الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢٤ صباحاً

رسالة للرئيس صالح

عبدالناصر المودع
الاثنين ، ١٠ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ١١:١١ صباحاً
"أما أن تقرر مصيرك بنفسك أو أن الآخرين سيقررونه عنك"
عبدالناصر المودع

فخامة الرئيس علي عبدالله صالح .... الأكرم
وبــعد.

لقد وصلتكم عشرات وربما المئات من الرسائل السرية والعلنية خلال الفترة الماضية تُشير عليكم بما يتوجب عليكم فعله لمواجهة الاحتجاجات المطالبة برحيلكم. وأنا لا أتوهم بأن هذه الرسالة ستكون استثناء للرسائل السابقة أو اللاحقة، فالشعور الذي يراودني أنكم لا تهتمون للمشورة التي تعارض رغبتكم الخلود في السلطة، كما وأنني شبه متيقن بأنكم لن تطلعوا على هذه الرسالة، ومع ذلك آثرت أن أكتب هذا المقال وفق هذه الصيغة ضنا مني بأنها ستؤصل الفكرة المراد عرضها بشكل أفضل. ورغم طول هذه الرسالة إلا أنني قد بذلت جهدي كي ابتعد عن العبارات الإنشائية والحشو غير الضروري.

فكرة هذه الرسالة يمكن تلخيصها في أن الأوضاع في اليمن وصلت إلى درجة عالية من الخطورة تتطلب من فخامتكم اتخاذ قرارات مصيريه أحلاها مر، فزمن الخيارات الجيدة والسيئة قد ولى، فالزمن الحالي هو زمن الخيارات السيئة والأكثر سوءا. فالخيارات السيئة هي الخروج من السلطة بشكل آمن ومشرف، أما الأكثر سوءا فيتمثل في خروج غير مشرف ومدمر لكم ولعائلتكم وربما لليمن أيضا. ولكون الأمر على ما ذكرنا، فأن الظروف تتجه نحو أمرين؛ أما أن تقرروا مصيركم بأنفسكم من خلال وضع خطة حقيقية وفق جدول زمني واضح لخروج مشرف وآمن من السلطة. وهو ما يعني أنكم أنتم وليس خصومكم أو العالم الخارجي من يقرر كيفية الخروج من السلطة، وإما أن تستسلم لوهم الخلود وتقرر الاستمرار في سلوك البقاء عبر التكتيكات والخطط التي تبرع فيها. وفي هذه الحالة فإن كل المؤشرات تؤكد بأنكم تعرضون أنفسكم وأسرتكم وأنصاركم وكذلك الدولة لمخاطر جسيمة، وستتضاءل قدرتكم على التأثير فيها يوما بعد أخر، فيما ستتزايد قدرات الآخرين، من خصومك والعالم الخارجي، ليقرروا مصيركم ومصير الدولة. وأجدني شبه متأكد بأن هذا الخيار لن يكون في صالحكم في كل الأحوال.
فخامة الرئيس دعني أبدا معك فيما هو أثير على نفسك وتحب سماعه وترديده.

1- لقد برعت في البقاء في الحكم من حيث لم يقدر عليه غيرك واستطعت بذكاء وشطارة أن تتجاوز الكثير من التحديات بنجاح. وقد منحك هذا الأمر الثقة بأنك قادر على تجاوز هذه الظروف والخروج منها سالما غانما. وهذا يفسر جزئيا سلوككم في التعامل مع الأحداث التي تواجهونها. غير أن الجميع متفق على أن هذه الظروف لا تشبه ما قبلها.

2- لازال لديك الكثير من الشعبية والدعم من قبل فئات واسعة من الشعب اليمني، فرغم الفساد وسوء الإدارة الذي أتصف بها حكمكم المديد، إلا أن الحق يقال بأنك لم تتعمد إيذاء شعبك، فالكثير من مواطنيك - على عكس الحكام العرب الذي قامت عليهم الثورات - لم يمسهم الضر والاهانة المباشرة من حكمكم. فضعف السلطة وفسادها جعل معظم السكان بعيدين عن قمع السلطة وجبروتها، ويمكن القول أن معاناة الناس في ظل حكمكم ناتج أكثرها من غياب السلطة وليس من حضورها. وفي الإجمال يمكن القول أنكم تجنبتم قدر الإمكان إذلال شعبكم. فمعظم اليمنيين خلال حكمكم حافظوا على كرامتهم من إذلال السلطة بشكل من الأشكال.

