الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٢ مساءً

من مطبخه السياسي إلى مطبخ المشردين..!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ٢٥ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
إن المسؤول المؤمن بقيم الإنسانية وعدالتها يتميز بالصّبر والحكمة ويرجو رحمة ربه في من وليّ عليهم، فمن لا يعرف الخوف لا يعرف الرجاء، والرجاء لدى المسؤول يعني تحسين متطلبات السلوك مع الناس طالباً ثواب ربه.. ومن المفترض أن يتحكم المسؤول في رغباته وتحيزاته، وتكون قراراته وسلوكياته مستندة إلى مطالب الإنسانية فيما يُرضي الخالق، لأنه القادر على معرفة نوايا العباد وأسرارهم.
إن حقيقة الإيمان لدى المسؤول هي التي تكون رقيباً على نفسه وتعطيه نوع من التغذية الراجعة الذاتية لتهذيب نفسه وتصحيح مسارها على بصيرة وهَدْى في سرِّه وعَلنه، فالإيمان يحث صاحبه على الايجابية في التسامح والغفران، فهو لا يعني التسيب والترهل.. فالضبط وعلاج المشكلات من الأمور الأساسية، فالإيمان يمد صاحبه بعوامل النجاح والثبات والطمأنينة، ويُحتم عليه أن يستقبل كل مشكلة مهما تعاظمت بالصبر وحكمة العقل في الحل الممكن.. لإدراكه بان ما يريده الله واقع وان ليس للإنسان إلا ما سعى.

إن مفاهيم قيمة الإنسان وكرامته تشكل قلب النظم الاجتماعية ــ المؤسسات حكومية كانت أم غير حكومية ــ والتي أوجدها الإنسان. . فقد قيل إن التقنيات الحديثة والإعلام ووسائل الاتصال..الخ، ساهمت إلى حد كبير في عملية إلغاء السيادة الثقافية للمجتمعات التي نتج عنها غسل الأدمغة وإعادة صياغة تفاكر البشر وفق ما هو مرغوب فيه من ممارسات خاطئة وثقفنة هابطة لا إنسانية، ليكتَشف الفرد متأخراً انه وقع ضحية لقوى الحبائل الشيطانية التي وإن اختلف في طرائقها لكنها لا تختلف في أحادية تحقيق هدفها، وهذا ما نلمسه هنا وهناك من البعض في الساحة اليمنية.

قُبَيل إجازة العيد و خلالها وبينما البسطاء من المواطنين قد أضناهم شظف العيش، بعضهم يهرعون هنا وهناك للبحث عن بعض المشتقات النفطية، والبعض يبحث عن دائن يقترض منه ليسد رمق أطفاله في حدود الكفاف لأيام العيد والتي من المفترض أن تكون فرحة للأطفال واستقرار للناس، والغالب من مسؤولينا الذين ولوا على رعاية الناس قد حزم حقائبه وربط أحزمة الطائرة عليه وزوجته وأطفاله متجها بهم إلى كل بلد أعطت الإنسانية والطفولة الرعاية والحقوق ليقضوا فرحة العيد هناك.. وسؤالي هو: في ماذا يختلف ابن المواطن عن ابن المسؤول ببلد الحكمة؟ ولو كان المسؤول في بيت أمِّه، هل سيكون قادراً على السفر ومطالبه لكامل أفراد أسرته؟ أم أنه سيكون أمام إحدى محطات المشتقات النفطية وإمّا باحثاً عن دائن يقترض منه؟!

