الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٦ مساءً

قراءة اولية في خطاب الملك السعودي

طارق مصطفى سلام
الأحد ، ١٨ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
خطاب الملك السعودي مجاهرة علنية بالعداء للثورات الشعبية وموقف متطور ومنحاز لطرف في الاحداث ويصعد من وتيرتها الصاخبة والدموية ويوجه رسائل قوية للمجتمع الدولي والاتحاد الاوروبي وامريكا وتركيا ...وخاصة اليمن ..فماذا نحن فاعلون في اليمن ؟ الامر سيؤدي الى خلط الاوراق والمواقف وتغيير التحالفات والاصطفافات محليا وارتباطاتها الاقليمية الخ ! ولمعرفة انعكاسات خطاب العاهل السعودي على الاوضاع السياسية في اليمن والتأثير المحتمل الذي يمكن أن تحدثه في موازين القوى للأطراف المتصارعة في الساحة الوطنية اليمنية فلا شك ان مضمون هذا الخطاب يصب في مصلحة الانظمة السياسية التي اطيح بها في ثورات الربيع العربي وفلولها التي تسعى باستماته للعودة للسلطة وهنا وفيما يتعلق باليمن لابد لنا أن نعود بالذاكرة قليلا للوراء لنعرف أن زيارة الرئيس السابق للسعودية في 1أبريل 2013م لم تكن مطلقا لغرض العلاج كما أعلن عنها خاصة وانه جاءت بعد يوم واحد من زيارة الرئيس هادي لموسكو وبعد تردد طويل بل ورفض قاطع من صالح لمغادرة اليمن لأي سبب كان ثم يغادر صالح إلى السعودية مساء يوم الاثنين الاول من ابريل 2013م (لإجراء فحوص طبية) بعد تردد استمر عدة أشهر لمواصلة العلاج من الجراح التي أصيبها في تفجير دار الرئاسة الذي وقع في الثالث من يونيو 2011م , صالح يغادر للسعودية بعد تردد أكثر من مرة في مغادرة اليمن إلى الخارج لمواصلة العلاج بسبب مخاوف من ملاحقته في الولايات المتحدة الامريكية أو دول أوروبية، لكنه يحصل على تأشيرة دخول إلى السعودية مع عدد من مرافقيه لتلقي العلاج ! ومتى ؟ في الوقت الذي يتهم فيه ومن خلال بيان صادر عن مجلس الأمن الدولي بمحاولة عرقلة العملية الانتقالية في اليمن، وحذر من فرض عقوبات دولية عليه.

صالح الذي يقول أنه ضاق بالسلطة ولم يعد يرغب بها أو يفكر فيها وحمد الله أنه تركها بسلام يتحول الى النشاط الاجتماعي ويعزز نفوذه القبلي وتواصله الدائم مع أطراف مهمة في السلك العسكري والأمني ويقضي ساعات طويلة امام شاشة الحاسوب ليتحول نشاطه إلى الفيس بوك بعدما أنشأ صفحة رسمية له على الموقع الاجتماعي الشهير، لينال نحو خمسين ألف متابع خلال أسبوع ليعمل جاهدا في الترويج لنفسه وتاريخه السياسي وكأنه يؤهل نفسه لوظيفة جديدة ويقدم ال c.v خاصته ليؤكد استحقاقه لها ! أو أنه يحرص على مسح ماضيه السييء من خلال نشر صوراً له وهو يمارس الرياضة، ليحث الشباب اليمني على ممارستها!، ثم يدعوهم إلى الإقلاع عن مضغ القات والتدخين وإهدار الأوقات والصحة ليقدم نفسه مجددا بصورة مختلفة لشعب سبق له أن لفضه وطوي صفحته إلى الأبد.

كما أن هناك مؤشر أخر لسعي تحالف السعودية والامارات في وأد ثورات الربيع العربي التي لا شك أنها بإنجازاتها المنتظرة ستلحق بمصالحهم وسلطاتهم ونفوذهم في المنطقة أكبر الأضرار حيث تأكد معظم الأخبار المتداولة عن السفير احمد علي صالح ارتباطه بل وعضويته في الخلية الخليجية التي تدير الانقلاب في مصر حيث كشفت التقارير الصحفية عن محتوى مراسلات تلك الخلية الخليجية مع وزير الدفاع المصري الذي نفذ الانقلاب الجنرال السيسي , تلك الخلية التي تظم كثير من رموز العهود السابقة التي اسقطتها ثورات الربيع العربي ومنهم أحمد شفيق المرشح السابق للرئاسة المصرية والذي يتواجد الآن في الإمارات العربية لهذا الغرض .

