الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٩ مساءً

سبع خطوات لإجهاض الثورات الشعبية العربية!!!

د . عبد الملك الضرعي
الخميس ، ٠١ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
لقد مثل محمد بوعزيزي صورة من صور المعاناة التي يتعرض لها الشعب العربي من قبل أجهزة الدولة البوليسية ، فعلى الرغم من شخصيته البسيطة كبائع متجول إلا أن الدولة البوليسية عندما تصل إلى مرحلة الجبروت والطغيان لا تفرق بين السياسي والمجرم والبائع البسيط ، فالكل يصبح عرضةً لتلك الحالة من الاستبداد والقمع ، كون فكرة المواطنة تختفي تماماً ويتحول الشعب إلى قطيع من الأفراد مهمته السمع والطاعة ، محمد بوعزيزي تعرض من تلك الآلة القمعية لإهانة لم تستطع كرامته وعزته تحملها فقرر إحراق نفسه دفاعاً عن كرمته المهدورة وبطريقته الخاصة ، وقد توفاه الله نتيجة تلك الحادثة المؤلمة ، تلك الدولة البوليسية القمعية موجودة في مختلف البلدان العربية ولكن بمستويات مختلفة من القمع وانتهاك الحريات، على كل حال وجدت حالة محمد البوعزيزي استجابة في مختلف البلدان العربية من الخليج إلى المحيط ، وحاولت كل دولة معالجة حراكها الثوري بطريقتها الخاصة فدول الخليج اعتمدت موازنات إضافية لتشغيل الشباب ومنح القروض والقيام ببعض الإجراءات المتصلة بالمشاركة السياسية والدول الأخرى اتبعت سياسات معينة خففت من حالة الاحتقان السياسي والمشكلات الاقتصادية ، ولكن أربع دول لم تتمكن من احتواء الثورات الشبابية الشعبية السلمية وهي تونس ومصر وليبيا واليمن ، ولأن بقية الدول تخشى من نجاح تجربة الثورات الشعبية وانتقالها إليها ، وضعت الخطط العاجلة لإسقاط الأنظمة الجديدة في تلك الدول ، أو احتواء الثورة بتفاهمات سياسية وتوافقات كما هو حال المبادرة الخليجية في اليمن ، الشيء المهم في آخر المطاف إجهاض المد الثوري حتى لاتصل ناره إلى تلك الدول وخاصة دول الخليج التي يستنزف حكامها مليارات الدولارات من مواردها دون حسيب ولا رقيب ، على كل حال يبدو من خلال متابعة المشهد السياسي العربي أن خطوات إجهاض الثورات مرت بحوالي سبع مراحل وللقارئ الكريم اختصارها أوالإضافة إليها من خبرته الخاصة ، وتلك الخطوات هي:

1- إجهاض الثورة من الداخل من خلال بث نوازع الكراهية بين مكوناتها وتحويل بعضها إلى ثورة مضادة ، وتعد الاغتيالات السياسية أقرب الوسائل لزرع ذلك الشقاق إضافة إلى أساليب أخرى مثل التفرد بالسلطة أو ضعف مستوى مشاركة رفاق الثورة في الحكم ، أو إحياء النزاعات الفكرية والسياسية.
2- إجهاض الثورة من خلال إفشال حكومات الثورة أمام الرأي العام ، وتعد مشكلات الخدمات الأمنية والمياه والكهرباء ومشتقات النفط أبرز تلك الأساليب ، ويتم فيها الاعتماد على عملاء الأنظمة السابقة في تلك المؤسسات الخدمية ، لأنه ليس من المنطقي أن يتم استبدال كل القيادات التابعة للأنظمة السابقة ، ولو فعلت حكومات الثورة ولو جزء يسير لاتهمت بالعنصرية والإقصاء...إلخ ، والمثال المصري أبرز الأمثلة فعلى الرغم من وجود ثلاثة وزراء فقط من الإخوان في الحكومة قامت الدنيا وما قعدت قائلين أخونوا الحكومة والحال كذلك في الدول الأخرى ، فكلما تم تغيير مدير أو وزير حشد مناصريه وبدأت الاحتجاجات لإسقاط الحكومة لأنها تقوم بالإقصاء والاجتثاث وإن تركوا كانوا اليد اليمني للأنظمة السابقة صاحبة النعمة لأن غالبية هؤلاء غير مؤهلين وتم تعيينهم في مناصب رفيعة بتوجيهات أمنية وبالتالي فولاؤهم لمن عينوهم ، وتلك الإشكالية عميقة ويصعب على أنظمة الثورة حلها دون وجود استراتيجية من الشفافية تكشف حقائق الفساد أمام الرأي العام ، ويتطلب وفق ذلك أن تتصف الحكومات الثورية بقدر عالي من النزاهة والشفافية ، ولكن من المؤسف أن فئة من مكونات الثورات لا تحمل الحس الثوري هؤلاء للأسف التحقوا بالثورات في وقت متأخر وحصلوا على النصيب الأكبر من ثمارها ، ومن خلال هؤلاء فشلت الثورة في تقديم النموذج المثالي للنظام السياسي والإداري الذي يحقق فاعلية أمام الرأي العام.