وأنا أتصفح الأخبار عبر شبكة الانترنت خلال إجازة عيد الأضحى لفت ناظريّ عنوان رئيس لخبر يقول " رئيس أقوى دولة في العالم يعد وجبة الإفطار للأطفال ". من المفارقات أن خلال إجازة العيد تلتقط عدسات وسائل الإعلام الأمريكية صوراً للرئيس باراك أوباما ليس في المطبخ الذي اعتاد عليه، فذلك لا يثير الغرابة، ولكن التقطت الصورة في مكانٍ ومطبخٍ غريبين عن المعتادة. ينتقل من مطبخ للطبخات السياسية في البيت الابيض، إلى مطبخ بمفهومه العام ولكن ليس في منزله أو منزل أحد أصدقائه، إنه في مطبخ جمعية "مائدة مارثا" الخيرية إحدى منظمات المجتمع المدني غير الربحية, والتي تعمل مع المشردين والأسر ذات الدخل المنخفض. إن أوباما لا يُعِد في المطبخ هذا وجبة غذاء له أو لأحد أطفاله أو أفراد أسرته، وإنما يعد وجبة من السندوتشات في مطبخ الجمعية للأطفال المشردين وأطفال الأسر ذوي الدخل المحدود كما هو في الصورة، والرجل الأفريقي الأصل ليس بحاجة لدعاية انتخابية كما يفعل زعماؤنا ومسؤولينا قبل وخلال إجراء انتخاباتهم الصّورية، كما أن فترة الرجل الانتخابية الثانية والنهائية قد ولّت بلا عودة. ممارسته تلك فيها أبعاد فريدة عِدّة في الانتماء والولاء وفي الإنسانية وللطفولة، فقر المسؤول العربي فيها واضح برغم أنه المعني بها ولم يأخذوا من المجتمع الأمريكي سوى السلوكيات المقززة.

إن الفكر العربي والإسلامي قد أعطى قيمة للإنسان ككل دون إهمَال لأي جانب عن الآخر، فالناس سواسية كأسنان المشط ، وعبر الحضارات التاريخية عظّمت منزلة الإنسان بالاهتمام بحماية مكنونات شخصيته واستثمارها على أساس من التّواد والتحاب والتراحم لا الاختلافات والتشاحن والتباغض، من ذلك على المسؤول أن يوفق في حاجته الشخصية ضمن إطار مراعاة المصلحة العامة، لا أن تطغى حاجاته على المصلحة العامة.. وهنا سؤال يطرح نفسه : هل المسؤول في مجتمعاتنا يُكرّس لذلك البُعد أو جزء منه في تعاملاته مع الناس ؟ أم أن بعضهم كالطاووس تجده حسن المنظر وإذا ما اقتربت منه تبعدك رائحته النتنة؟

إن الثقافة المجتمعية لفضيلة الحياة تعطي مفهوماً لقيمة الإنسان وكرامته، إذْ لا بد للقادة والمسؤولين أن يؤمنوا بها تترجها ممارساتهم لترسيخ الإيجاب في تلك الثقافة وتحويل الاهتمام من التركيز على الأحداث والأشياء إلى التركيز على الإنسان أولاً، أي أن التركيز لا يكون فقط على البرامج ووصف المواد وحسب، بل يكون على نحوٍ جوهري شديد مركز اهتمامهم الناس والمواطنين المتأثرين بأداء النظام السياسي وغير السياسي، ولكن مع الأسف لم يبقى لنا سوى خطاباتهم عن فضيلة الحياة المجتمعية، أمّا الممارسة لتلك الفضيلة هاجرت ليمارسها مجتمع آخر..!

إننا نعيش علّة الواقع العربي عموماً واليمني خصوصاً بكل أبعاده، صنعته الأقلية من المسؤولين وقادة مراكز القوى وموازينها، وبرغم أن فرصاً كثيرة أتيحت لها لعلاج علة صنيعها إلا أن تلك الأقلية مصرّة على الدّاء لكل الأغلبية.

وضربٌ من محال أن أطلب من أي مسؤول قيادي شيخ كان أم سياسي أم.. الخ، أن يتلمس حال الناس وهمومهم لأن ذلك لا يخفى على أحد، ولا أطلب منهم أن يتركوا مطابخهم ودهاليزها القذرة لأعداد وجبة لطفل يتيم أو موظف لا يجد قوت يومه، لكن أطلب منهم كمواطن بسيط تقوى الخالق في نفوسهم أولاً، و ثانياً بأن يكفوا عنّا خطاباتهم الجميلة والتي أساءت للواقع وأناسه، لعل الواقع أن يكون أحسن من ذات نفسه بدونهم..