ليست من أعلام السياسة أو مشاهير الفن والصحافة ، لا تحمل شهادات عليا في الحكمة الفلسفية والعلوم المعرفية ، ولا تتمتع بحصانة دبلوماسية أو برلمانية ، ليس لها أسهم مالية وأرصدة بنكية ، ولم تتصدر صورها يوماً شعارات الثورة وعناوين الجمهورية ، لكنها مع ذلك كله ، وقبله وبعده ، وبحق ، سيدة الأيام ، وصاحبة المقام ، إليها تهوي قلوب الرجال ، ولها تنحني هامات الشجعان والفرسان ، وبين يديها تتصاغر بالعرفان جلالة الملوك وسمو السلطان ، وفي حضرتها يعود الإنسان إنسان..!
عودوا إليها... أينما كنتم وكانت ، تلمسوا وجودكم العابث في فيض حضورها المقدس ، استعيدوا الذاكرة ، أولى كلماتكم المبعثرة وآخر خطواتكم المتعثرة ، نالوا قسطاً مما طواه النسيان ، قصة الله والخليفة الإنسان ، انظروا في عينيها المتعبتين بالخذلان ، لتقرءوا في فسمات وجهها الحزين ، وتجاعيد ألمها الدفين ، إهمالكم لها عبر السنين ، ضعوا جانباً غروركم وسخيف الكبرياء ، قبلوا كفيها وقدميها ، فالجنة منها تحت الحذاء..!
ضعي يدك يا أماه على رأسي المثقل بي ، تلمسي لحيتي البيضاء ، وهمومي البلهاء ، امنحيني حق اللجوء إليك ، والبكاء بين يديك ، وبينما على صدرك أغفو ، علميني مجدداً أبجديات الحياة والإيمان ، وكيف يكون الإنسان إنسان ، فأنت يا سيدتي هبة الرحمن ، وما الحب إن لم تكوني أنت وما الحنان..؟ عفوك يا أماه... ودونك أسمى آيات العرفان ، هلا منحتي قلبي هذا مجدداً حق الخفقان..؟
