السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٠ صباحاً
الأحد ، ٠٦ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خمسة هن فواسق أوقال كلهن فاسق من الدواب يقتلن في الحل والحرم ( العقرب والغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور ) . وذكرت رواية أخرى الحيات دون العقرب ، وهنا السؤال :لماذا نسب إلى هذه الخمس من الدواب لفظة الفسق وهي لفظة تعني المروق والخروج والانسلاخ عن طاعة الله وقوانينه الشرعية وهو معنى يتناسب مع البشر والجآن المكلفين بعبادة الله خضوعا وانقيادا وتذللا ولا تتناسب مع مثل هذه الدواب إلا لغة للدلالة على انسلاخها كاملة من الانتفاع بها ولا خيرية فيها البتة ، وبالمنطق البشري يكون توصيفها للدلالة على ما تحمله هذه الدواب الخمس من جلب الأذى والإضرار بالآخرين (بالمؤذيات الخمس ) ، لكن توصيف النبوة ولا ريب هو الأصح والأفصح والأبلغ ، وليس لنا إلا القراءة الجيدة لدلالة الفسق الذي يرمي إليه الهدي النبوي على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فإن كان القصد هو التأكيد على ما تحمله هذه الدواب من الضرر فيكفي لبيان خطورتهن من ترخيصه صلى الله عليه وسلم قتلهن للمحرم وغير المحرم في الحرم ! لكنني فيما يظهر لي والله وحده أعلى وأعلم أنه استعار لفظة الفسق الذي يجري على المكلفين المارقين الخارجين عن النهج السوي الذي اختطه الله لعباده إنسا وجنا وألصقه بهذه الدواب الخمس المؤذيات للتشنيع من جهة على الفسقة من المكلفين وإلحاق التقزيز بهم وقد تجلى لهم والناس ينظرون إليهم وهم يلحقون الضرر والأذى بأنفسهم وبغيرهم كذاك العقرب العدواني الذي نسب إليه الشاعر حب الأذى وأنه من طباعه الذي لا ينفك عنه : حب الأذية من طباع العقرب . أو كذاك الغراب المتربص الغادر المقزز هيئة وسلوكا لا يقر أو يطيب له إلا العبث وإلحاق الضرر بالزرع والحرث غيرالنعيق الذي يحدث الاستياء . . أو كذاك الحدأة الطير المتربص بكل ما تقع عليه عيناه ويظنه لحما فينقض عليه دون ترو فلا يبقي من الطيور والدواجن أوحتى الأسماك المجففة شيئا لاهلها ! أو كتلك الفأرة القارضة التي تتربص بأهل البيوت وتحدث من الأذى والضرر ما لا يمكن وصفه ويصعب ملا حقتها وتصيدها حتى أن بعض الصالحين يؤثر الصبر على أذاها ويمنع أهل بيته من ملاحقتها ورعا وخوفا أن يتسبب في الانتقال إلى جاره دون التمكن من قتلها فيحسب عليه إيذاء جاره ! أو كذاك الكلب العقور الذي يفجأ الناس فيعضهم وينتقل بعضته إلى الإصابة بما يسمى داء الكلب وهو داء خطير تودي بحياة صاحبها إلى الوفاة غيرانتشار العدوى إلى الآخرين !

هذه المصفوفة من الأذى التي تلحقه هذه الدواب شر محض مستطير لا أتصور فاسقا من المسلمين يقبل أن يشبه بواحدة منها وإن كان ما يحدثه من إلحاق الضرر والأذى للآخرين لا يقل بشاعة وشناعة مما تلحقه واحدة من هذه الخمس ! ومع ذلك لا فرق بينه وبين الخمس الدواب إذ يجمعه بهن ( الفسق ) كقاسم مشترك ! فسبحان الله !! ياله من استعارة وظف بها الهدي النبوي الشريف تصريف المبنى والمعنى ليتجلى لكل ذي لب عظمة التشريع وفصاحة الشارع الحكيم . وإذا لماذا رخص الشارع قتل فواسق الدواب ومنع قتل فواسق البشر إلا بقضاء يقوم على البينة والبرهان ، بل ومنحهم حق الحياة وممارسة جميع حقوقهم إن تابوا إلى الله وأخلصوا دينهم لله وعفا عنهم ذووالحقوق والدم ! والجواب : رحمة الله التي وسعت كل شيء ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) ولأنهم وقع عليهم التكليف دون فواسق الدواب وعليهم تجري العقوبة والمثوبة دونها ، ولأن الله خلق سائر الخلق والكون لينتفع بها ومنها هذا المكلف بالعبادة ، ومن الانتفاع بمثل هذه الفواسق من الدواب فقه هذا التشبيه والتمثيل المقزز للمخالفين شرع الله والملحقين الضرر بالآخرين كيف حكم عليهم الشرع بالقتل في الحل والحرم !! وكيف جعل منهم صورا لذوي الفسقة من المكلفين المستوجبين على أنفسهم سخط الله وعقابه !!

