الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٠ مساءً

لحظات وجدانية ,,, من وحي الثورة

عباس القاضي
الاربعاء ، ١٢ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ١١:١٠ صباحاً
طرق عليها الباب ذات مساء ففتحت له بعد لأي وجهد , دُهِشَت عندما شاهدته,,هو أنت ؟,,نعم أنا- رد عليها وهو أكثر دهشة- جلسَت بجانب الباب , ولم تدعه يدخل ربما استوحشته بعد طول غياب , عرف مرامها وجلس غير بعيد منها , نظر إليها مليًّا وأراد أن يسألها كيف,,,؟ لم تدعه يكمل سؤاله , وقالت له : والعَبَرات تتدحرج من عينيها مجرد النظر إلى وجهي يغنيك عن سؤالي,,فأنا قد ذقت الأمرَّين منذو غيابك والتي دامت ثلاثة عقود ونيِّف على يد هذا الولد العاق , منع عني الدواء فانهارت صحتي , وقطع عني الغذاء فَهَزُل جسمي , وحرمني العلم فضعفت مداركي,فعمد إلى ثروتي فسلبني الذهب من عنقي والأقراط من أذني حتى الخلاخيل التي في قدمي لم يتركها , ثم أخذ بأظافره فنبش الأرض ليبحث عن ما كنت أدخره لبقية أبنائي ولكنه استأثر بها ونهبها , ليته اقتصر على هذا بل أهان كرامتي فجعلني أتسوّل القريب والبعيد وأنا من كنت أقرض الجيران وأتصدق عليهم وأبنائي هم أول من كسى الكعبة , بل تجاوز الى ما هو أبعد من ذلك فقد سمح للغرباء بضربي, وتحريضهم ضدي بدعوى أن في جسمي طفيليات تهددهم , وأخيرا أراد أن يورثني لأولاده شأن نساء الجاهلية.
تذكُر شجرة الزيتون التي كانت هناك والتي كانت تبهجني بمنظرها وتعطيني الأمل والتفاؤل والثمر,,حتى جاء هذا الولد العاق فحفر نفقا من مكان مجهول حتى وصل إلى جذورها فقطَّعه حتى سقط ثمارها وذبل أغصانها ويبس عودها فمر بجانبها ذات يوم وبعد أن أشعل سيكارته رمى ببقية عود الثقاب عليها فأ حرقها,,حتى تلك الحمامة الورقاء التي كانت تؤنس وحشتي وتعطيني الإطمئنان وتطربني بتغريدها,,تركها حتى وضعت بيضها تحت جذع الشجرة ثم جاء على حين غفلة فسرق البيض من تحتها وأبدلها بحجارة تشبه البيض حجما وملمسا , وظلّت المسكينة تجلس عليها وهي لا تدري حتى أنتهت المدة وظنت أن البيض سوف تفقس قامت فلم تجد تحتها سوى حجارة فماتت ساعتها كمدا وحسرة .

قال لها بعد أن أنصت إليها ولم يقاطعها : لم تسأليني لماذا جئت الآن ؟ لم يدعها تسترجع السؤال , وبادرها جئت لأنام معك الليلة - زوج يخاطب زوجته ليس فيها شيء - أطرقت بنظرها إلى الأرض وقالت : آلآن ؟ وقد صرت بهذا العمر , وهذه الحالة البائسة , قال لها :لا , لا , مازلت في نظري تلك الصبية الشقية , وتابع في الأصل لي هدف من وراء هذا عسى أن يكون في ليلتنا هذه البركة في مولود ينقلك من حال إلى حال قالت : أألد وهذا حالي وأنا امرأة عجوز ؟ أجابها بكل ثقة ,نعم وبدأ يشجعها بضرب الأمثال , هاهي شقيقتك تركيا قد أنجبت مولودا إسمه " طيب " هذا الطيب غيّر من حالها وهي العليلة المشلولة وعاد بها إلى شبابها و أصبح جمالها الأخاذ يسحر العالم هل تعلمين أن زوارها في العام الماضي بلغ ستة ملايين ,,يكلمها وهي تحفر بعود صغير على الأرض شأنها شأن الأنثى في هكذا موقف,,تابع بقوله , ألم تسمعي بأختيك تونس ومصر ؟ها هن قد ولدن على كبر رغم المرض والسقم و قاطعته , ولكن هن أسمن مني, لم يدعها تكمل , محاولا التغزل بها, هزالك عندي رشاقة,,ضمورك عندي زبيب , وأنت تعرفين أنني دائما أحب اللحم الملتصق بالعظم,,ردت باستحياء لقد يئست بعد هذا الولد العاق الذي عقني وقهرني وأنا من احتفيت بقدومه يوم جاء وذبحت ثورا سمينا وكان قيمته يوم ذاك مائة وخمسين ريالا, وبالأمس خرجت إلى أحد المحلات لأشتري دجاجة فقال لي بألف وخمسمائة ريال ولما لم أجد قيمتها استبدلتها بقطعة مكعبة تسمى مرقة الدجاج بخمسين ريالا وعدت إلى البيت ,,, وترجته أن لا يستدرجها فهي لم تعد تنفع لما يريد ,,,ولكنه عاد ليشجعها بقوله : انت الولادة للعلماء والمفكرين والشعراء والأدباء والفاتحين , ألا تذكرين أبا العلاء الحضرمي وأبا موسى الأشعري ,الشوكاني ,الزبيري , النعمان و وبينما هو يعدد رفعت رأسها نحو السماء فرأته , نعم إنه هو " نجم سهيل " الذي أختصها دون غيرها وقد كان يعاودها في السنة لحظات يعانق نوره صفحة وجهها فيعود إليها النضارة والجمال والحيوية ثم يمضي فتعود إلى ما كانت عليه من شحوب وبؤس وشقاء ,لكن هذه المرّة طال وقوفه وتجلى نوره فنظر إلى وجهها,,وصاح نعم هذه عروستي التي كانت بصباها وجمالها,,ياااه ليت هذا القمر يضفي علي بنوره فأعود كما كنت , قالها وهو يأخذ بيدها إلى الفراش بعد أن دلف الباب خلفه , ونام معها حتى الصباح .
قام التاريخ مبكرا وعندما سألته إلى أين ؟ إلى متاحف العالم أبحث عن أشلائي فأبنك العاق قد مزقني بتهريب الآثار وسرقة المخطوطات وأرهقني بإهمال التراث .