3- الكثيرون يدينون لكم فيما يعتبرونه الأمن النسبي الذي تمتعوا به خلال حكمكم، وحري بكم أن لا تختموا حكمكم بخوف ودمار ينسف كل ذلك الدين.

4- لقد شعر الكثيرون بأنه حدث تحسن نسبي في مستوى معيشتهم خلال فترة حكمكم وهم بذلك ممتنون لكم ولازالوا مستعدون لدعمكم والصفح عن أخطائكم في حال تأكدوا بأنكم حريصون على عدم الإضرار بمصالحهم.

5- فخامة الرئيس: لا زلتم تمتلكون قدرات عسكرية ضاربة وعدد كبير من الموالين والأنصار، إلا أن كل هذه الإمكانيات لن يكون بإمكانها تثبيت حكمكم وإعادة الحياة لنظامكم المزعزع، وما تقدر على عمله، هو خلق المزيد من الانقسام في المجتمع، ونشر الخراب والدمار على أوسع نطاق، وهو ما يجعلها إمكانات هائلة للانتحار الجماعي أكثر من كونها أدوات للبقا. ولتوضيح ذلك يمكن الإشارة إلى طبيعة مؤيديك وما يمكن أن يقدموه لكم، فمؤيديكم يمكن تقسيمهم إلى فئتين:

أ‌- الفئة الأولى المرتبط مصيرها بمصيرك، وهؤلاء قلة صغيرة جدا من السكان، يأتي في مقدمتهم أقرباءك وبعض موظفي الدولة، الذين يشعرون بأنهم معرضون للعزل وربما للعقاب في حال خروجكم من السلطة، هؤلاء لا تستمع لنصيحتهم لأنهم يفكرون حسب ما يتمنون ولا يقدرون على إسداء النصيحة النافعة، حتى وإن رغبوا، فوضعهم يجعلهم مستسلمون للوهم أكثر من رؤية الحقيقة. جزء من هذه الفئة مستعد للقتال معك حتى النهاية، فيما الجزء الأخر مستعد أن يتخلى عنك في حال ضمن استمرار مصالحه مع خصومك.

ب‌- أما الفئة الثانية فهم الذين يشعرون بأنك لم تضرهم ويخافون من المجهول ومن وصول خصومك إلى السلطة، لا يمكن تحديد حجمهم ولكن الانطباع الشخصي يشير إلى أنهم قد يكونوا كثيرين ويمكن أن يشكلوا أغلبية في بعض المناطق اليمنية (غير الجنوب وصعدة). معظم هذه الفئة غير مُسيس ( بمعنى أنه غير فاعل) والمُسيس منهم ينتمي لحزب المؤتمر. لا تتوقع الكثير من هذه الفئة للقتال معك، وإن كان هناك جزء منهم مستعد للقتال معك حتى النهاية، إلا أن الغالبية منهم أما ستبقى سلبية في أي حرب قادمة أو أن البعض منهم سينقلب عليك في حال شعر بأن سياساتك ألحقت الضرر بمصالحه.

ت‌- هؤلاء الأنصار والقوة المسلحة لن يكون بإمكانها تثبيت حكمك في حال استخدمتها ضد خصومك، فمن المستحيل أن تقضي على خصومك بالقوة المسلحة، فالقوة المسلحة في الوضع الحالي تزعزع سلطتك ولا تثبتها، غير أنها تعجل بتدمير الدولة وسقوطها في مستنقع العنف والفوضى.

6- أستطيع التخمين بأنك لو خليت إلى نفسك بصدق، لأدركت أن ما تمر به هو أسوا لحظات حياتك. فالحصار حولك يشتد من الداخل والخارج. وفي حال اقتنعت بأن كلفة البقاء في السلطة أكبر من كلفة الخروج، فإن هذه القناعة تعني بأنك قد بدأت التحرك في الاتجاه الصحيح، وتبعا لذلك فإن بإمكانك أن تتولى زمام المبادرة، وتسحب الكثير من الأوراق على خصومك، وإفشال الكثير من خططهم. من خلال وضع خطة للخروج من السلطة وتفكيك نظامك والمساهمة في بناء نظام جديد.

