الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٥ مساءً

اعترافات إعلامي!

د . عبد الملك الضرعي
السبت ، ٢٤ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
في برنامج وثائقي سجل بعد سقوط حكم حسني مبارك ، بدأ بعض الإعلاميين يسجلوا مشاهداتهم ومواقفهم ومنهم المذيعة التلفزيونية الشهيرة بالتلفاز المصري سهى النقاش وبعض زملائها وصحفيين آخرين خلاصة ذلك الفلم الوثائقي يحوي مشاهد تتكرر اليوم بصورة كاملة نرصد إيجازاً لبعضها كما يلي:

1- إجبار المذيعين على ترديد أنه لا يوجد في ميدان التحرير خلال ثورة ينايرسوى مئات من المراهقين برفقة بعض الأجانب عرب وغير عرب ، يقول المذيعين بينما نحن نعلم من خلال وسائل الاعلام الأخرى وعند خروجنا من الاستديوهات ومرورنا بالقرب من ميدان التحرير أن الأعداد بمئات الألاف ، فنحاول إبلاغ المخرج أن ذلك غير صحيح وأن ضمائرنا تؤنبنا من الكذب في مواقف واضحة ولا لبس فيها ، فيقول المخرج هذه أوامر ولامجال للنقاش ، ونتيجة ذلك بعض المذيعين انقطعوا عن القنوات والتحقوا بميدان التحرير أو توقفوا عن الدوام وبقوا في منازلهم وبعضهم استمر في تضليل الجماهير بحجة (دي لقمة عيش) ، والغريب أن إحدى المذيعات أكدت أن مبني الإذاعة والتلفزيون مع قرب نجاح الثورة كان محاصر بالمتظاهرين وشاشات التلفزيون تنقل صور ليلية لهدوء ماء النيل وتؤكد أن اعداد من الفوضويين في التحرير محدودة وهم يحاولون إقلاق السكينة العامة ، وأن قوات الأمن على وشك التعامل معهم وإخلاء الميدان...وبالتالي يطالبون المتواجدين بإخلائه خلال ساعات قبل أن تتدخل قوات الأمن ، بينما الحقيقية أن الملايين يحيطون بميدان التحرير والشوارع المحيطة وحتى مبنى التلفزيون.

2- أشار بعض الصحفيين أن توجيهات كانت تصدر إليهم بكتابة عناوين كبيرة بالنص في الصحف وبدون نقاش بحجة الحفاظ على الأمن القومي ومن تلك العناوين مثلاً ضبط خلايا أجنبية في التحرير وبحوزتها أسلحة متطورة ومعدات اليكترونية من دولة شقيقة وصديقة ومنظمات إرهابية ، ويتم في تفصيلات الخبر ذكر خلايا فلسطينية من حماس وغيرها ، ويؤكد رؤساء التحرير أن تلك الأخبار غير حقيقية وفرضت عليهم ولم يكن لهم خيار سوى بنشرها.

3- أشاروا إلى طرق التلاعب بالصور فمثلاً إذا خرجت مسيرة لتأييد حسني مبارك بالعشرات تصور بزوايا جانبية لتظهر الأعداد بالمئات ، ومن الطرق الأخرى إيهام الرأي العام بحالة مفزعة من الانفلات الأمني فمثلاً تم تصوير اشتباك بسيط في متروا الأنفاق بمعركة كبيرة وتم دمج صور ليس لها علاقة بما حدث في المترو ضمن الصورة لتظهر بشكل مرعب لتخويف الناس من الثورة أو الخروج إلى الشوارع ، ومشاهد أخرى قديمة لبدء الاحتجاجات عندما كانت الأعداد محدودة تم عرضها في المراحل الأخيرة من الثورة بحجة أن المعارضين أعدادهم محدودة ، ومن الأليات التي لجأ اليها الإعلام مع قرب سقوط مبارك إنزال مسيرات مدفوعة الأجر وتكليف إعلاميين بتغطية الحدث بشعار يقول الشعب يريد إصلاح النظام بدلاً عن شعار الشعب يريد إسقاط النظام ، وقاموا بتحقيقات في الشوارع تطالب بإكمال حسني مبارك لفترته فقط وإصلاح النظام ومحاربة الفاسدين ، وكل تلك التحقيقات كانت وهمية وبترتيب أمني.

4- مجمل التقرير يشير إلى أن هؤلاء الإعلاميين قدموا التفاصيل الكاملة للحملة الإعلامية الكاذبة ضد ثورة25يناير، وطلب أكثرهم أن يلتمس الثوار والشعب لهم العذر فهم مجبرين ، وفعلاً لم يعاقب كل من ظلل الشعب وساعد على سفك دمه خلال18يوم.

الغريب أن ما قاله هؤلاء الإعلاميين يتكرر بنفس الطريقة وربما بنفس الإعلاميين الذين وقفوا ضد ثورة25يناير، واليوم يقفون ضد التحالف الشعبي لرفض الانقلاب ، المهم في الموضوع هل أصيب الشعب المصري وبقية العرب بالزهايمر وفقدان الذاكرة مع أن الفترة محدودة حوالي عامين فقط ، فنفس الحملة الإعلامية التي كانت تركز على ثور25يناير تشيطن وتأخون اليوم كل معارضي الانقلاب العسكري، العجيب أن نسبة كبيرة من الشهداء والجرحى والمعتقلين حالياً لا علاقة لهم بالإخوان لا من قريب ولا من بعيد وأحياناً يكون المعتقل أو الشهيد جار لبعض الناس منذ عقود ويعرفونه حق المعرفة وربما انتخب شفيق وربما نزل مظاهرات 30يونيو ، وكل لا يشفع له بأنه ليس من الإخوان، لأن البرنامج الإعلامي يركز على أخونة كل من يعارض الانقلاب العسكري وتلك الدعاية الإعلامية السوداء تم التركيز عليها تأسيساً على الحملة المستمرة منذ عقود ، فبدلاً من تكوين حملة جديدة مثلاً ضد تحالف الشرعية ستحتاج إلى فترة لقبول البسطاء بها ، لذا يتم التركيز على من تمت شيطنتهم مسبقاً فيسهل الحملة وتقضي على الخصوم السياسيين بصورة سريعة وبأقل كلفة ، لذلك نجد حتى أن البرادعي أصبح لدى الصحفي أحمد موسى بقناة التحرير أحد أعضاء تنظيم الإخوان العالمي ، مع أن العالم كله والشعب المصري والعربي يعرف من هو البرادعي.

أخيراً الإعلام سلطة رابعة وأداة من أدوات البناء والتنمية وتنوير الوعي والسلام الاجتماعي والتعاون والألفة بين عموم أبناء الشعب ، بينما في حال استخدمت تلك الوسائل استخداماً أمنياً أو طائفياً أو مذهبياً فإنها تتحول إلى سلاح خطير لضرب الهوية الوطنية وتفكيك المجتمع وإشاعة الكراهية والحقد بين أفراد المجتمع ، وهي بذلك تتحول من أداة للتنمية والتحديث إلى أداة للتدمير والتخلف ، ومن المؤسف أن القبضة الأمنية الواضحة هذه الأيام على الإعلام المصري حولته إلى صانع للكراهية والحقد الاجتماعي وهي بذلك ستؤدي إلى تأخر المجتمع لعقود قادمة.