3- إجهاض الثورة من خلال توقيف الدعم الخارجي الذي كان يقدم للأنظمة السابقة ، أو باستمراره شريطة خضوع الأنظمة الثورية لإملاءات الدول الخارجية فيما يتعلق بالمسار السياسي ، وحكومات الثورة أصبحت في مأزق مالي ،أما وأن تتوافق مع مطالب الخارج من أجل الحصول على المساعدات الضرورية وإما ترفض ، وبالتالي تعجز عن تلبية متطلبات الجماهير المعيشية والنتيجة ستكون ثورات شعبية جديدة ، تلك الثورات الشعبية الجديدة لن تكن عفوية كما الثورات السابقة بل سيتم توجيهها خارجياً من قبل مجموعة الدول المتضررة من الثورات العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربي وداخلياً من خلال الطبقة الرأسمالية التي فقدت مصالحها نتيجة الثورة وكذا بعض السياسيين والمنتفعين من الأنظمة السابقة من كبار القضاة والسياسيين والعسكريين وبعض هؤلاء كانت منافعة لا يقرها عقل فمثلاً كان يصل دخل بعض هؤلاء المنتفعين في مصر إلى مليون جنيه في الشهر ومن موازنة الدولة بينما موظف آخر قد يكون مراسل أوساعي لهذا الموظف راتبه الشهري)70)جنيه ،ذلك التحالف تبينت خيوطه في مشاهد(30)يونيو في مصر وما بعدها ، حيث أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى فتح الجيش المصري لقناة تواصل بين الطبقة الرأسمالية في مصر مع قيادات حركة تمرد بهدف تمويل تحركاتها وأنشطتها ، وكان الأمر واضحاً أيضاً من خلال الدعم المباشر والمعلن للانقلابين من قبل أمراء النفط بعد أن كانت تلك الدول قد أوقفت مساعداتها بعد سقوط حكم مبارك.
4- اجهاض الثورة من خلال ظهور تحالفات جديدة بين مكونات بعضها كانت معارضة في فترة ما قبل الثورة مثل الأحزاب الليبرالية والطبقة الرأسمالية وبعض المكونات الطائفية والمذهبية والمناطقية والفكرية والسياسية ، وهدف كل هؤلاء إجهاض الثورات وعودة الأنظمة القديمة ولكن بتحالفات جديدة تعيد تقسيم السلطة والقوة والثروة، والشماعة التي يتم من خلالها استدراج الشعب للتأييد الشعبي هو الإرهاب والأخونة والإسلام فوبيا...إلخ، فكل مجموعة تختار ما يناسب مجتمعها بحيث تكون الأداة الرئيسية هي الكراهية لأكبر تيارات الثورة ، والهدف اللاحق سيكون ضرب بقية مكونات الثورة ، ومن ثم العودة الكاملة إلى آليات الحكم القديم.

5- إجهاض الثورة من خلال أيصال شخصيات فاسدة إلى العديد من مفاصل الدولة على حساب نصيب بعض القوى الثورية في الحكم ، ويتم الترويج أن هؤلاء ثوار ، وفي الحقيقة هم شرذمة من الفاسدين والوصوليين والانتهازيين أدعياء الثورة ، وهؤلاء مثلوا الطابور الخامس للثورة العربية ، فبهم انتكست شعبية الثورات الشبابية الشعبية ، وبهم بدأ الناس يترحمون على الأنظمة الاستبدادية والقمعية السابقة.

6- إجهاض أي توجه تنموي لحكومات الثورة ، من خلال نشر القلاقل والاضطرابات اليومية التي تصرف حكومات الثورة ، عن أي تحسين لظروف الحياة وإشغالها بمواجهة المطالب الفئوية والاضطرابات اليومية.

7- إجهاض الثورات من خلال إنشاء خلايا منظمة معنية بإسقاط الأنظمة المحسوبة على الثورات الشعبية ، عمودها الفقري من القوى الداخلية التي تشمل رجال إعلام ورجال مال وأعمال ورجال جيش وأمن وقضاة وسياسيين معارضين وقاعدة من المليشيات المسلحة يتم اختيارهم من المجرمين وقطاع الطرق والمسجلين خطر كونهم الأقدر على تنفيذ حالة(الصدمة والرعب للطرف الثوري)، أما الطرف الخارجي فهو الطرف الممول والمقدم لخدمات لوجستية وسياسية وإعلامية دولية تشكل إسناد خارجي يتكامل مع المكون الداخلي ، والمكون الخارجي يعد الموجه لعملية إجهاض الثورة من خلال خطط استخباراتية عالية الدقة.

أخيراً إذا كان تحالف قوى الاستبداد والقمع نجح إلى حد ما في كبح تقدم ثورات ما عرف(بالربيع العربي) فما نعتقده إن تلك المحاولات بإذن الله لن تنجح في إعادة عجلة التأريخ إلى الخلف...وستكتشف الشعوب يوماً ما تلك الخدعة ، وبإذن الله ستكون الثورة العربية القادمة عابرة للحدود...ولن يستطيع أمراء النفط على وجه الخصوص الوقوف أمام رياح التغيير الشعبية ، خاصة بعد جرعة الكراهية الشعبية الناجمة عن التآمر الواضح ضد ثورة25يناير المصرية.