وقبل البدء بذكر آلية الخروج من السلطة لا بد من ذكر لبعض الحقائق التي تؤكد ضرورة الخروج من السلطة وسوف أذكرها في النقاط التالية:

1- ألا تلاحظ معي بأن قدراتك في التأثير على الأحداث تتراجع يوم بعد أخر منذ اندلاع الأحداث وحتى الآن، ففي البداية كنت تمتلك أوراق كثيرة لو استخدمتها بشكل أفضل لما وصلت إلى هذا الحال. ومع استمرار الأحداث تراجعت قدراتك بشكل متواصل، ومن الملفت للانتباه أن قدراتك كانت تتراجع مع كل استخدام للقوة، فبعد جمعة الكرامة تراجعت سلطاتك بشكل واضح، كما أنها تراجعت بعد حرق ساحة الحرية بتعز، وينطبق نفس الشيء على استخدامك القوة ضد أولاد الشيخ عبدالله الأحمر، ولا أنسى هنا حادثة الجامع وسفرك للسعودية، وكل ذلك يعني بأن قدراتك في تقرير مصيرك في تراجع. ومن المؤكد بأنك ستفقدها بشكل كبير في حال تطورت الأحداث إلى مواجهات مسلحة واسعة. وكأن القاعدة تقول بأن العنف يزعزع سلطتك ولا يثبتها. ففرصة الخروج الآمن والمشرف تتضاءل مع كل قطرة دم تسفك.

لقد تميز حكمكم بالحذر من استخدام القوة، وأنتم أكثر من يدرك عدم جدواها، فالقوة في اليمن دورها محدود جدا، فهي مجدية للردع وليس للفعل. ولهذا فإن استخدامكم العنف في الفترة الأخيرة يشير إلى تخليكم عن هذا الحذر أو أنكم لم تعودوا تمتلكوا القرار بشكل كامل.

2- عليك أن تقتنع وأن تقنع أفراد أسرتك أن زمنكم في السلطة قد انتهى ولا مجال لأي شكل من أشكال البقاء، وأن الاستمرار هو أشبه بحالة الانتحار. ومن يرغب من أفراد أسرتك في الممارسة السياسية فعليه أن ينتظر فترة من الزمن، ويدخل المجال السياسي بطريقة جديدة ومختلفة. وستكون حظوظهم مرتفعة في حال ساهمت وساهموا بوضع اليمن في الطريق الصحيح، من خلال نقل السلطة بشكل سلس وآمن. أما في حال كان دوركم ودورهم سلبي فأن حظوظهم في دخول المجال السياسي اليمني مستقبلا أقل وربما معدوم. فاليمن المستقر والمزدهر سيوفر للجميع، بما فيهم أقاربك، فرصة الانخراط في السياسة. أما اليمن المدمر فلن تكون فيه فرصة لا لك ولا لغيرك ليمارسوا السياسة أو حتى العيش الطبيعي.

3- أن مساهمتكم في استقرار اليمن وانتقاله إلى دولة حديثة سيسهل عليكم التجول والتحرك في جميع دول العالم بحرية وأمان، أما دوركم في جر اليمن للحرب والفوضى، فأنها ستضيق عليكم الخناق في الدول الأخرى، لأن تدمير اليمن ستتحملون مسئوليته، بحق أو باطل، وهو ما سيجعل الدول الأخرى ترفض استقبالكم، كما وأن أموالكم ستكون عرضة للملاحقة والحجز. وستكون ملاحقتكم أنتم وأفراد أسرتكم، على رأس أولويات السلطات القادمة في اليمن.

4- هناك من يتمنى من فريقكم أن تدمر اليمن بعد خروجكم لكي يبرهنوا لمن طالب بخروجكم أنه كان على خطاء، ومن اجل أن يترحموا على نظامكم كما يردد أنصار الحكام السابقين، وكما ذكرتكم أكثر من مرة بأن زمن (صدام) كان أفضل للعراقيين من العهد الذي أتى بعدة وزمن (زياد بري) للصوماليين كان أفضل مما بعده. وأحب أن أذكركم بأنه ورغم كل ما يقال عن نظام (صدام وزياد بري) من أنصارهم، إلا أن التاريخ يقول بأن هؤلاء أو أقربائهم لا يمكنهم أن يعودوا للسلطة. فهم كانوا السبب فيما وصلت إليه بلدانهم. وفي حال تدهورت الأوضاع في اليمن بعد خروجكم من السلطة، فلا تحلمون بأن الناس سيردونكم إليها، والعكس هو الصحيح، فالتاريخ سيذكر بأنكم كنتم المسئولون عن هذا الخراب. لهذا فإن من مصلحتكم المساهمة في استقرار اليمن وازدهاره بعد خروجكم بدلا من المساهمة في خرابه.

