الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٧ صباحاً

إيران واسرائيل: حلف الأحقاد الخفي

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
بقلم : على الصراف*
[email protected]


لا شيء في أجواء السياسات الدولية والإقليمية أكثر شيوعا من الحديث عن استعداد إسرائيل لتوجيه ضربة مزعومة لإيران. ولا شيء يمكنه أن يضفي على هذا الحديث "مصداقية" أكثر من الإشارات المكثفة التي تطلقها الولايات المتحدة لمواجهة "التهديدات الإيرانية". ولئن كانت هذه "المواجهة" هي القضية التي شغلت الحيز الأكبر من اهتمامات الجولة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس لدول "حلف المعتدلين" (دول الخليج الست الى جانب مصر والأردن)، فقد انبرى وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس ليؤكد لمضيفيه السعوديين الأسبوع الماضي بان "العراق سيكون سدا في وجه التوسع الإيراني" في المنطقة!
ومن السهل على المرء أن يبدو، حيال ذلك كله، مجنونا لكي يهزأ من تلك المواجهة، أو يجرؤ فيقول إن الأمر كله هراء في هراء. مع ذلك، فلا الأمريكيون أو الإسرائيليون سيضربون إيران، ولا الإيرانيون سيضربون إسرائيل أو القوات الأمريكية في العراق.
والحال، فلكي لا يبدو الأمر وكأنه مجرد استخفاف بالعقول، فلعله كان يجدر توجيه السؤال لوزير الدفاع الأمريكي ولإدارته: كيف، بالله، سيكون العراق "سدا في وجه التوسع الإيراني"، إذا كانت الحكومة التي أقامها الاحتلال في بغداد هي نفسها حكومة إيرانية، يتم تعيين وزرائها وكبار موظفيها من قبل مسؤولين إيرانيين؟ ومن هم أولئك العراقيون الذين سيقفون الى جانب الولايات المتحدة لكي يكونوا "سدا في مواجهة التوسع الإيراني"؟ هل هم السنة الذين يتم ذبحهم ورمى جثثهم في العراء بالعشرات كل يوم؟ هل هم القوميون العرب الذين تم تسليم زعيمهم الرئيس الراحل صدام حسين ليتم شنقه بأيدي الطائفيين الموالين لإيران؟ أم هل هم "الإسلاميون المتطرفون" الذين يعادون "الروافض" (الشيعة) عداءهم للولايات المتحدة نفسها؟ وإن لم يكونوا هؤلاء ولا أولئك، فهل ستقوم الولايات المتحدة باستيراد 20 مليون سويسري لكي يتولوا القيام بهذه المهمة؟

بيد أن أسئلة كهذه، لا تُسأل من جانب أولئك الذين تريد الولايات المتحدة وإسرائيل أن تضحك على ذقونهم في المنطقة.

القصة كلها، لا تعدو كونها قصة أعمال ابتزاز وضغوط من أجل إجبار إيران على تقديم تنازلات فيما يتعلق ببرنامجها النووي. وذلك ليس لأن الولايات المتحدة وإسرائيل تعاديان إيران أو تريدان لها الخراب (الذي سيظل مقتصرا على العرب وحدهم)، بل لأنهما لا تريدان أن يكون حليفهما الموضوعي قويا وواثقا من نفسه بحيث يفرض عليهما شروطا للشراكة في المستقبل. فهما تريدان أن تعطياه الفتات، مقابل كل الخدمات الاستراتيجية التي يقدمها لهما، وأن يقبل به، وأن يواصل خدمة مصالحهما كقوة مساندة فرعية للاستراتيجية الأمريكية الصهيونية، لا كشريك متساو.
ولئن فعلت إيران كل ما يرضى الولايات المتحدة وإسرائيل في العراق وأفغانستان، بالنظر الى أن رضاهما من رضى الله وفقا للفقه الفارسي، فان النشاز الوحيد في هذه الصورة هو "حزب الله" في لبنان. فهذا الحزب، الذي لا يخفي على أحد انه يتلقى دعما مباشرا من إيران، خاض بالفعل مواجهة عنيفة مع إسرائيل أواسط العام الماضي، فصعدت بسببها أسهم طهران كقوة معادية لإسرائيل.
ولكن ألا يحسن التمعن قليلا بما حدث؟

- أولا، حزب الله اللبناني، حزب ديني سياسي، نعم، وذو مسحة شيعية، نعمين، ولكنه حزب وطني لبناني، لو لم يلعب دورا بارزا في المقاومة للعب غيره من الوطنيين هذا الدور.
- ثانيا، الشيعة اللبنانيون، عرب وليسوا فرس، والمسافة الحضارية بينهم وبين الفرس تبلغ 200 سنة ضوئية على الأقل.
- ثالثا، وربما بسبب بعد المسافة الجغرافية بين الشيعة اللبنانيين وبين إيران، فانهم ظلوا بمنأى عن تأثيرات الصهيونية الفارسية، حتى انهم لا يعرفون شيئا عن أطماعها الصفوية، ولم يسبق لهم أن كانوا ضحايا لها.
- رابعا، من دون أي استهانة ببسالة المقاومة اللبنانية، يجب الاعتراف إن حزب الله لم يخض حربا ضد إسرائيل. ما حصل هو العكس تماما. إسرائيل هي التي ردت بعنف على العملية التي قام بها عناصر من حزب الله داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وأسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين. وحزب الله قام بهذه العملية (في يوليو-تموز الماضي) ليس من اجل إزالة إسرائيل من الوجود، بل فقط، من اجل أن يكون لديه ما يقايض الإسرائيليين به لإطلاق سراح بعض الأسرى التابعين له لدى إسرائيل.