مرت أيام قلائل وإذا بعلامات الحمل يظهر ولكن في الجزء الجنوبي الغربي من جسدها ( تعز ) ثم إلى جهة الشمال ( الأمانة ) بعدها أصبح يتحرك في سائر جسدها وهاهو اليوم في شهره الثامن والأم تعاني الآلام لما فيها من هزال وأمراض .
دعونا نقف عند هذا الحد ونقول الاحتمالات هي بداية الفرضيات , والفرضيات مدخل للنظريات , والنظريات أساس للقوانين التي تحكم حياتنا لدينا أم (وطن ) وجنين ( الثورة ) فإلى الإحتمالات المتوقعة

احتمالات الام :
1 –أن تموت الأم قبل أو أثناء الولادة
وهذا مستحيل لأن الأوطان قد تمرض ولكنها لا تموت .
2 – أن تكون الولادة بعملية قيصرية
وهذا ما يريده النظام لجر البلاد إلى عنف بحيث يكون الحسم عسكريا وهذا بطبعة الحال سيؤثر على الأم بآلام ومتاعب قد لا يقتصر عليها وحدها بل قد يؤثرعلى صحة الجنين.
3 – أن تكون الولادة طبيعية
وهذا مانصبو اليه ليس بالتمني ولكن بالممارسة من أول يوم خرجنا فيه واعلناها سلمية , وتحملنا الكثير من القمع , والقتل والتضليل .

احتمالات الجنين :
1- أن يموت قبل أو أثناء الولادة
وهذا مايريده النظام بعدم الاعتراف بكونها ثورة وانما أزمة او مطالب حقوقية أوبالقمع والقتل وقد فشل النظام في تحقيق ذلك بصمود الثوار لهذه الفترة الطويلة والحماس والاصرار المنقطع النضير وقد تجاوزنا هذه المرحلة .

2 – أن يولد الجنين مشوها
وهذه من أماني بقايا النظام واعلامه بأن الثورة لن تأتي بالافضل , وان الفرقاء السياسين سيختلفون وأن البلاد مستقبلها مجهول اذا رحل هذا النظام , وهذا لن يكون بإذن الله فملامح المستقبل يرسمها الثوار في المخيمات وليس في القصور أو في فنادق خمس نجوم ,,ومكان كهذا كفيل بأن يصنع مجدا زاهرا لهذا الوطن .

3 – أن يولد سليما
وهذا الذي خرجنا من أجله وتحملنا المشاق وسنحافظ على الثورة بكل ما نملك لانها صنع الشعب وليست صنع النخب التي تجمعهم وتفرقهم المصلحة,,الثورة هي ملك الأحياء سواء كانوا فوق الأرض أو شهداء تحت الأرض , وثورة هؤلاء ملاكها لا يمكن أن تضيع

وأخيرا : أنا على يقين أنه ستأتي لحظة ذات مساء يشع فيها "نجم سهيل" بنوره ليس على الأم فقط ولكن على الوليد أيضا فتعود الأم إلى صباها ويعود إليها رونقها وجمالها ويصبح الوليد شابا يافعا يرفل بثياب الصحة والعاقية