وعلى هذا المنوال ولذات الأهداف تسربت اخبار شبه مؤكدة عن دعم مالي كبير يبلغ حوالي اثنين مليار دولار تقدمه دولة الامارات العربية لأحمد علي لخوض الانتخابات القادمة البرلمانية والرئاسية .

وفي الوقت الذي يعزز طرف النظام السابق علاقته بدول الخليج وخاصة الشقيقة الجارة الكبرى يلاحظ فتور علاقة تلك الدول بالطرف الثوري في اليمن وهي علاقة تقليدية قديمة لم تقدم الجديد لإثبات تجدد المصالح وديمومتها كما فعل الرئيس السابق وحلفائه ..وفي هذا الجانب ودلالة على تدهور علاقة المملكة السعودية مع أخوان اليمن يلاحظ حدة الخطاب الأخير للشيخ حميد الأحمر الذي هاجم فيه بشدة الداعمين للانقلاب العسكري في جمهورية مصر العربية حيث هاجم حميد الأحمر دعم وتشجيع بعض دول المنطقة للانقلابيين في مصر وهو الهجوم الثاني للشيخ حميد على دول الخليج العربي واصفا قادتها بالمراهقة السياسية بعد أن وصف أموالها بالمدنسة في وقت سابق .

بل أنه ذهب بعيدا في تحديد تلك الدول ودورها في الانقلاب ووصف قادتها بأسواء الصفات حيث أكد الشيخ حميد الأحمر أن ما يحدث اليوم بمصر ما كان ليحدث لولا دعم وتشجيع بعض دول المنطقة التي تدار من غرف الإنعاش أو من قبل ساسة مراهقين.
وقال تعليقا على ما حدث في مصر (إن الرهانات ستسقط الظلمة والمتكبرين وستنتصر إرادة الشعوب بإذن الله ولن يستثنى أي نظام ظالم).

وأضاف (الشعب المصري اليوم يدفع ثمنا غاليا لحريته وحرية شعوب المنطقة والنصر قادم لا محالة) .

إلا أن أهم وأخطر ما قاله : بعض دول الكهنوت تحاول أن تضع الشعوب العربية بين خيار الصبر على ظلم الحاكم أو خيار سقوط الدولة بأكملها .

ويلاحظ ايضا تناقض المسارين والاختلاف الكبير في الموقفين بين اخوان اليمن اللذين ذهبوا بعيدا في دعم الرئيس المخلوع مرسي وموقف العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز الذي القى اليوم خطابا أعلن فيه صراحة دعمه للإنقلاب العسكري في مصر، ورفضه لما اعتبره الإرهاب, ودعا العرب إلى الوقوف معا (في وجه كل من يحاول أن يزعزع مصر ) في رسالة قوية لدعم القيادة المصرية بثها التلفزيون السعودي اليوم الجمعة.

وقال: الملك عبد الله (ليعلم العالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة).

وأضاف (إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية والشرفاء من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم أن يقفوا وقفة رجل واحد وقلب واحد في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية).

كما تعهدت المملكة بتقديم مساعدات إلى مصر بقيمة خمسة مليارات دولار بعد الإطاحة بمحمد مرسي من الرئاسة في الشهر الماضي.

ويأتي المؤشر الخطير والأخير على تدهور تلك العلاقة بين المملكة واخوان اليمن ما جاء اليوم الجمعة 16اغسطس2013م على لسان خطيب جمعة الستين فؤاد الحميري الذي أعلن سقوط المبادرة الخليجية ومتوعداً بمحاكمة سريعة لصالح وأنصاره في القريب العاجل !.. ويأتي هذا التصعيد بحسب مصادر مطلعة رداً على دعم الدول الراعية للمبادرة الخليجية للإنقلاب الذي اطاح بالرئيس المصري محمد مرسي .

وهناك مؤشرات أخرى عديدة يمكن قراءتها في ذات الاتجاه الذي ينبىء باصطفافات جديدة تتم في الساحة الوطنية وتهد استقرار ومستقبل اليمن أهمها تلك الأنباء المقلقة عن تعثر في سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني بسبب مقاطعة الحراك الجنوبي لجلسات المؤتمر وتلك الرسالة التي حرص الرئيس السابق صالح على ايصالها قوية لخصومه من خلال تلك المسيرات الكبيرة التي شهدتها صنعاء العاصمة يوم أمس الخميس 5/8/2013م اثر عودة القيادي المؤتمري نعمان دويد بعد رحلة علاج طويلة وتعمد مرور موكبه المسلح أمام منزل الشيخ صادق الاحمر في الحصبة .

