الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤١ مساءً

مصر اثناء غياب مبارك

بندر الكلعي
الأحد ، ٢٥ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
لقد كان العامل المشترك في بلدان الربيع العربي التي اجتاحتها موجة الغضب مطلع العام 2011هو الأنظمة الحاكمة العسكرية التي تعاقبت لعقود في تلك البلدان ، سواء في مصر منذ العام 1952 أو في اليمن من العام 1973 اومنذ ثورة الفاتح في ليبيا أو في سوريا الدولة التي حلت فيها أول كارثة من هذا النوع في العام 1949 وفتحت الشهية للجيوش العربية للتدخل في الحياة السياسية وقد وجدت تلك الأنظمة الحاضنة الشعبية لها في كثير من البلدان مستغلة التناقضات المجتمعية و الفكرية و الصراعات المناطقيه والمذهبية التي استمدت منها أدوات بقائها لعقود واعتبرت نفسها بديلا وحيدا للحكم من خلال شيطنة كل البدائل المتاحة و تخوينها وتكفيرها ووصفها بالعمالة ، وبالرغم من الصحوة الشعبية المتاخره التي فجرت أعظم ثورات الربيع العربي إثر الضيم والامتهان والتعسف الذي لقيه المواطن العربي وضياع صوته وكرامته وفقدان الأمة لسيادتها والتمادي في التدخل في شئونها الداخلية وشن الحروب الخارجية عليها إلا أن ذلك لم يكن نضجا سياسيا يكفل التغلب على عدم العودة مره أخرى إلى أحضان تلك الأنظمة .

فما وصل إليه الغرب في هذه المراحل المتقدمه والراقيه في تبادل السلطه والحكم الرشيد ليس إلا نتاج للنضج السياسي الشعبي وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني الذي تعتبر سمته الأساسية الاعتراف بالآخر وتقبله والتعايش معه ووصول الفرد إلى مرحله متقدمه من ثقافة التعايش مع الأخر وليس اجتثاثه واستئصاله،وعلى العكس من ذلك فغياب هذه الثقافة هي التي ربما تضيع مكتسبات الثورة في أتون الخلافات الثورية العقيمة ، فأضحى شركاء الأمس في الثورة هم أعداء اليوم بل يشاركون بقايا تلك الأنظمة التي ثاروا عليها الانقضاض على المكتسبات التي حققوها معا في ميدان واحد ولم يعد عودة الأنظمة السابقة شيئا مستحيلا كما كنا نقول بالأمس اثر تهاوى تلك الأنظمة ، فبشائر ذلك الخبر ساقته لنا الأيام السالفة بتبرئة مبارك من كل التهم المنسوبه له وخروجه من السجن حرا طليقا، ورأينا بأم أعيننا الشعوب التي خرجت بالأمس تطالب بإسقاط النظام رأيناها اليوم وهي تخرج مره أخرى مطالبة بإسقاط شريكها في الثورة بل واستئصاله فكيف يكون ذلك نضجا سياسيا انجرار هؤلاء وراء النخبة التي وجدت آن مصالحها لن تتحقق إلا بالقضاء على خصمها السياسي وإحراقه وإخراجه من المشهد تماما باستخدام تلك الجماهير التي خرجت تفوض الحاكم العسكري الذي ثارت عليه لمساعدتها في القضاء على خصمها وشريكها في الثورة وكيف يمكن أن يكون نضجا سياسيا أن تلقى مجرد شائعات ذلك الزخم الثوري وتكون سببا في إسقاط أول رئيس مدني اختاره الشعب كأن يقال بعدم احترام الرئيس المعزول للقضاء مع العلم أن جل هذا القضاء هو من بقايا منظومة مبارك، فكيف أضحى القضاء يوصف بالنزاهة و هو جزء من نظام ثار عليه الشعب وإلا فلماذا قامت الثورة إذا ، الم يكن العدل هو أساس الحكم .

