الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢١ مساءً

توكل كرمان ... لوثر كنج هذا الزمان

احمد نبيل
السبت ، ١٥ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٥:٢٠ مساءً
لم ازل اتذكز حين كنت اخط كلمات سطوري لمقال بعنوان ( امراة ... تهز عرش الرئاسة) كتبته دفاعاً عن توكل كرمان حين اعتقلتها اجهزة النظام قبل الثورة بايام . كانت ذاكرتي حينها تراودني بتشابة سيرة توكل بالمناضل الامريكي مارتن لوثر كنج الرجل الذي دعا إلى الحرية وحقوق الإنسان و حلم بمساواة البيض والسود و بإنهاء التمييز العنصري ضد بني جلدته ومات من اجل ذلك الحلم .فلكل منهما نضال سلمي وشجاعة فائقة لإستردا حقوق امته ,وكل منهما حاز على نفس الجائزة ( جائزة نوبل للسلام ) رغم صغر سنهما , ولا ننسى تاثر توكل كرمان بسيرة ذلك المناضل الجسور .

توكل كرمان كانت بالأمس تتقدم الصفوف بشجاعة معرضة نفسها للبطش والتنكيل ,فلم تحتمل هذه المرأة التي شهدت أصناف الظلم الذي يعيشه ابناء اليمن .. فإذا بها تصرخ أمام الناس و تغضب غيرةً على اليمن , اذا اراد أحد تخريب الوطن دون عقل .. لله درها هذه المرأة الأصيلة انها أشرف واشجع من رجال يعملوا لصالح أعداء اليمن , باسم اليمن ويدنسوا حاضرنا ومستقبلنا .

فكما قال الشاعر :

فلو كان النساء كمن ذكَرْنا *** لفضِّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لإسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخر للهلال

توكل كسبتها اليمن فكسبتها العالم الانساني كله الى اخر الزمان وصنع بها السلام والسلم اعظم وافخم ما تصنعه قدرة وبناء وانشاء حيثما كانت قدرة بناء وانشاء .

نظرت الامم اليها فرأت كيف تعلمو النفس الانسانية حتى يحار فيها الانسان وهو ريشة في مهب النوازع والاشجان . رأت كيف يصبح العدل والحق "طبيعة حياة" وكيف يصبح مخلوق من اللحم والدم وكانه لا ياكل طعامه ولا يروي طمائه , ولا يصحو ولا ينام , الا ليسعى للعدل ويُعرف الحق ويهتف لهما باعلى صوت , وايضا كانه لا يتنفس الهواء الا ليمتنع الظلم عن الناس ودحر دولة الباطل وكانما العدل والحق دين عليه يُطالب به الف غريم , وهي وحدها توكل كانت الاقوى في المطالبة بهما من الف غريم .

لقد كانت هذه المرأة المجيدة تبغض ان يُظلم غيرها اشد من بغضها ان تُظلم هي ,وهذه منزلة في الانفة لا تطاولها المنازل لانها منزلة الابطال واننا نعلم كم حز في قلبها الكريم ان يضرب بريئا على دين الحق كلما رجعنا الى ايامها الاولى قبل الثورة , وهي ايام لاتنسى في تاريخ البطولة والابطال فما شغلها امر عن اعلان الحق والتصدي للظلم الا ان تخرج وتثور حقا ضد كل مغتصب له.

لقد كان في تحديها للنظام الفاسد عدتنان "شجاعتها وعشقها لعدل السماء " فما كانت شجاعتها في هذا التحدي بأظهر من عدلها ولا كان عدلها أظهر من شجاعتها , اذ الشجاع الحق مطبوع على الانفة من الظلم لانه شديد الاحساس بذله , ومن كان كذلك فهو شديد الاحساس بقوة العدل ايضا من طريق واحد , وقلما اغضب العادل الشجاع شئ كاستطالة الظالم وظنه ان الملظوم لا يستطيل عليه , فذلك هو التحدي الذي يثير الشجاعة ويثير النقمة على الظلم او يثير حب العدل في وقت واحد , وأن الموت لأهون من الصبر على هذا التحدي المرذول وهذا الصلف القبيح .وما الشجاعة ان لم تكن اولى بالجرأة على الموت كلما وجب الاجتراء عليه .. واي امرئ اولى بالجرأة من الشجاع الذي يعلم ان الحق بين يديه .

" السنا على الحق اخي الثائر ان حيينا او متنا ؟"...فعلى الحق اذن فلنمت ولا نعيش على الباطل , فالباطل كرية والجبن كرية , وذلك ملتقى العدل والشجاعة في قلب الثائر الشجاع . فان شجاعة توكل من اجرئ الشجاعات في النفوس الادمية لانها الشجاعة وحدها التي تواجه بها ( تهمة العمالة ) وهذه التهمة ارذل من الموت عند الشجعان فكما قال العقاد رحمة الله (دين المرء القوي الشجاع الذي ينتصر بالحق في ميدان الحياة)

أَنَا إِنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدَمُ قُوتًا *** وَإِذَا مِتُّ لَسْتُ أَعْدَمُ قَبْرَا
هِمَّتِي هِمَّةُ المُلُوكِ وَنَفْسِي *** نَفْسُ حُرٍّ تَرَى المَذَلَّةَ كُفْرَا
وَإِذَا مَا قَنَعْتُ بِالقُوتِ عُمْرِي *** فَلِمَاذَا أَخَافُ زَيْدًا وَعَمْرَا
الشافعي رحمه الله

ومضة ختام : لكل شخصية انسانية مفتاح صادق يسهل الوصول اليه , اويصعب على حسب اختلاف الشخصيات .. وهنا ايضا مقاربة في الشكل والعرض من مفاتيح البيوت .. فرب بيت شامج عليه باب مكين يعالجة مفتاح صغير , ورب بيت ضئيل عليه باب مزعزع يحار فيه كل مفتاح , فليست السهولة والصعوبة هنا معلقتين بالكبر والصغر , ولا بالذكورة والأنوثة ( فرب شخصية عظيمة سهلة المفتاح , ورب شخصية هزيلة ( مثل شخصية صالح ) ومفتاحها خفي او عسير . فمفتاح شخصية توكل كرمان هو بساطتها والتزامها بحشمتها وعفتها واعتزازها بدينها ووطنها اولا . وهذه الخصائص هي من اسباب تقبل المجتمع اليمني لتلك المرأة التي شاركت الرجل في ميدان الحياة بكافة جوانيه