5- أجد في تصريحاتكم قناعة بأن ما يحدث ليس سوى حركة احتجاج ينظمها حميد الأحمر وعلي محسن وحزب الإصلاح، وأحزاب المعارضة. وقد تبدوا الصورة على هذا النحو في حال تم النظر إليها من زاوية ضيقة. فهؤلاء فعلا هم من يتصدرون الحركة المطالبة برحيلك، إلا أن الحقيقة التي تكمل المشهد، والتي لا تحب أن تنظر إليها، تتمثل في طبيعة نظامك، فالفساد وسوء الإدارة هي صفة حقيقية لنظامك، وليست تهمة مختلقة من هؤلاء. كما وأن تناقض نظامك مع الأسس التي يدعي أنه يقوم عليها قد جعل من أمر تغيير النظام مقبولا وشرعيا لدى فئة فاعلة داخل اليمن وخارجه. فأسس نظامك يعتمد على الجمهورية والديمقراطية والوحدة، وكل هذه القضايا لا يمثلها نظامك في المجمل. فنظام حكمك أصبح شبيها بالنظم الملكية، وما ينقصه غير التسمية والتاج. أما الديمقراطية فليس لها أي تطبيق فعلي على الأرض، باستثناء بعض الرتوش الخفيفة كالحرية النسبية في أبدأ الرأي والانتخابات التي يتم تكييفها لتعيد إنتاج نظامك. والوحدة التي تتناقض مع حالة التمييز الصارخ في الحقوق والواجبات بين المواطنين. إلى جانب ذلك هناك فشل واضح لنظامك في حل جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وكل ذلك يعني أن المشكلة ليست في معارضيك وإنما في نظامك، فلوا كان نظامك يمتلك الحد الأدنى من الكفاءة والشرعية، لما تأثر بما يقوم به خصومك، مهما بلغ حجمهم وقوتهم، فقوة خصومك في قوة الحجج التي يطلقونها وليس في أنصارهم وعسكرهم. ولهذا لا تضن بأن هزيمتهم أو التخلص منهم – كما يزينه لكم البعض – سيثبت حكمك وينهي الاحتجاجات، فالعكس هو الصحيح، إذ أن التخلص منهم أو من بعضهم سيجر عليك وعلى أفراد أسرتك مشاكل جديدة تضاف إلى المشاكل الحالية، أقلها أنك وأولادك وربما أحفادك ستبقون عرضة للثار من هؤلاء وغيرهم.

6- أشعر برغبتك بأن لا تسلم الدولة لخصومك ممن تعتقد أنهم خانوك، واعتقد أن الكثيرين يشاركونك هذا الرأي، فليس من حق خصومك أن يستلموا السلطة بدون انتخابات وتفويض شعبي. وأفضل طريقة للنيل من خصومك أن تسلم الدولة لأشخاص أكفاء قادرون على إضعافهم في ميدان السياسة وهزيمتهم في الانتخابات. أما الحرب فأنها قد تسهل وصولهم للسلطة أو ما سيتبقى منها.

7- أن تسليم السلطة لأشخاص شرفاء وأكفاء سيجنبكم الوقوع تحت رحمة خصوم لا يرحمونكم ويبحثون عن إذلالكم والانتقام منك وأسرتك.

8- ستقول بأنني سأبذل أفضل ما عندي في المرحلة القادمة، والحق أقول لكم بأن أفضل ما لديكم لم يعد كافيا ولا مفيدا في هذه المرحلة. فلم يعد في جعبتكم ما يفيد.

9- ستقول بأن من يطالب بخروجي هم أقلية من الشعب اليمني، وقد يكون كلامك صحيح، فمن يخرج يتظاهر ضدك هم فعلا أقلية بالمعنى العددي، إلا أن هذه الأقلية ومهما قل عددها، هي أقلية فاعلة قادرة على منعكم من الاستمرار في الحكم. وفي أحسن الأحوال تحويل حكمكم إلى حالة من الجحيم والخوف والقلق. أما الأغلبية من السكان فأنهم سلبيين ليسوا معك ولا ضدك ولا أحد يراهن عليهم.

