السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣١ صباحاً

سنوات التيه

علي منصور
السبت ، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
إن صدقت التسريبات التي تقول بالاتفاق على فترة تجربة للدولة الفيدرالية لمدة خمس سنوات يعقبها استفتاء على الانفصال، فإن سنوات التيه الخمس هذه لن تكون في الحقيقة إلا المهلة التي يحتاج اليها الإخوة الجنوبيين للبحث عن اجهزة دولتهم الفردوسية المفقودة وإعادة تأهيلها وتفعيلها ومن ثم القيام في نهايتها بإعلان الانفصال بدولة تكون قادرة على الوقوف على قدميها والحفاظ على اراضيها من عدن الى الغيضة. هذا لو افترضنا حسن المآل، وانهم لن يجهزوا على بعضهم البعض خلال هذه المدة الطويلة التي لم يسبق لهم ان عاشوا مثلها بسلام، باعتبار أن دوري التصفية عندهم يتم كل ثلاث او اربع سنوات.

وبغض النظر عن نجاحهم او فشلهم في بناء هذه الدولة التي "من طراز جديد"، فإن تجربتنا في الشمال معهم تقول أن الشمال والشماليين الدحابيش سيكونون اثناء هذه السنوات الخمس الشماعة التي ستعلق عليها قياداتهم وساستهم كل فشل وكل ازمة وكل انتكاسة تواجههم، بما في ذلك اغتيالاتهم ومذابحهم ومؤامراتهم ضد بعضهم البعض وكل ما يمكن ان يخطر او لا يخطر على بال مما صغر او كبر من انواع الفشل الحتمي في تحقيق الحلم الذهبي الذي امضوا سنوات في رسمه وبهرجته وتزيينه للسذج من اخواننا الجنوبيين والذين ينتظرون الخير العميم من الميناء والنفط وعدن ذات العماد، ولن ينقذهم من المسائلة الشعبية حول فشلهم في تحقيق هذا الوهم إلا التعذر بالشمال وشياطينه.

ولهذا فإنهم من اليوم الاول سيوف يبنون سياستهم الاعلامية التعبوية على مزيد من التأجيج والشحن والتعبئة ضد الشمال الذي سيواصلون شيطنته ودحبشته آناء الليل وأطراف النهار وتصوير انه لم يتوقف عن نهب الجنوب وثروات الجنوب، وأن كل فشل سببه الشمال وكل نجاح هو بفضل الانفصال. ونحن نعلم يقيناً أنهم اصحاب خبرة طويلة في التأجيج، فكل ما عليهم هو اسقاط خبرتهم هذه في تأجيج الصراع الطبقي وتوجيهها لتأجيج الصراع الشطري. سيكون هذا التأجيج شغلهم الشاغل الذي سيبتكرون له كافة المناسبات ويحشرونه في كل الفعاليات، بدءاً من طابور الصباح في المدارس الى ختام البث التلفزيوني في الليل... وهذه السياسة ستبدأ من اليوم الأول لكي يقطعوا اي خط رجعة للوحدة في حالة فشلوا في بناء دولتهم. فهم لا يستطيعون المغامرة في حالة فشل مشروعهم الانفصالي بالعودة الى الوحدة.

وعليه، فمن كان يعول على أن فشل الحكم الفدرالي في الجنوب سيؤدي الى العودة الى الدولة الواحدة فان عليه ان يراجع حساباته، فالانفصال قادم قادم، والذين فرضوا هذا الحل المرحلي ليسوا من السذاجة بحيث يتركون للظروف تحديد الوضع المستقبلي بعد السنوات الخمس. فهم من اليوم الأول سوف يباشرون سياستهم الاعلامية العدوانية.

ولهذا وبدلاً من هذا التوهان ... وخير من أن نعيش في الشمال في هذا الجو المشحون لخمس سنوات اخرى انتظاراً للانفصال الذي يريدونه، دعونا لا نضيع مزيد من الوقت في هذه المهاترات والمشاحنات، وليكن هذا الانفصال اليوم قبل غد.