الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٦ مساءً

بين المُسلم والآخر.. عَمَلٌ..!

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ٠٥ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
خلال ساعة زمن تكرر انطفاء الكهرباء خمس مرات، إضافة إلى انطفاء الليالي والأيام والذي خسر خلاله كل مكونات الوطن سواء في فقد أرواحهم كالمرضى في المستشفيات أو المستثمرين صغاراً وكباراً، ومن المؤسف البعض يفتح ثغرة أكبر من فتحة أنبوب الصرف الصحي ينادي الآخر للاستثمار في اليمن..!

كم تمنيت أن يمر رئيس الجمهورية من شارع هائل أو شارع جمال خلال انطفاء الكهرباء، ليس لشيء ولكن فقط ليُشنف مسمعه بأصوات المولدات الكهربائية الصينية المختلفة، ليلمس بنفسه كم هو ذلك الضجيج عذْبٌ أم عذاب؟ وأي حال يعيشه المواطن والتجار في ظل واقع ذلك الإدمان؟ ومن فرط ذلك الواقع أصبح البعض يرفع أكفّه إلى السماء ويقول اللهم اهلك مسؤولينا واقطع رقبة من قطع الكهرباء عنّا، وانتقم من كل تاجر يستغل الظروف فيصبح مصدر عذابنا وأوردهم جميعاً الدرك الأسفل من النار، وارحم اللهم صانعي المولدات الصينية ــ كلفتها رخيصة ــ وأدخلهم الجنة بعفوك وهدايتك يا رب.. فمن أجبر المواطن البسيط على الدعاء بنصرة الآخر وهلاك المُسلم؟!!
وفي سلوك بعيداً عن الدين تنتصر فيه قيم الإنسانية من ملائكة الرحمة، فقبل عشر سنوات تقريباً سافر أحد المواطنين من أبناء مأرب لعلاج كبده في مستشفى بألمانيا، وبعد الفحوصات أخبره الطبيب بأنه بحاجة إلى كبد لأن كبده لم يعد صالحاً ولا علاج له، فسأله المريض وما الحل؟ فقال له الطبيب اترك عنوانك في المستشفى ورقم تلفونك وعند ما يتوفر كبد سيتم الاتصال بك، ترك المريض عنوانه كإسقاط واجب لطلب الطبيب وقام المستشفى بإضافة اسمه على قائمة الانتظار لمثل حالته، ثم عاد هو إلى محافظته وهو في يأس أن يجدوا له كبد أو حتى أن يتصلوا به، وبعد فترة اتصلوا به من المستشفى في ألمانيا يطلبون منه العودة لأنهم حصلوا على كبد سائق ألماني ــ توفي بحادث سير ــ وقد أعطى تفويض مسبق بالتبرع بأعضائه لإنقاذ حياة إنسان في حالة وفاة بحادث سير، عاد المريض اليمني وأجريت له العملية بنجاح.. ذلك السلوك الإنساني أنقذ حياة إنسان بغض النظر عن أصله وجنسه ودينه..الخ، ولكن ما يتبادر للذهن هو: لو كان المريض هو الرجل الألماني وجاء إلى مستشفى في أي وطن عربي وخصوصاً اليمن، فهل سوف يتم التعامل معه بنفس التعامل الذي تم مع مريضنا؟ أم المريض العربي يموت وعلاجه قد يكون في إحدى الدول المجاورة لبلده أو قد يموت وعلاجه موجود في بلده لكن ليس بمقدوره على تكاليفه؟ ومن المؤسف أيضاً قد لا يأمن الشخص الألماني على نفسه من الاختطاف وآلياته..!

ومع كل ما نعيشه من صخب الواقع المؤلم والذي من المفترض أن نعمل على تخفيف آلامه بيننا كمسلمين أقلّها في إماطة الأذى عن الطريق، لكننا نجد من القائمين على إدارة البلد لا يحلوا لهم ترقيع سفلتة الشوارع إلا في ذروة الازدحام وكذا رفع القمامة وسقي الأشجار التي في الجزر وعلى الأرصفة، وكأنهم لم يطلعوا على تجارب الدول الأخرى التي تعمل على ترقيع الشوارع من الساعة الـ 11 ليلاً حتى الساعة الـ 6 والنصف صباحاً، ورفع القمامة وسقي الأشجار من بعد صلاة الفجر وحتى الساعة السابعة كأقصى حد زمني، وقبل خروج الطلبة والموظفين إلى مهمهم.. فأين تكمن الفضيلة من تلك السلوكيات؟!

جامعة صنعاء تقفل بقرار من مجلس الجامعة إلى أجلٍ غير مُسمى، فمتى كانت القيم أن يعتدي الأبناء على الآباء؟ وما فائدة الدولة إذا لم تحفظ لكل ذي حقٍّ حقة بموجب القانون؟ إن الحلول السطحية لا تزيد إلا لمزيدٍ التيه والفرقة والشتات، حتى أصبح الغالب يغوص في عمق الوحل مدمراً وطنه وهو يتشدق بالوطنية.. كنا على بصيص من الأمل أن ينتشل التعليم من بؤسه لا أن تقفل نظمه بسبب ممارسات لا أخلاقية تنتصر قوة العضلات على قوة العقل.. إن الارتكاز إلى الحزب أو الفئة والقبيلة وما على شاكلتهم هي من جعلت استقوا الطالب على معلمه واجزم أن الأمر سيزيد سوءً حتى لن يبقى إلا أطلال وطن.. ولست متطرفاً مع المعلم كما أني لست متطرفاً ضد الطالب، ولكن أنادي بأن يعرف كلا الطرفين ما له وما عليه، ومهما بلغ الأمر لا يحق للطالب أن يرفع يديه على معلمه لأن ذلك العمل غير صالح على الإطلاق..

إن الإيمان بالقيم المُثلى والفضيلة لا يكفي إذا لم يصدقه العمل قال تعالى : )يومئذ يصدر الناس أشتاتاً، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) وقوله عز من قائل: ) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( وقوله العظيم ( إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. ). من تلك الآيات الكريمة نجد أن الله يحث الناس على العمل الصالح فيما بينهم ووعدهم بحياة طيبة سواء أكان ذكراً أم أنثى، وديننا الحنيف كله سلوكٌ للفضيلة، أم أنه أصبح دينٌ بلا ناس تطبقه؟ أليس الأذى الذي يمارس بين المسلمين من كذب وقهر وشظف وقتل الأخ لأخيه..الخ، كلها تؤكد التقاطع مع أوامر الخالق؟ وكأننا لم نحسن الاصطلاح مع الله حتى من باب الإنسانية لا الدين الكامل الذي ارتضاه لنا الله..! إن الله لم يغضب أو يكره أحدٍ من الناس، ولكن غضب من سلوك الناس، فلعنهم الله بكفرهم ونقضهم المواثيق ولتحريفهم الكلم عن مواضعه.. أليس ما بين المسلم والآخر هو العمل الصالح؟ هل يقتل يهودي أخاه اليهودي؟ بينما نجد في الساحة من السهولة أن يقتل المسلم آخاه المسلم..!

واختم بسؤالٍ هو : أين يضع اليمانيون خصوصاً والعرب عموماً أنفسهم استناداً إلى أعمالهم على أرض الواقع؟