10- بعد سقوط مبارك وبن علي والقذافي فيما يسمى بـ "الربيع العربي"، وجد مناخ جديد، في المنطقة والعالم، يرفض بقاء نظامك بأي شكل من الأشكال. فسقف مطالب المعارضين ارتفعت، فلم يعودوا يقبلوا بأقل من التغيير الكامل والجذري لنظامك. ولهذا لا تتوهم بأنك ستستمر في الحكم من خلال الوسائل السابقة كاستخدام القوة، أو الدخول في صفقات سياسية مع المعارضين لاقتسام السلطة والثروة. فالكثير من هذه الأدوات والحيل لم تعد ممكنه أو فقدت الكثير من الصلاحية. فخصومك، إلى جانب أنهم يشعرون بأنهم قاب قوسين أو أدنى من إخراجك من السلطة، لا يطمئنون لأي أتفاق معك، فقرار الإطاحة بك أصبح قرار نهائي ووحيد بالنسبة لهم. أما العالم الخارجي، أو لنقل جزء كبير منه، فإنه قد أصبح على قناعة بأن نظامك يجب أن يتغير وأنك شخصيا أصبحت من الماضي ولا يمكن أن تكون جزء من إي حل مستقبلي. لهذا فإن الدعوة للحوار أو الانتخابات المبكرة، بنظرهم، ليست سوى حيل لإطالة عمر نظامك.

11- لقد أكثرتم من تخويف العالم من مخاطر خروجكم من السلطة، ويأتي هذا التخويف من حقيقة غياب مؤسسات الدولة التي لم تبنوها خلال حكمكم المديد، ولا تتوقعوا أن العالم سيعطيكم المزيد من الوقت لتبنوا مؤسسات فشلتم في بنائها خلال 33 عاما وكنتم في ظروف أفضل من هذه الظروف.

12- لقد أثبتت حادثة الجامع، إلى أنكم أنتم وأقاربكم في مرمى النيران، فحتى لو ألقيتم القبض على الجاني، فإن الخطر سيبقى مسلطا عليكم، ففي الصراعات المسلحة التي تنوون السير فيها، يصبح القادة وأسرهم من أكثر الأهداف شيوعا، ولتنظروا إلى جميع الحروب الأهلية التي دارت في أكثر من دولة، وستجدون أن معظم القادة في جميع هذه الحروب تم اغتيالهم أو نفيهم في أحسن الأحوال.

- العالم الخارجي وتحديدا الدول الغربية قد يتحركون عسكريا للإطاحة بك في حال أدت الفوضى إلى إي تهديد لآمنهم، فآمن اليمن أصبح من آمنهم، والفوضى في اليمن هي تهديد مباشر لأمن الكثيرين وتحديدا أمريكا والسعودية، وهؤلاء لن يسمحوا لك أو لغيرك بأن يعبث بأمنهم. فأي عنف أو فوضى في اليمن ستتحملون مسئوليتها من الجميع (الداخل والخارج). فبغض النظر عن تفاصيل الأحداث، فأنه سيتم تحميلكم المسئولية السياسية والجنائية عن كل دم ودمار حاق باليمن وسيحيق به، ففشلكم في بناء دولة حديثة، أو لنقل تعمدكم بناء النظام على هذا النحو، منحتم التبرير الشرعي لمن طالب بالتغيير، وهذه هي المسئولية السياسية. أما المسئولية الجنائية فتتمثل في إصراركم وتمسككم بالسلطة منذ بدء الاحتجاجات، ودفعكم الأمور نحو الحرب والفوضى، وهي مسئولية مباشرة لن يكون بإمكانكم إقناع العالم بغيرها.

13- قديما قيل أن القائد الناجح هو من يملك خطة للانسحاب في الوقت المناسب، فالقادة الحمقى هم من يستمرون في معركة خاسرة، بعد أن بانت ملامح الهزيمة. فيرمون أنفسهم وجيشهم للهلاك. واحسب أن خبرتك وذكائك لن يجعلانك من هؤلاء.

14- ستسمع من يقول لك ليس من الرجولة الخروج من السلطة دون القتال حتى أخر رجل وأخر رصاصة، والصحيح أن الرجولة هي اتخاذ القرار السليم والتضحية والتنازل من أجل هدف أسمى، فلوا كانت الرجولة القتال حتى أخر نفس فإن (زياد بري) سيعتبر الأكثر رجولة حين لم يخرج من السلطة إلا بعد أن تأكد بأنه لم يعد هناك مبنى سليم في مقديشو.