المواجهة تضخمت، فقط، عندما خرج الرد الإسرائيلي عن حدوده. ومع ذلك، فقد حافظ حزب الله على الطابع الدفاعي لعملياته، مقتصرا بإطلاق صواريخه على سبيل رد الفعل.، لا أكثر ولا أقل.
لا أحد قال انه يريد أن يزيل إسرائيل من الوجود، ولا أحد زعم انه يخوض صراعا مصريا مع الكيان الصهيوني. وبمقدار ما يتعلق الأمر بإيران فان المنافع الدعائية التي كسبتها من تلك المواجهة يجب ألا تعنى أكثر كونها "مغص بطن" جانبي بين طهران وتل أبيب، كانت إسرائيل هي السبب في جعله موجعا لها، وليس ملالى طهران.
وها هنا بعض دلائل أخرى تفيد إن حلف الأحقاد ضد العرب والمسلمين القائم بين الصهاينة والمجوس لن يتحول الى نزاع دامٍ أبدا.
فلا المجوس يضربون صهاينة، ولا الصهاينة يضربون مجوسا طالما أمكن إبقاء حصص "الشراكة" بين التابع والمتبوع قائمة كما هي ومن دون تطلعات توسعية تزيد عن الحصة المقررة لإيران سلفا:

1- الخميس الماضي، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية"بي بي سي" عن أن إيران عرضت على الولايات المتحدة بعد غزو العراق وقف الدعم العسكري الذي تقدمه إلى حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس". وقالت القناة التلفزيونية الثانية لدى "بي بي سي"، إنها "اكتشفت رسالة استثنائية موجهة من أعلى المستويات الحكومية في طهران إلى الولايات المتحدة، بعد غزو العراق في إبريل-نيسان2003، تعهدت طهران فيها بالمساهمة في ترسيخ الاستقرار في العراق، ووقف دعمها لحزب الله وحماس، والتعامل بشفافية مع برنامجها النووي، وتسهيل الوصول إلى منشآتها النووية، مقابل قيام الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين باتخاذ إجراء لحل منظمة مجاهدي خلق العسكرية المعارضة التي تتخذ من العراق مقراً لها، ووقف السلوك العدائي الذي تنتهجه واشنطن حيالها، وإنهاء العقوبات الاقتصادية التي تفرضها ضدها.
وقالت القناة أن نائب الرئيس الأميركي ديك تشينى رفض العرض الإيراني.

2- صحيفة "فايننشال تايمز" كشفت العام الماضي أن إيران كانت على استعداد للدخول في محادثات شاملة مع الولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من سقوط بغداد في عام 2003. وقالت إن "المواضيع المدرجة على طاولة المباحثات وقتها تضمنت أسلحة الدمار الشامل، وحل إقامة دولتين للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ومستقبل حزب الله اللبناني والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وكان جدول أعمال المباحثات اقترح "اتخاذ خطوات أولية لترسيخ استقرار العراق، واتخاذ إجراءات ضد العناصر المعادية لإيران في العراق وناشطي القاعدة في إيران، ودعم إيران لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنشاء ثلاثة فرق عمل لوضع ثلاث خرائط طريق متوازية حول نزع السلاح، والإرهاب والأمن الإقليمي، والتعاون الاقتصادي".
وواضح من هذا وذاك أن إيران، مثل إسرائيل، مستعدة لأن تتاجر بكل شيء، وأنها تبحث عن رضى الولايات المتحدة حتى ولو على حساب حزب الله وحركة حماس.
فالفرس مجوس، وأحقادهم العنصرية أحقاد شرسة، حتى ولو ربطوا ذيلهم بقالب.

3- صحيح أن إيران كانت "المستفيد الأكبر" من الحرب الأمريكية المزعومة ضد الإرهاب (على حد تقييم مدير "مركز التقدم الأميركي" جون بوديستا، الذي شغل منصب كبير موظفي الرئيس السابق بيل كلنتون)، إلا إنها كانت العون الأكبر للاحتلال في العراق أيضا. ومن دون دعمها المباشر للقوى الموالية للاحتلال، ومن دون مساهمتها الفعلية في ملاحقة قوى المقاومة والتنكيل بمحيطها الاجتماعي لكان الأمريكيون قد هربوا وانهارت مشاريعهم في العراق منذ وقت مبكر.

