الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٥ مساءً

الامامة.. نبراس الصراع مع الظلم والجهالة

جميل ظاهري
الأحد ، ٠٦ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
أكثر من عامين ونيف يمر على انطلاق الصحوة الاسلامية بحلة الربيع الذي اجتاح الكثير من البلدان العربية مطالبة بالعزة والكرامة الانسانية والعدل الاجتماعي تلك الاصول الأولية التي أرسى أسسها الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أئمة أهل البيت عليهم السلام بناءً على ما جاء به القران الكريم اكراماً ومعزة لمنزلة الانسان ومكانته لدى الخالق المتعال سبحانه وتعالى .

فعبر الدين الاسلامي المحمدي الاصيل وعبر القرآن الكريم والاحاديث النبوية وتوصيات أئمة أهل البيت عليهم السلام وبكل صراحة وصرخة عالية عن رفضه الشديد لنهج استعباد واستحمار الانسان الذي كان ينتهجه قادة وزعماء القبائل العربية على عهد الجاهلية تماشياً مع اهدافهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كما هو الحال في عالمنا المعاصر الذي دفع بالشعوب العربية للانتفاض ضد حكوماتها لتطالب بالعيش الكريم والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان المفقودة والتي لا بد من أن تأتي أكلها عما قريب بعون الله تعالى في عالمنا العربي.

لقد عمد الطغاة المستبدين والفراعنة المستكبرين منذ العصور الماضية وحتى يومنا هذا وباساليب متنوعة الى غسيل أدمغة البشرية وحرفها عن مسير الحق والحقيقة بعناوين وألوان مختلفة والبسوها حلة جميلة تبهر بها عيون الناظرين وتدفعهم نحو التبعية لها والتمسك بها في الكثير من الاحيان رغم وقوف النخب على بطلان هذه الاقاويل لكنهم رغبة بالمسيطر والمهيمن على عقولهم يشيعونها ويدفعون بالشعوب نحوها فيلبسونها حلة دينية عبر فتاوى رخيصة لا قاعدة لها ولا أصول أو حلة الديمقراطية الغربية التفسيقية البعيدة كل البعد عن أصول الاسلام وما جاءت به رسل الخالق المتعال .

وقد عانى أئمة أهل البيت عليهم السلام دون استثناء طيلة حياتهم المباركة وعلى مدى عقود كثيرة من الافكار الانحرافية الساعية لعودة الانسان الى عهد الجاهلية بعد ان منٌ الله سبحانه وتعالى وعبر رسله وكتبه السماوية الى هداية البشرية نحو الحق والحقيقة وعلو منزلة ومقام الانسان وشموخه نحو العلم والتطور والتقدم والعدالة والحرية والاستقلالية بعيداً عن البغض والحقد والنفاق والانحراف والاستعباد والاستعمار .

والامام محمد بن علي الجواد عليه السلام الذي نعيش هذه الايام ذكرى استشهاده الأليمة هو أحد أئمتنا الهداة (ع) الذين عانوا ماعانوا من الطغاة وحكام الجور والعصور التي عاشوها بغية ايصال الرسالة المحمدية الاصيلة الى ساحل الأمان في ضمان منزلة الانسان ورفعته وعزته ومكانته اولئك الذين ليس هناك في الأمة من يساويهم عليهم السلام في عظمتهم وفضلهم، ولا يباريهم في شرفهم ونسبهم، ولا يرتفع إليهم في مقامهم ومكانتهم، فهم عيش العلم، وموت الجهل، وأصول الكرم، وقادة الأمم، والثقل الذي تركه الرسول الأعظم صلَّى اللَّه عليه وآله بين ظهراني الأمة، وجعلهم نظراء للقرآن الكريم، ونصّبهم خلفاء له صلَّى الله عليه وآله على الناس، وحكاماً على الخلق، وساسةً للعباد، وأمراء على البلاد.

وكان لابدّ للامام الجواد عليه السلام أن يوازن ويوائم بين المهامّ والمسؤوليات الرسالية من جهة، والامكانات وما يمكن تحقيقه للاقتراب من الأهداف الكبرى والنهائية التي رسمتها له الشريعة الاسلامية السامية وصاحبها (ص) وجعلت منه قيّماً رسالياً وقائداً ربّانياً قد نذر نفسه لله تعالى ولرسالته الخالدة وذلك في ظل الظرف الخاص الذي كان يعيشه على عهد خليفتين عباسيين المأمون والمعتصم وهم من أخبث الخلفاء العباسيين في الحقد والكراهية لأهل بيت النبوة والرسالة وأكثرهم ذكاءً في تزوير الحقائق وتحريفها عبر اعلامهم المسموم بالتضليل بين الناس وتحميرهم وتحقيرهم وتصغيرهم والايحاء بانهم من أقرب الخلفاء الى آل الرسالة.