ولما كان العدل أساس الحكم فان الإنصاف يبقى أساس الثورة وأساس نجاحها وعليه فان من الإنصاف عند تقييم أول تجربة حكم بعد الثورة أن نعترف بأن أول رئيس مدني لمصر كان يقود بلده في مرحله صعبه ومعقده تتجاذبها أطراف إقليميه ودوليه وتحيط به الأخطار الداخلية والخارجية من كل صوب ، وعليه فإذا كان يجب على أول رئيس بعد الثورة أن يكون نموذج لتجسيد القيم العليا للثورة التي أتت به فانه من الإنصاف أيضا أن تقدم المعارضة مثل أعلى في التعاطي مع الحاكم وان لا تلجاء مطلقا للعسكر من اجل حل النزاع المدني بين فرقاء السياسة وان لا ترحب مطلقا بالدعم الخارجي لخارطة طريق اشرف عليها العسكر، وإذا كان من الإنصاف الاستماع إلى من يقول أن مرسي عمل على أخونة الدولة فانه من باب أولى آن لا نسمح بعسكرتها وإن كان الخوف مبررا من استحواذ تيار مدني على مفاصل الدولة فانه من باب أولى درء هذا الاستحواذ من طرف يملك القوه العسكرية بل انه كان سببا في الاحتفاظ بالحكم عقود من الزمن وإذا كان هؤلاء يريدون إقناعنا بان الحكم العسكري لن يدوم طويلا بل لفترة مؤقتة فان نظام السيد محمد مرسي هو فقط لمدة ثلاث سنوات بل أن الرجل كان قد وافق على إجراء استفتاء على بقاءه فور انتخاب مجلس الشعب ، وإذا كانت جبهة الإنقاذ تتذرع بدعوة التيار الإسلامي للحوار فان من الإنصاف أن لا ننسى أن محمد مرسي أيضا قدم لهم نفس الدعوه مع فارق أنهم رفضوا دعوته خصوصا إذا صح أن الرئيس المعزول عرض مناصب سيادية على شركاءه في الثورة لكنهم رفضوا مع مفارقة عجيبة أن إخلاء الساحات بتلك الطريقة الدموية جاء على عقب الحوار الذي بدا بالفعل مع الجماعة وانهاه العسكر بتلك الطريقه المقززه.

وبالعودة إلى نظام الدكتور محمد مرسي الذي اتهم بإخراج دستور بلون واحد وبنسبة مشاركه انتخابيه ضئيلة فانه من الإنصاف كذلك أن نقر بأن خصومه السياسيين فشلوا فشلا ذريعا بحشد نسبة مشاركه عاليه في تلك الانتخابات لرفض هذا الدستور وإذا كان من الإنصاف أن نرفض قيادة مرسي للمرحلة الانتقالية لوحده فانه من الإنصاف أن نعتبر رغبة جبهة الإنقاذ بحماية العسكر قيادة المرحلة الحالية لوحدهم هو انتهاكا لقيم الثورة التي تغنوا بها واتيانا لمنكر ادعوا رفضهم له ،وإذا كان لا يجوز عدم تجاهل جماهير 30 يونيو فانه كذلك من العدل عدم تجاهل مطالب جماهير رابعة العدوية واذا كنا قبلنا بالجيش وهو يوزع العصائر والماء في التحرير فانه على الأقل من الإنصاف أن لا نقبل برش هؤلاء بالغاز المسيل للدموع فضلا عن الذخيرة الحية ، وإذا كانت مظاهرات رابعة عطلت مصالح الناس فكيف لا تتعطل مصالحهم في قلب القاهرة في ميدان التحرير .

لقد عاشت مصر سبعه عقود في تاريخها الحديث من اللاإنصاف وذلك منذ انقلاب 1952 لكنه يبقى لزاما علينا تذكر أن عبد الناصر كان بطلا قوميا أعاد للامه كرامتها وهيبتها وسيادتها ويبقى من الإنصاف عدم الإنكار بأنه أتى بحكم عسكري ورثه لأجيال قادمة وانه حضر في عهده العمل السياسي واستفرد بالحكم ، ولهذا فقد حان لشعب مصر ان يعيش بلا عسكر وان لا يضيع هذه الفرصه التاريخيه من عمره والتي قد لا تتكر في الاجل القريب و التي ضحى لاجلها خيرت شباب مصر وعول عليها قطاع عريض من أطياف الشعب العربي بل والعالم كله ، فمن الانصاف ان لا يحل محل الرئيس المدني المنتخب الذي اتى ولاول مره بلا دبابه اي حاكم عسكري مهما كانت الذرائع والمبررات التي تهون امام المحرقه التي ارتكبت في مصر وانقسم معها المجتمع المصري ذلك الانقسام الحاد الذي أصبح بلا شك يهدد الامن القومي المصري والعربي وإنعكس ايضا على امن الامه العربيه والسلم الاجتماعي .