15- إن أي حرب في اليمن ستكون حرب بينكم وبين الآخرون ونتيجتها الحتمية، وأن طال الزمن، ستكون نهاية نظامكم، فالحرب لن تكون حرب طائفية أو دينية أو عرقية أو عقائدية، ولكنها حرب بين نظام يرفض الخروج من السلطة وعلى رأسه أنت وأسرتك، وخصوم كثر سيتزايدون مع استمرار المعارك. والنتيجة الحتمية سقوط نظامك في النهاية. وهذا يعني بأن مسيرة الحرب ستكون عبارة عن خصم متواصل من حجم سلطاتك - وهذا لا يعني بالضرورة إضافة لرصيد خصومك – فقد يستفيد منها أطراف جديدة، أو لصالح الفوضى، كما هو متوقع.

16- ستقول بأنك لن تسلم السلطة قبل أن يتم معرفة من قام بتفجير جامع دار الرئاسة ومعاقبته، إحقاقا للحق، وقد يبدوا هذا الأمر معقولا وعادلا. إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك، فإن كان من قام بهذا العمل طرف سياسي، فأن قانون العفو العام، المؤمل إقراره، سيشمل فيمن يشمل الطرف السياسي المسئول عن حادثة الجامع. وفي هذه الحالة فإن عليكم أن تقبلوا بأن يفلت الجناة من العقاب بنفس الكيفية التي يتطلب بها من ضحاياكم أن يقبلوا بقانون العفو العام الذي يعفي نظامكم من إي جرائم ارتكبت بحقهم. إلى جانب ذلك ستكون نتائج التحقيق موضع شك من قبل خصومكم مهما امتلكتم من الأدلة والبراهين التي تثبت تورطهم في الحادث. أما إن كان الحادث من تدبير أحد الجماعات الإرهابية فإن النظام القادم كفيل بملاحقتهم ومعاقبتهم.

**ملامح الخروج الآمن:
فخامة الرئيس منذ بداية الاحتجاجات المطالبة برحيلك وأنت تردد بأنك غير طامع في السلطة وأنك مستعد أن تتركها لأيد أمينه، ومع ذلك فإن قلة قليلة تصدق ما تقول، خاصة خصومك ومن يعنيهم الأمر، فهؤلاء لا يثقون فيما تقول ويشعرون بأن لا نية حقيقية لديك للتخلي عن الحكم، ويعزز حكمهم هذا، أنك لم تبادر إلى إجراء أي تغيير حقيقي في طريقة حكمك، وتراجعك أكثر من مرة عن توقيع المبادرة الخليجية.

والآن وبعد حادثة جامع الرئاسة والمصادمات المسلحة في أكثر من مكان، ودخول اليمن في نفق مظلم، فإن الأمر متروك لك بأن تستمر في السير على نفس الطريق الذي مشيت فيه منذ بداية الأحداث وحتى الآن، وهو طريق اتضحت معالمه لكم في حادثة الجامع، وما بعدها. أو أن تنهج طريقا مختلفا تماما تستعيد من خلاله زمام المبادرة، عن طريق الشروع في اتخاذ خطوات فعلية لتسليم السلطة بشكل كامل ونهائي لإخراج اليمن من المأزق الذي يعيشه ويهدد وجوده.

فخامة الرئيس: لست بحاجة لأي مبادرة، أكانت خليجية أو من الأمم المتحدة أو من غيرها، إذا قررت أنت بأن تفكك نظامك وتنقل السلطة بشكل فعلي وحقيقي. وستجد العالم الخارجي وجزء كبير من شعبك بما في ذلك بعض معارضيك، يساندونك ويدعمون توجهك. فالعالم الخارجي، وجزء كبير من النخبة في اليمن، يدركون صعوبة التغيير في اليمن على الطريقة المصرية وكلفتها على الطريقة الليبية ولهذا فأنهم مستعدون لدعم فكرة أن تقوم بمبادرة للتغيير تكون منطقية وتخدم مصلحة اليمن. فكونك الأكثر دراية بالنظام الذي بنيته فأنك، إن أردت، ستكون الأكثر دراية وقدرة أيضا بكيفية تفكيكه بأقل قدر من الخسائر والأضرار. وأهم معالم هذه الخطة ما يلي:

أ‌- الاقتناع الحقيقي بترك السلطة من قبلكم وأفراد أسرتك، بشكل كامل، ويتضمن ذلك التخلي عن المناصب القيادية في الجيش والأمن وكذلك حزب المؤتمر الشعبي.

