السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١١ مساءً

هل عرفتوه؟

علي منصور
الخميس ، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
يقول عن نفسه بأنه يتقن الرقص على رؤوس الثعابين، لكنه في الواقع ليس مجرد راقص ماهر على رؤوسها فحسب بل أيضاً خالق ثعابين ومربي لها وحاوي بارع يعرف كيف ومتى يحركها، يشبه اولئك الدراويش الهنود الذين يعزفون للثعابين الكامنة في السلال فتخرج وهي تتلوى راقصة ومن رقصها يكسبون عيشهم. الفرق هنا انه لا يجلب ثعابينه من الغابة بل يقوم بنفسه بتخليقها ومكاثرتها وتربيتها وترقيصها كما يريد وأينما يريد وإيقافها عن الرقص متى يريد. وهو يعتمد عليها ويستخدمها دون تردد لتهديد خصومه وتخويفهم وابتزازهم وتعزيز نفوذه وهيبته وتحقيق المكاسب المادية، كما يقوم بإطلاق هذه الثعابين على الخصوم الذين يقرر الاجهاز عليهم والتخلص منهم. والحقيقة انه لا يمارس هواية الرقص على رؤوس الثعابين إلا في النادر عندما يرتد بعضها عليه ليهاجمه مما يضطره للقفز على رؤوسها والرقص فوقها، الى أن تسنح له الفرصة للتخلص منها بوسيلته المفضلة وهي إطلاق ثعبان او ثعابين اخرى عليها تهاجمها وتخلصه منها.

وهو يعتبر الراعي الأول ، بل الأب الروحي، لثعبان محلي ذو جلد املس يصدر عنه فحيح كهنوتي تقليدي، كان اليمنيون قد تخلصوا منه قبل نصف قرن بعد أن نكبوا به وارهبهم وتسبب في بؤسهم وجهلهم وفقرهم وتخلفهم لأكثر من الف عام، ويعرف تاريخياً بالثعبان "الامامي". وهو ثعبان قادر على التخفي والظهور بأشكال مختلفة حيث ظهر مؤخراً بشكل "حوثي". وهو ثعبان مخادع شديد السمية يصعب معرفة نواياه واتجاهات تحركه إذ دائماً ما يظهر غير ما يبطن، لكن توجهه العام معروف، يقوم على التاريخ الطويل لهذا النوع من الثعابين. ومن خصائص هذا الثعبان أنه يتكاثر وينتشر بشكل سريع بين الناس ولهذا يمكن فجأة لأي مجموعة من الناس في اي منطقة أن تجد نفسها مصابةً بلدغاته القاتلة دون ان تعرف متى تم ذلك ولا كيف. وقد مارس الحاوي الرقص مع هذا الثعبان ست مرات على مدار عدة سنوات تخللتها نوبات من الشد والجذب بينهما حيث يروى ان الحاوي في أحد نوبات الرقص مزق قميصه وصرخ "ما يشتي الحوثي مني". ومع ذلك فما يزالان يرقصان معاً الى اليوم.

ومن المعروف أن هذا النوع من الثعابين يعتمد في اصطياد ضحاياه على فحيحه المخادع الذي يسهل الخلط بينه وبين صوت المؤذن يدعوهم للصلاة ومنازلة الشيطان، ولكنهم عندما يستجيبون يفاجئون بهذا الثعبان منتصباً امامهم ليسحبهم ويذهب بهم ليس لمنازلة الشيطان وإنما الى حيث تتضرج ايديهم بدماء جيرانهم واخوانهم، مما يجعل الشيطان يقهقه ضاحكاً ويلتفت الى قبيله ليقول لهم انظروا وتعلموا من هذا الثعبان البارع الذي لا اظنكم ستبلغون مستواه في الكيد والتضليل. ولا سبيل للتغلب على هذا الثعبان إلا بتوعية الناس وتمرينهم لشحذ حاسة السمع لديهم ليتمكنوا من التمييز بين صوت الأذان وفحيح الثعبان، وبين منازلة الشيطان ونسف بيوت الاخوان والجيران.

ولعب الحاوي أيضاً دوراً مهماً في جلب وتوطين ثعبان آخر لم يكن معروفاً في اليمن من قبل ويعرف بالنوع "القاعدي" وهو ثعبان دموي غدار قام الحاوي بجلبه وإدخاله الى اليمن وتربيته ومكاثرته والرقص معه للاستفادة منه وتوظيفه للكسب المادي عن طريق تخويف الجيران به ولاستخدامه في جلب المنافع والتخلص من الخصوم، علما أن جلب هذا الثعبان لم يكن عملاً حصرياً لحاوينا بل أن حواة آخرين قاموا أيضاً بجلب فصائل منه ولكن بشكل منفصل عن الحاوي الرئيسي. وللحاوي تجربة طويلة بإطلاق هذا الثعبان وتمكينه من حفر الجحور في بعض النواحي والتوطن فيها لتخويف الناس وارهابهم. ولا تزال هذه اللعبة تمارس الى اليوم. والثعبان القاعدي له في ذيله حراشف تشبه حراشف الحية المعروفة باسم "ذات الجرس" إلا ان شكلها يكون اقرب الى اللحية الطويلة الكثة، ولهذا يمكن ان نسميها "ذات اللحى"، حيث يصدر عن هذه الحراشف عند اهتزاز الذيل صوتاً يمكن بسهولة الخلط بينه وبين الوعظ الديني، لكن في الحقيقة ان المتأمل لهذا الصوت يجد انه اقرب الى الكلام الشيطاني التكفيري الذي صدر عن ابليس وطرد بسببه من الجنة. وقد عرف الناس ان افضل طريقة لإلحاق الهزيمة بهذا الثعبان هي عن طريق تعلم التمييز بين اللحية الحقيقية واللحية ذات الجرس، ومنع هذه الثعابين من حفر جحورها في بيوت الناس، ورفض ايوائها.