ويبرز هنا السؤال الأهم وهو عن موقف الرئيس هادي من هذه المعمعة بمختلف اطرافها المحلية والاقليمية والموقف منه ويبدوا أنه الخاسر الأكبر لأن كل هذا التدهور في الاوضاع يتم في عهده وسوف يتحمل مسؤوليته أن تفاقمت الاوضاع وازدادت سواء إلى حد يصعب السيطرة عليه ..حيث يلاحظ تلك الحشود لجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في اليمن يوم أمس في العاصمة صنعاء للتنديد بموقف الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي الذي يعتقد أنه مبارك لانتفاضة (30 يونيو) في مصر التي أنهت حكم الإخوان هناك.

حيث جابت مسيرة حاشدة لآلاف من أنصار “الإخوان”، بينهم مئات النساء، مساء امس الاول، عدداً من شوارع العاصمة صنعاء وصولا إلى ميدان التحرير الذي لا يبعد كثيرا عن مبنى السفارة المصرية في شارع جمال التي عززت الأجهزة الأمنية إجراءات الحماية حول محيطها بتوجيهات مباشرة من الرئيس هادي .

وندد المتظاهرون من الاخوان اليمنيين بما وصفوها “مجازر” القوات الحكومية المصرية ضد معتصمي ميداني رابعة العدوية والنهضة ورفعوا صور الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وأعلاماً مصرية ويمنية، ولافتات كتبت عليها عبارات منددة بفض اعتصامي جماعة الإخوان في مصر، منها “قتل المعتصمين وصمة عار في جبين الجيش المصري”. ورددوا شعارات مؤيدة لمرسي وطالبوا الرئيس اليمني هادي بسحب اعترافه بما أسموها “سلطة الانقلاب” في مصر، وهتفوا بصوت واحد: “يا هادي يا منصور، عدلي منصور هو الطرطور”.

وفي جنوب اليمن وفي مؤشر أخر لتزايد النفوذ السعودي والايراني في صفوف الحراك الجنوبي واقتسامهما لفصائل الحراك العديدة والمختلفة بينما لوحظ مؤخرا توافقهما على معارضة اخوان عدن حيث أعترض أنصار الحراك الجنوبي بعدن اليوم الجمعة 16/8/203م مسيرة تضامنية مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر كان قد دعا لها فرع حزب الإصلاح بعدن (الاخوان) وأفشلوها فور انطلاقتها .

كما أعلن ممثلو الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار اليمني تعليق مشاركتهم في الحوار بصورة مفاجأة، مشترطين للعودة، مفاوضات ندية بين دولتين، شمال وجنوب، على أن تتم في دولة محايدة , وأفاد مصدر في الحراك الجنوبي أن قرار مقاطعة جلسات الحوار اتخذه رئيس فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار القيادي الجنوبي محمد علي أحمد، المقرب من الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، دون مشاورات مسبقة مع بقية الأعضاء , والغريب في الأمر أن بن علي اتخذ القرار بعد لقاء غامض وغير معلن جمعه بالرئيس هادي في منزل الأخير واستمر لعدة ساعات ثم مباشرة بعد انتهاء ذلك اللقاء الغامض أبلغ محمد علي أحمد ممثلي الحراك الجنوبي بقرار مقاطعة جلسات الحوار، فور انتهاء لقاءه بالرئيس هادي وهذا الموقف المفاجىء للحراك الجنوبي يضعف كثيرا قدرة هادي على السيطرة وتسوية الملعب السياسي بل وادارة شؤون الدولة اليمنية الموحدة من العاصمة صنعاء حيث يحاول الرئيس السابق صالح توظيف هذا التطور السلبي في الاحداث لإلحاق اضرار كبيرة بسلطات الرئيس هادي ومصداقيته من خلال التقليل من شأن قدراته على ادارة شؤون الدولة والتشكيك بمصداقية مواقفه من الاحداث والعديد من القضايا الوطنية الكبرى منطلقا في ذلك من تحريض مناطقي ومذهبي مقيت بل وصل الأمر بصالح أن يتهم الرئيس هادي بعدم ولائه لليمن وللوحدة اليمنية !

السؤال الملح الان في علاقة المملكة باخوان اليمن هو مصير تعاونهم القائم الان في احداث سوريا الراهنة ؟ وهل سيتغير موقف الاخوان المتعاون مع المملكة في احداث ربيع سوريا ويعيدوا الصاع للملك السعودي هناك ؟

اللهم احفظ اليمن ومصر وسوريا وشعوبها من الشرور والفتن واحقن دماء أهلها .