الخليجيين تجاه اليمن فمع بروز بوادر الخلاف بين شركاء الوحدة سارع الخليجيين الى تشجيع وتعميق هذا الخلاف حيث انصبت مواقفهم في صالح طرف ضد طرف اخر حيث عملوا على دعم وتشجيع الطرف الجنوبي على الانفصال مستفيدين من الخلافات والتباينات التي بدأت بين قيادات الوحدة ليس حبا في الجنوب وإنما ثأرا من اليمن بسبب موقفها المعارض لحرب الخليج الأولى (والثأر عادة عربية مستأصلة في الفرد والقبيلة وحتى الشعوب) وقد تجسدت هذه المواقف من خلال تقديم الوعود بالدعم السخي للجنوبيين في حال انفصالهم,مستغلين حالت الخلافات بين طرفي الوحدة بحكم سوء الإدارة والاحتواء بل إن الحال قد وصل بالخليجيين إلى حد دفع تكاليف الانفصال بكل مرتباته عسكريا وماليا, وتوفير الغطاء السياسي له من خلال حشد وشراء الاعتراف الدولي بهدف إنجاح الانفصال, وهو ما زاد الأزمة السياسية اشتعالا في اليمن والتي أوصلت البلد إلى حرب 1994م...

وليس من المستبعد إن يكون الشمال قد تلقى دعما هو الأخر لشن حربا على الجنوبيين من أطرافا خليجية طالما كانت العملية انتقامية وتصفية حساب لحرب الخليج وكذالك في سياق ما يتداول من حديث وكتابات عن مؤامرات أمريكية لتدمير مخزون السلاح ألسوفيتي في الدول التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي مستشهدين في ذالك بما جرى للجيش الإثيوبي وقبله الجيش الصومالي وكذالك الجيش العراقي.

وعموما فنتيجة للأسباب المذكورة أعلاه وكنتيجة طبيعية لعدم تشكيل آلية مرجعية عند الاتفاق على الوحدة لحل المشكلات والاختلافات التي ستظهر والتي من المؤكد ظهورها كأمر طبيعي فان الأزمة السياسية اتخذت منحنى سياسي حاد وصبغ بالصبغة الشخصية والاجتماعية والشطرية ففي حين بدت الأزمة السياسية وكأنها أزمة بين شخصي الرئيس صالح ونائبة علي البيض يؤكد ذالك تلك الوساطة من السياسيين والشخصيات الاجتماعية والقبلية التي استطاعت لملمت الخلافات وجمع الطرفين لأكثر من مرة تحولت وبسبب مواقف البيض الرافضة لشخصنة الدولة وخطاباته الداعية إلى دولة مؤسسات ودولة النظام والقانون إلى أزمة مجتمعية انقسم المجتمع فيها بين طرفي الأزمة فبينما احتشدت القوى التقليدية (نخب مشايخ القبائل, والقوى الإسلامية وخصوم الاشتراكي من القوى التي غادرة الجنوب قبل الوحدة )خلف الرئيس صالح احتشدت خلف النائب علي البيض قوى الحداثة المتمثلة في الأحزاب الوطنية والقومية ومنظمات المجتمع المدني وفئات الشعب المختلفة وغالبية القبائل اليمنية التي عقدت مؤتمراتها الجماهيرية والتي أعلنت في هذه المؤتمرات تأييدها لمطالب نائب الرئيس علي سالم البيض وأعلنت تحالفها مع الحزب الاشتراكي اليمني لتحقيق هدف الدولة المدنية دولة العدالة والمساواة وبسبب إن الأزمة كان طرفيها الرئيس صالح والذي ينتمي إلى الشمال ونائب الرئيس علي البيض الذي ينتمي إلى الجنوب فقد تحولت الأزمة من أزمة سياسية إلى أزمة شطرية خصوصا إن غالبية أبناء الجنوب قد وقفوا صفا واحدا خلف النائب البيض وهذا ما شجع قيادات وقوى سياسية جنوبية كانت ملتزمة الحياد أو كانت في صف صالح كرابطة ابنا اليمن بقيادة عبد الرحمن الجفري وجزء من قوات الزمرة بقيادة محمد علي احمد إلى دخول الصراع والالتحاق بنائب الرئيس وتأييده وفقا لمنظور شطري وما يؤكد هذا الطرحانه في 14 فبراير 1994، أصدر رئيس الوزراء، وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، حيدر أبو بكر العطاس، المعتكف في عدن، قراراً، عيّن بموجبه محمد علي أحمد، محافظاً لأبين ، وذلك خلفاً للعقيد يحيى الراعي (شمالي)، عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام.
وفي اليوم التالي، ألغى مجلس الرئاسة في صنعاء، قرار رئيس الوزراء، وقالت إذاعة صنعاء، إن قرار العطاس غير دستوري، ونقلت الإذاعة اليمنية عن مسئول في حزب الإصلاح، قوله: إن أقل ما يمكن أن يقال عن قرار العطاس، أنه انفصالي.
وادى هذا الاصطفاف وتلك الممارسات الشطرية إلى انفراط التحالفات القبلية والسياسية والاجتماعية في الشمال المؤيدة لنائب الرئيس وتراجعها عن تأييده بفعل تغير وتحول الاتجاه السياسي الجنوبي المسنود بممارسات وتصرفات شطرية في المحافظات الجنوبية وتحول جزء من هذه القوى القبلية والسياسية وفئات المجتمع المختلفة الشمالية إلى الحياد والجزء الثاني منها إلى الالتحاق بتحالف الرئيس أما الجزء الأخير وهم في الغالب من السياسيين والمثقفين والفئات التي ارتبطت بالجنوب في زمن التشطير فقد أبقت على تحالفها مع نائب الرئيس ومع الجنوب فيما بعد وان لم تلقى الترحيب من القيادات الجنوبية ولكن لم تمانع القيادة الجنوبية بالقبول بهاء على مضض مرحليا في إطار تكتيكاتها في إدارة الصراع وتحقيق الأهداف المرسومة.

يتبع ،،