4- عملاء إيران في العراق منحوا الشركات النفطية الأمريكية كل ما تريده من عقود ستكبل العراق لـ 30 عاما مقبلا. وستوفر هذه العقود للولايات المتحدة حصة أرباح لا تقل عن 20% من كل ما يجنيه العراق من عائدات نفطية، الأمر الذي لا يبقى للولايات المتحدة مجالا كبيرا للشكوى. فخدمها في بغداد إذا كانوا يؤدون ما عليهم، فذلك إنما بفضل طهران.

5- إيران لم تشكل تهديدا للولايات المتحدة لا في العراق ولا في أفغانستان، بل كانت على الدوام طرفا فعالا ومفيدا في "الحرب الأمريكية ضد الإرهاب". وهنا، لا شيء أوضح من قول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علاء الدين بروجردى إن سياسة بلاده الاستراتيجية "تقوم على أساس تقديم المساعدات لإعادة إعمار العراق وأفغانستان واستتباب الأمن والاستقرار فيهما".

6- إيران كانت حليفا موثوقا لإسرائيل وكانت تستورد منها السلاح مقابل تمويل عصابات الكونترا في نيكاراغوا في أواسط الثمانينات، مما يجعلهما شريكين لا عدوين.

ولكن كيف يمكن للمرء أن يفسر التصريحات العنترية التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون، ومنهم الرئيس محمود احمدي نجاد، والتي تدعو الى "محو إسرائيل من الخارطة"؟
الجواب، هو أن الأمر لا يعدو كونه "تقية". والتقية في الثقافة الشيعية الفارسية تعنى قول شيء واستبطان آخر. بل أن "الشيعية الفارسية" نفسها ليست سوى "تقية" لنزعات مجوسية تستهدف الانتقام من الدولة العربية الإسلامية بالتسلل تحت غطاء مذهب إسلامي مزيف. وبطبيعة الحال، فانه يجب التمييز دائما بين "الشيعية الفارسية" كمذهب غنوصى وهرمسى باطني، وبين مجرد "الولاء لآل البيت" بالنسبة للشيعة العرب المخلصين للدولة العربية الإسلامية.
وبمقدار ما يتعلق الأمر بالعداء للعرب والمسلمين فان الصهاينة والمجوس حلفاء موضوعيين بالقوة والممارسة الميدانية والفعل. ولا يوجد شيء عملي واحد، جدير بالاعتبار، يثبت العكس.
وقد يكون تقديرنا هذا كله خطأ. لا بأس. ولكن متى ما تقوم إسرائيل بضرب طهران، أو متى ما تقوم طهران بضرب إسرائيل، فلسوف يكون من الواجب أن نعترف بالخطأ. الوقائع والأفعال ستكون هي سيدة التقديرات في ذلك الحين.
ولكننا، في الأقل، لن نكون ضحية للعبة ضحك على الذقون.
وعلى أي حال، فمثلما سخرت إسرائيل من المزاعم القائلة أنها ستقوم بتوجيه ضربات بأسلحة نووية تكتيكية للمنشآت النووية الإيرانية، فقد قلل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الأربعاء الماضي من أهمية التقارير التي أشارت إلى احتمال تعرّض المنشآت النووية في بلاده إلى ضربات عسكرية. وقال "لقد أخذنا جميع الخيارات بالاعتبار، ولا يجب أخذ الكلام الذي يُطلق في هذا المجال على محمل الجد".
وأضاف لاريجاني، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية، "إن هؤلاء لديهم قليلاً من العقل لكي لا يقدموا على أعمال تفتقد إلى العقلانية كهذه".
ولكن هذا كله لا يعنى أبدا أن حديث المواجهة المزعومة، وحديث التصديات الفنتازية للتوسع الإيراني سيوقف غدا.
فلهذا الحديث وظائف أخرى، لا علاقة لها بضرب إسرائيل لإيران ولا ضرب إيران لإسرائيل، بل بقيامهما معا بضرب الحمقى الخليجيين الذين يفترض أن يدفعوا ثمن المواجهة وكلفة التصدي، نقدا وبصفقات أسلحة.
ويعنى انشغال الحمقى بـ"التصدي للتوسع الإيراني" انه لم تعد هناك حاجة لـ"التصدي للتوسع الإسرائيلي"، فهذا بفضل ذاك، سيصير مفيدا بعد أن كان ضارا.
حيال هذا الواقع، وإذ لا توجد تهديدات فعلية، فان السؤال الذي يجب أن يقلق الإسرائيليين والأمريكيين ليس هو، ماذا سنفعل حيال التوسع الإيراني، بل ماذا سنفعل من دونه.
أما أولئك الذين ينتظرون من إيران أن تضرب إسرائيل أو من إسرائيل أن تضرب إيران، فانهم سينتظرون طويلا.
فإذا ما ظهر أحد يجرؤ على ضرب إسرائيل، فان الأمر لا يتطلب حزورة لكي نعرف من الذي سيعدمه.
انهم الفرس المجوس... يا غبي.