السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠٢ صباحاً

ومن الفيسبوك ما قتل !

د . أشرف الكبسي
السبت ، ١٤ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
هل نسير نحو صيرورة (فيسبوكية) محتملة ، نستبدل معها تضاريس واقعنا الخشن ، بافتراضية صقيلة وملساء ، كمقايضة الصورة بانعكاسها ، فنصحو يوماً لنجد أننا نعيش حالة وجودية معكوسة ، ننظر معها بحسرة من موقعنا البائس الجديد والمحشور داخل المرآة ، وندرك عندها أننا لم نفعل شيئاً ، وأن الواقع الذي كنا منه نفر ، فر معنا ، وما تغير فقط هو موقعنا منه ؟

إخفاقاً.. يفر الجميع وتباعاً إلى هناك... فما إن ينشىء أحدنا حائطه على الفيسبوك ، حتى يبدو له عدمياً مهجوراً ، أشبه بحائط المبكى ، ما يفرض عليه بالضرورة إستجلاب مفرداته العتيقة – رغم فراره منها - فهي وحدها – بحدودها الجغرافية المحصورة ومقوماتها المعرفية الضيقة – المادة القابلة للتفاعل الوجودي الممكن، في معادلة طرفاها الأنا والهو ، بما قد يحمله كل طرف للآخر ،عبر التأثير والتأثر، من مسوغات الشعور المنشود بالقيمة وأهمية الذات ..!

في فضاء الفيسبوك يتحدث ملايين البشر وبمئات اللغات وفي آن واحد ، لكن قلما يستمع أحد لأحد ، وبينما يفر (المغلوبون) على أمرهم إلى (الفسبكة) ، بحثاً عن الذات وقدرتها على التأثير المفترض، في مسطح تواصل مفتوح يتيح للجميع وبلا تمييز فرصة الحديث ، بعلم أو بجهل ، وعن أي شيء وكل شيء ، بلا رقابة أو مقاطعة لتقمص المواقف والأدوار ، إلا أن خيبة الظن سرعان ما تحل بهم ، عندما يتبين أنهم لا يحدثون إلا أنفسهم ، وأن حوائطهم كحياتهم خالية إلا منهم ، ومن التأثير إلا عليهم ، خلافاً (للغالبين) من الشخصيات المعروفة والمؤثرة في الواقع البغيض، كالكاتب والسياسي والشيخ النافذ... ولا فرق إن كانت رمزاً للفضيلة أم علماً للرذيلة ، فهي تمارس نفوذها وإقطاعيتها هنا أيضاً ، وإن بصورة إفتراضية ، وتحصد مفردات الإعجاب والتعليق والنشر ، مستغلة حقيقة أن الجمهور في الغالب لا يهتم بما تكتب قدر اهتمامه بمن تكون..!

الفيسبوك موقع للتواصل الإجتماعي ، ولا شك أن له إيجابيات شتى ، لكنه كثيراً ما يصبح موقعاً للانفصال الاجتماعي ، والخلاف الأسري والانفصام الشخصي ، عندما لا يمثل مسطحاً إفتراضياً رديفاً للواقع أو حتى موازياً له ، وإنما متقاطعاً معه ومفسداً له ، وإذا ما استمر الهوس الفيسبوكي القائم ، فقد يأتي يوم نتبادل فيه عبارات: (كل فيسبوك وأنتم بخير) أو (طيب الله فيسبوككم) ، وربما قال الرجل لزوجته مغاضباً: إنتي فيسبوك وبالثلاث..!
إن المؤشرات الرقمية المتزايدة لتعداد (الأصدقاء) المكتسبين فيسبوكياً ، ليست في الغالب إلا وهماً زائفاً تتلاشى معه – وتحت مبرر التواصل – كل صلة لرحم أو زيارة لصديق ، وبينما يسعى أحدهم لتوسيع دائرة وجوده وتأثير تواصله ، قد يجد نفسه وحيداً معانقاً شاشة حياته الرقمية البائسة ، ولسان الحال يقول : صديق في اليد ولا عشرة على الفيسبوك..!