فقد سعى (ع) جاهداً في مواجهة الانحرافات والبدع وتيارات التزوير في الساحة الاسلامية وقام بتعميق البناء الثقافي والروحي والتربوي للجماعة الصالحة ، وساهَمَ طيلة مدة امامته التي دامت نحو سبعة عشر عاماً في اغناء معالم مدرسة أهل البيت عليهم السلام وحفظ تراثها .

وقد ملكت مواهب الامام التقي محمد بن علي الجواد عليه السلام عقول كل من عاصره وتطلع الى شخصيته العملاقة واطلع على عظمة فكره وكمال علمه. وكل من كان يراه لم يقدر أن يتمالك نفسه أمامه ويخرج من عنده إلاّ والاعجاب والخضوع يتسابق بين يديه.

ورغم الظروف العصيبة التي عاشها وسوء سلطة الحكام العباسيين الطغاة مع الناس إلا انه كان لا يهاب في توجيه نصائحه لهؤلاء الخلفاء الظلمة وولاتهم في أي منصب كانوا ، فقد "طلب منه أحد الموالين أنَّ والياً للعباسيِّين يتولّى أهل البيت(ع)، وكان هذا الشخص ممن أثقل عليهم الظلم والضغوط السياسية والمادية، فطلب من الإمام الجواد (ع) أن يكتب إليه ليخفّف عنه كونه من "محبّيكم"، فأخذ القرطاس وكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فإنَّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإنَّ لك من عملك ما أحسنتَ فيه، فأحسنْ إلى إخوانك، واعلم أنَّ الله عزَّ وجلّ سائلُك عن مثاقيل الذرّ والخردل".

هذه الرسالة توحي بأنّ وصيّة الامام (ع) لهذا الوالي بالإحسان إلى إخوانه لم تقتصر على الجانب الشخصي في الوصية، بل تعدتها الى المنهج الذي لا بد للحاكم والسلطان والخليفة والوالي أن يتبعه في موقع ولايته في الاحسان في عمله، فلا يكون الموقع السلطوي لديه شأناً شخصياً يزهو به وامتيازاً يرتفع به عن الناس، بل مسؤولية في ممارسته الاحسان في عمله بكلِّ الوسائل والأساليب التي يجد فيها إخوانه والناس الآخرون حركة الاحسان إليهم في ذلك ويحترم منزلتهم باعتبارهم ابناء جلدته وبما يفرضه الموقع من خدمتهم، فهم سواسية مثله امام الله سبحانه وتعالى ولا فضل له عليهم بل وان هذه الوصية أرادت له أن يكون دقيقاً في حساباته فيما اؤتمن عليه من خلال إيمانه بأن الله سبحانه وتعالى سوف يسأله عن أقل الأشياء حتى عن مثاقيل الذر والخردل، كتعبير عن أصغر الأمور في حساب المسؤولية.

وليؤكد (ع) للجميع بانه في أيِّ مكان كنت أنت فستكون تحت مراقبة الله عزوجل، وأنت في الوقت نفسه برعاية الله سبحانه وتعالى، لذلك تحرك في الحياة على أساس أن تراقب نفسك في كل صغيرة وكبيرة، لأن الله جل وعلا يراقبك، وإذا جاءك اليأس والاحباط، فاعلم أنَك بعين الله العالي المتعال ورعايته، فانظر كيف يكون موقفك ومسيرك.

فهل يا ترى يفقه حكام الجور وطغاة العصر هذه الأمور أم يمضون على شاكلة أسلافهم في ظلم الناس واستعبادهم واستحمارهم واستغلالهم دون مبالاة لما سيحصل لهم "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم - الشعراء:88-89" وحتى انهم لم يعتبروا من مصير اشقائهم واخوتهم في السلطة الغاشمة في تونس ومصر وليبيا وما يجري اليوم في اليمن والبحرين ومن ثم في المغرب والاردن ، ان ربك لبالمرصاد؟.