الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٦ مساءً

الردة الديمقراطية والخنجر المسموم

إبراهيم القيسي
الخميس ، ٢٩ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
انقلبت الموازين الثورية للربيع العربي وغدا خنجر الغدر المسموم مغمودا في صدرها فلم تشفع لها الديمقراطية المزعومة فقد عصفت بها رياح الشر التي جاءت مفاجئة من غير نذر مسبقة فكان هول المفاجئة كبيرا أطاح بزخم الثورة أرضا ورقص على صدرها بثقله الدولي كاشفا أحقاده الثائرة في صورة بشعة تظهر في أجسام متغولة تتعطش لسفك الدماء وتحب أكل اللحوم البشرية لتثخن في البطش والقتل لتشبع سعارها المتدفق من ضمير ميت قد أحرق كل المثل والمبادئ وسعى بمخالبه القاتلة في واحة السلم يعيث فيها الفساد ويقلع من أسوارها العدالة والحرية ويزرع في رياضها غدر الذئاب ووحشية الموت الزؤام .

وقد أعد ذلك السيناريو الخبيث في أورقة المكر والدهاء للدولة العميقة والتي زرعتها مكائد الدول الكبرى بالتعاون مع الربيبة المدللة ذات الغنج السياسي والعهر العدواني "إسرائيل" لأن من المسلمات البسيطة عند الأمريكان وحلفائهم الحفاظ على الأمن الإسرائيلي الذي يعد هدفا استراتيجيا للتحصيل السياسي والاقتصادي ولولا هذه الزراعة الغريبة لإسرائيل في الوطن العربي لكان وصول الأمريكان إلى الثروات العربية ضربا من الخيال فإجادة الحبكات السياسية الملتوية هي السبيل لبقاء الهيمنة الأمريكية على الوطن العربي فمعاهد الدراسات المتخصصة والتي تدير الصراع العربي الإسرائيلي قد وضعت لها الميزانيات الضخمة لتنجح في إدارة الصراع بفعل ما تحدثه من الدراسات الشيطانية التي تمتلئ بالخداع والزيف وتعتضد بالبدائل المضادة وتستفيد من كل البؤر والنزاعات التي تتخذ منها مبررا للتدخل في شئون الآخرين في ساعة الصفر بعد أن ترغم بعض الأطراف في الصراع بالتوسل إليها فتدخل بعد إظهارها نوعا من التمنع الذي يبعث على الطمأنينة ويغري بالشعور بسلامة المقصد .

وقد استفادت تلك القوى الاستعمارية من التمسك بالسلطة في العالم العربي الأمر الذي جعل الزعامات العربية تسلم أمرها إلى تلك الدول الاستعمارية تحت مبرر الحماية مقابل تقديم أجندة استخباراتية فضلا عن تقديم الثروات والإتاحة لهؤلاء الإشراف على كل مؤسسات الدولة تحت ذريعة تقديم الخبرة والمعلومات العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية هذا ما يخص دول النظام الملكي ومن حذا حذوها أما الدول الديمقراطية فقد سعت بطريقة أو بأخرى لتكوين سياسة مزدوجة تدار في فلك سياسي مزدوج يربط بين الحكومة والشعب في نطاق يلتهب أحيانا بسبب الاحتكاك المتماس مع الشعوب المحكومة بسبب الركود الاقتصادي ولأن الاستعمار بيده مفاتيح الفتيل يشعلونه حينا وتطفئونه أخرى الأمر الذي أدارته هذه القوى في العراق وفلسطين ولبنان وهي تديره الآن في مصر وما ستؤول إليه سوريا وتونس وليبيا واليمن إذا نجح المخطط المعد له سلفا فقد أعدت تلك المخططات من قبل ابتداء الربيع العربي بزمن طويل كون ما يتحقق الآن هو جزء من السيناريو الإسرائيلي الأمريكي الذي مهد له بثورات الربيع العربي التي تجردت عن الحماية الأمر الذي سهل اغتيالها بكل بساطة في مصر وهكذا دواليك .

إن التحديات التي تواجه الثورات في الوطن العربي كبيرة وتبدو بتعقيد أشد بعد المشهد المصري فكل سلطة منتخبة بطريقة ديمقراطية تحتاج إلى غطاء دولي وحماية عسكرية وهذا هو الصواب والمنطق وعندما تفاجئ السلطة المنتخبة أنها محاصرة دوليا من ناحية الدعم الاقتصادي واللوجستي يجعلها هذا المنحى تواجه مصيرها مع شعبها فنتيجة الركود الاقتصادي تبدأ الصيحات المبكرة لتشكيل ثورة مضادة يصنعها المستعمر بطريقة ذكية ويستفحل الأمر يوما بعد يوم حتى تصل إلى الغرض المرسوم فتتحرك القوى الخفية لتدير المعركة بوسائل متاحة تجمع بين التمرد الشعبي والقوة العسكرية بعد أن تفرق بين الثوار أنفسهم وتستقل بصاحب الشأن فتسقطه سقوطا مريعا كما حدث للرئيس مرسي والإخوان في مصر .

فالمؤامرة على الإسلاميين من قبل ومن بعد وكون هؤلاء لم يصلوا إلى يقين جماعي وإعداد وحدة فكرية وعقائدية تمضي في ائتلاف جماهيري والتحام شعبي يمثل السواد الأعظم والقوة الضاربة الأمر الذي من خلاله يتنامى الصعود الإسلامي محدثا تغييرا سياسيا واقتصاديا وفكريا يؤهل هؤلاء إلى التمكين في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية وإذا لم يحدثوا تلك التحالفات الإستراتيجية ولم يبنوا المنظومات الجديدة التي تغير من واقع الأمر وتحسم البلوى التي يتخبطون فيها فسيظلون في فراغ سياسي بسبب فقدهم للدعم والحماية من الخارج والداخل فالقوة العسكرية قد حسمت في الطرف المناوئ لهم والتمسك بالديمقراطية لايجدي عند الثورة العارمة من الأحقاد وكل المواقف التي تصدر من الدول الراعية للديمقراطية ذات وجهين وهي تعمل جاهدة لإضعاف الصف الإسلامي ذو النشاط السياسي وتقديم التنازلات يغري هؤلاء بالكثير حتى يصل إلى الخروج من الملة .