إن الحاكم الفاسق الذي يشعل نار الفتن بين رعيته ليلهيهم عن محاسبته ومطالبته بحقوقهم عليه ويتفرغ لتثبيت أركان سلطانه والعبث بخيرات وثروات البلاد أشبه ما يكون كتلك الحية التي تبث سمها القاتل في دم ضحيتها فتأخذ من دمه ثم تقتله غير آسفة عليه ، أو أشبه بالعقرب ولا فرق وهو يقتل رعيته وقد وثقوا فيه وأمنوه على أنفسهم وأرضهم ووطنهم ! هذا الحاكم الخبيث له من الغربان الناعقة المشغلة للناس ما يمنحه إمكانية التلاعب والرقص على وتر إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وغيرها ، ولا يبالي قاتله الله كم من الدماء تسفك أو كم من الأرواح تزهق بالمئات أو الآلالف لا فرق ، المهم بقاءه على كرسي الحكم حتى يموت أو يموت كل الشعب دونه ، وما يحدث في سوريا ومصر خير شاهد .

لا عجب أن يتحالف الحاكم ( العقرب ) مع الغربان أجهزته الإعلامية الناعقة للتضليل وتزييف الحقائق وخلط الأوراق وإثارة النعرات وبث الإشاعات والشائعات الكاذبة الأفوك ! فإن الفسق يجمعهما وهوى إلحاق الأذى والضرر من طبائعهما ! إلا أن الحاكم الجبان لا يزال يهاب تلك الديكة التي تصيح بالأمة توقظ فيها صلاحها واستقامتها وتحذرها من مغبة الانسياق وراء مخططات حاكمهم الكذوب المضلل الذي أشغلهم بأنفسهم عن بناء أوطانهم وجرهم إلى سفاسف الأمور وأخذ يضرب بعضهم ببعض ، فكان لابد للحاكم من أن يستعين بفاسق ثالث يتكفل بهذه الأصوات النشاز المغردة خارج سربه ، وهنا يأتي دور الحدأة المتربص من حيث لايرى فينقض على قيادات المعارضة كأشبه ما يكون لعمليات الاغتيالات السياسية ! ومع ذلك فلا يزال الحاكم الأكبرإجراما وفسوقا يسيل لعابه وتتوسع مطامعه ويحتاج لتأمين كرسيه ومصالحه بمزيد من الإجراءات الوقائية ، إنه لا يحب المفاجآت ، إنه يحتاج إلى من يقرض وينخر في البنى التحتية ! إنه يحتاج إلى العدو للوطن ، العدو الذي يضرب هنا وهناك، ويكون تحديا يجمع حوله الشعب ليناصروه وينشغلوا به عن حقوقهم المسلوبة ! هذا العدو الذي يجب أن يكون من إنتاجه يمتلك مهارة التخريب والتدمير ويمثل العدو المشترك للجميع ويخضع لأوامره ونواهيه ! وإن أجدر من يمثل هذا الدور هم الفئران الذين ربطوا مصالحهم بمصالح الحاكم فهم طوع أمر الحاكم ينهبون ويسرحون ويمرحون ، يضربون أبراج الكهرباء وأنابيب الغاز والنفط ، ويقطعون الطرقات وغيرذلك . ومع ذلك لا يزال الزعيم قلقا لا يأمن على نفسه يحتاج إلى الفاسق الخامس لتكتمل الصورة ! إنه الكلب العقور .. هذا الكلب قبل أن يكون فاسقا عقورا اشتهر بالوفاء لصاحبه فهو كالجيش الذي يفترض فيه أن يكون وفيا لوطنه وشعبه ليس مرتهنا لحزب أو طائفة أو قبيلة أو مرتهنا للمساعدات الأمريكية أو الغربية ! ولذلك حين ينحرف الجيش عن مهمته الوطنية المناطة به يكون كالكلب العقور الذي يعض أول ما يعض صاحبه وولي نعمته ، وهذا ما فعله الجيش المصري الذي أرهنه الامبارك للمساعدات الأمريكية وجعله ممسوخا ككلب عقور عض وعق شعبه وولي نعمته الشرعي !

إن فساد الحاكم يعني سلسلة من الفسوق يجره بيديه فهو لعمري كالحية النافثة سمها في حياة الناس العامة أو كعقرب يلدغ من يقترب منه فيفسد عليه دينه وخلقه ! فلله ما أعظم هذا التشبيه وما أعظمه من لفتة كريمة تفتح المدارك وتوسع الأفهام وتعلمنا المزيد من التأمل والدراسة لدلالات الألفاظ ومباني المعاني .