ب‌- الاختيار بين تسليم السلطة لخليفة من ضمن حزبكم يتم نقل السلطة له بشكل كامل وسريع، أو تسليم السلطة لمجلس رئاسي من عدد من الأشخاص. وفي كلا الحالتين فإنه يتطلب في من يستلم السلطة، أكان شخص أو مجلس، القبول من قبل معظم الأطراف الفاعلة والعالم الخارجي. فلا تفكروا بأن تنقلوا السلطة لشخصية من الأقارب. فهذا الأمر سيكون مرفوض تماما، حيث سيبدو الأمر وكأنه حيلة للبقاء.

ت‌- في حال قررتم أن تسلموا السلطة لشخص فإن اختيار هذا الشخص سيكون بمثابة حجر الزاوية لنجاح عملية انتقال السلطة. ولسوء الحظ فإن النائب الحالي لا يبدوا أنه رجل المرحلة، فعلى الرغم من تمتعه بالكثير من الصفات الطيبة إلا أن ليس منها ما تؤهله لحكم اليمن في هذه الظروف. فمؤهله الرئيسي أن يكون نائبا لعلي عبدالله صالح وليس خليفة له. فمثلما اجتهدتم في اختيار صفات النائب، اجتهدوا في اختيار الخليفة. فالمرحلة الراهنة تحتاج إلى صفات رجل دولة بمواصفات استثنائية، قادر على إخراج اليمن من هذه المرحلة الخطرة. ولن تعدموا الأشخاص المؤهلين لهذا المنصب من داخل حزبكم. فحسن اختياركم سيوفر عليكم وعلى الدولة الكثير من المخاطر، والجميع على ثقة من أنكم الأكثر دراية بالشخص المؤهل لهذه المرحلة.

ث‌- في حال قررتم تسليم السلطة لمجلس، فإن المجلس المثالي يجب أن يضم أشخاص يمثلون جميع الأطراف، ومن الشخصيات التي لها قبول عام وتحظى بمصداقية، ويفضل أن لا يكون لديهم طموح سياسي بعد أنتها المرحلة الانتقالية.

ج‌- من المقبول والمنطقي أن يترافق مع خروج أقاربك من مؤسسات الدولة، خروج مماثل لخصومكم من مؤسسات الدولة الأخرى خاصة المؤسسة العسكرية. عملا بمبدأ تكافؤ الفرص للجميع. فمثلما لا يصح أن يسخر حزب المؤتمر إمكانات الدولة (العسكرية والمالية والإدارية) لصالحه فإنه بالمقابل لا يصح أن تسخر المعارضة إمكانات الدولة لصالحها عبر وجود الفرقة الأولى أو غيرها، فالقوات المسلحة وكل أجهزة الدولة يجب أن تبقى على الحياد. ولهذا فإن تسليم كل مؤسسات الدولة لأفراد محترفين ومحايدين ينبغي أن يكون جزء من عملية انتقال السلطة.

ح‌- تعيين قادة عسكريين أكفاء وغير منتميين سياسيا، لتولي قيادة الأجهزة العسكرية والأمنية التي يشغلها أقاربك، والقادة المحسوبين على المعارضة. وأن يتم ذلك بالتشاور مع الجهة التي ستستلم السلطة – شخص أم مجلس رئاسة.

خ‌- التشاور مع العالم الخارجي وتحديدا السعودية وأمريكا في الخطوات التي تنوون عملها. من أجل الحصول على دعم خارجي لعملية انتقال السلطة ولتعزيز السلطة القادمة.

د‌- اشتراط أن لا تقل الفترة الانتقالية للرئيس المؤقت، أو مجلس الرئاسة عن عامين، وهي فترة معقولة لإدارة حوار مع أطراف العمل السياسي من أجل الخروج باتفاقات تهيئ الدولة لانتخابات تشريعية ورئاسية ذات مصداقية.

ذ‌- من الأفضل لأقاربك أن يتركوا جميع الوظائف الرسمية والحزبية، لأنك إن قررت أن تبقيهم في هذه المناصب بنفس السلطات التي يتمتعون بها الآن، فهذا يعني انك غير جاد في نقل السلطة، إما أذا قررت أن تبقيهم في مناصبهم بسلطات عادية فانك تعرضهم لمصير سيئ، لأنهم سيصبحون عرضة للانتقام وفتح ملفات الفساد وسوء استخدام السلطة، وهي قضايا يسهل فتحها حين يصبحون موظفون عاديون.