وكان آخر ما أوجده الحاوي من الثعابين في اليمن ثعبان خطير يعرف باسم "الحراك" وهو ثعبان يشبه كائن الهيدرا الاسطوري في الميثولوجيا الاغريقية الذي تكون له عدة رؤوس والذي من اهم صفاته انه كلما قطع له راس ينمو بدلاً عنه رأسان. فهذا الثعبان الحراكي له أصلاً عدة رؤوس وهي تتكاثر حتى بدون القطع. ويسمى الرأس الواحد منها "قيادي". وبعض هذه الرؤوس موجود على مسافات بعيدة خارج اليمن. وحيث أن هذا الكائن يقذف من فمه بخاراً طائفياً مناطقياً ساماً يفرق بين الناس ويشحنهم بالبغضاء، وبما انه لن يقدر على إرضاء كل هذا العدد من الرؤوس إلا العلي القدير، فإن الحل المناسب لن يكون إلا بإرادة الهية ترشدنا الى حل يكون افضل من الحل الذي جاء في الميثولوجيا الاغريقية والذي يقول أن السبيل الوحيد للتغلب على هذه الهيدرا يكون عن طريق القيام ب "كي" مكان كل رأس يقطع والاستمرار في ذلك الى أن تقطع كل الرؤوس وتنتهي الهيدرا. وهو الحل الذي لخصه المثل العربي "آخر العلاج الكي".

كما ينسب الى الحاوي الفضل في مكاثرة وتربية ورعاية ثعابين اخرى كثيرة ولا تحصى، لكنها اصغر حجماً وتنتشر بأعداد كبيرة على المستوى المحلي. ويستخدمها الحاوي مع الخصوم الأقل شأناً وفي العمليات الداخلية التي تستلزم "قرصه هنا او قرصه هناك".

وفي الفترة الاخيرة، عندما فقد الحاوي شيء من مهارات الحواة، تمكنت بعض الثعابين من لدغه أثناء صلاة الجمعة وذلك في حادثة كادت تقضي لكنه نجى منها بترياق سعودي. ويقال ان هذه الثعابين كانت ذات جلد احمر.

ويصفه المقربون منه بأنه واسع الحيلة وماكر وخبير نفسي وله ذاكرة حديدية لكنه والحق يقال ليس حقوداً. ولو أن هذه الخصلة الحميدة فيه، والتي قد تكون خصلته الحميدة الوحيدة، لا يستفيد منها إلا الأشخاص الذين يرى انهم لا يشكلون تهديداً حقيقياً له. فهو على أي حال يؤمن ان الحقد مثل النار يمكن أن يأكل الحقود ويقضي عليه قبل ان ينال من خصمه. ولهذا فإنه يفضل كلما امكن ذلك استبدال هذا الحقد بشوالة من المال تكفيه شر هذا الخصم دون عناء. وفي الواقع أنه بداء ممارسته لمهنة الحاوي بتجربة من هذا النوع، عندما ارسل لخصمه الأول الذي كاد ان يحول بينه وبين اعتلاء خشبة المسرح، ارسل له شوالة مليئة بالمال ومعها ايضاً رصاصة حجم كبير تخص رشاش اثنا عشر سبعه. وسرعان ما اختار الخصم شوالة المال وقذف بالرصاصة من الطائرة التي اقلع بها الى خارج البلاد وهو في عجالة من امره. ومنذ ذلك الحين اصبحا اصدقاء يتهاتفان في الأعياد والمناسبات. كما تعمقت لدى الحاوي القناعة بقوة المال وجبروته فأعتمد على اسلوب الافساد بالمال مع كل من يريد ولائهم. اما من عصى فهناك دائماً الثعابين الجاهزة.

كما يعرف عن الحاوي انه شديد البراعة في توظيف الكروت التي في يده والاستفادة منها لتحقيق افضل المكاسب، حتى وإن كانت من اتفه الكروت. كما أنه لا يكل ولا يمل من جمع الكروت ومحاولة الحصول على أفضلها والاحتفاظ بها للاستفادة منها عند الحاجة. وهو لا يتورع عن اللعب بأي كرت طالما سيحقق له الغرض غير عابئ بتبعات ونتائج افعاله على الآخرين طالما سيحقق في النهاية مصلحته.

بعد ان حوصر مؤخراً اضطر للتراجع الى وراء الكواليس، لكنه لم يفقد الأمل في اعتلاء خشبة المسرح من جديد. ولهذا مايزال يمارس لعبته المفضلة، تارةً بثعابينه القديمة واخرى بثعابين جديدة من النوع الصغير المستوطن محلياً يكلفها بمهام عديدة. من ذلك القيام بالتمدد على اسلاك الضغط العالي لتقطع التيار عن المسرح لتقليل الإضاءة، عسى أن يتمكن في الضوء الخافت من العودة الى خشبة المسرح الذي حرم منه بعد ان انتقل الى وراء الكواليس. كما تقوم هذه الثعابين بشكل متكرر بإثارة الفوضى والضوضاء لتربك المشهد المسرحي ويتوقف العرض، على امل ان يضج جمهور المشاهدين ويطالبون باستبدال طاقم التمثيل او استرداد قيمة تذاكرهم.
أكيد عرفتوه؟؟