ر‌- اشتراط أن تشكل الحكومة القادمة من قبل السلطة القادمة - رئيس أو مجلس - دون شرط تشكيلها من جميع الأطراف. فترك تشكيل الحكومة للسلطة القادمة يمنحها مرونة عالية لإدارة الدولة بفاعلية. ففكرة الحكومة الوطنية في هذا الظرف غير عملية، وستدخل الدولة في متاهات الاتفاق على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية وغيرها من القضايا التي ستعمل على تمديد الأزمة واستمرار تدهور الأوضاع.

ز‌- الإصرار على مسألة العفو العام عن جميع المسئولين خلال المرحلة السابقة - فترة حكمك وما قبلها - من اجل فتح صفحة جديدة بدلا من الدخول في تصفية حسابات مدمرة، تحت حجة العدالة، فاليمن بحاجة إلى الاستقرار والأمن وهذا الأمر لن يتحقق من خلال المحاكمات مهما تكن حياديتها ونزاهة قضاتها. وفي هذا الشأن لا تصدقوا من يقول لكم بأنكم لا تحتاجون للعفو لأنكم لم ترتكبوا أي جرم. ففي حال أردا خصومكم أن يحاكموكم فلن تعجزهم الأسباب، فهاهو (بن علي) يحاكم بعشرات القضايا من بينها حيازة بضعة بنادق وأسلحة شخصية، وهي تهمة تبدوا مضحكة، إلا أن سقوط إي نظام يفتح الباب لمئات التهم السخيفة منها والجادة.

س‌- أن تترافق هذه المبادرة مع خطوات عملية تظهرون من خلالها صدق نواياكم.

ش‌- الاقتناع التام بفكرة التقاعد السياسي فلا تفكروا بالبقاء زعيما للحزب أو أي منصب أخر لأن إي منصب من هذا القبيل سيظهركم بأنكم تريدون الحكم من وراء الستار. وفي هذا الشأن فإن من مصلحتكم وأفراد أسرتكم الذهاب للعيش خارج اليمن والتوقف بشكل كامل عن ممارسة إي نشاط سياسي على الأقل خلال الفترة الانتقالية، فهذا الأمر يجنبكم التهم بتخريب الوضع القادم، وإدارة ثورة مضادة.

ص‌- منح الرئيس أو المجلس القادم كل السلطات الفعلية للرئيس، وحث جميع أنصاركم على تأييده والوقوف معه، وتركه يحكم دون تدخل من قبلكم.

فخامة الرئيس: هاهي اليمن بعد أكثر من ثمانية أشهر على بداية الاحتجاجات المطالبة بتغييرك، تعيش وضع كارثي، فهناك دماء تسفك وشعب يزداد خوفا وفقرا، ودولة على شفا الانهيار، وتستطيع أن تقول بأن من قام بالثورة يتحمل المسئولية، غير أن الواقع والتاريخ سيحملك أنت المسئولية الكبرى عن كل ما حدث وسيحدث، فلقد كان بإمكانك أن تتفادى الكثير مما جرى لو تصرفت بشكل مختلف وتخليت عن وهم الخلود وأقلعت عن إدمان السلطة وسلكت سلوك رجال الدولة الحقيقيين.
فخامة الرئيس: دعني أصدقك القول في نهاية هذه الرسالة الطويلة بأنك أشبه بمن يتحرك في رمال متحركة كلما تقدمت خطوة أملا في الخروج انغمست أكثر وأكثر حتى يطمرك الرمل، فالوقت ليس في صالحك، وقدرتك على التأثير في الأحداث في تناقص مستمر. فساعة الحقيقة قد دنت، وسنة الحياة ستمر عليك كما مرت على غيرك. فخلال هذا العام فقط عشت وعايشت مالأت (زين العابدين بن علي) و(حسني مبارك) و(لوران قباقبو) رئيس ساحل العاج المخلوع، و(القذافي) وراءيت أنهم حصلوا في فترات ما، على فرصة أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، إلا أنهم أبوا واستنكروا، فضاعت منهم تلك الفرص فقرر الآخرون مصيرهم. فهل ستعتبر مما صاروا أليه؟ أم أنك ستنخدع بوهم أنك مختلف عنهم، فتجد نفسك وقد أصبحت واحدا منهم.أن مساهمتك في وضع اليمن في بداية طريق صحيحة، وتجنيبها الحرب والدمار، ستقدم أفضل هدية للشعب اليمني وهو ما سيجعله يغفر لك عن الكثير من الأخطاء.