الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٢ صباحاً

قصة " الشرطي " وحماية الكيان الاسرائيلي

عبدالوهاب الشرفي
الثلاثاء ، ٢٩ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
لعبت المخابرات البريطانية الدور المباشر في التمّكين للوجود اليهودي في فلسطين انفاذا منها للوعد الشهير الذي حصل عليه اليهود من رئيس وزراء " بريطانيا العظمى " والمعروف بوعد " بلفور " .

تمكنت المخابرات البريطانية من رفع اليد العثمانية التي كانت تحكم اغلب الدول التي تمثل العالم العربي والاسلامي اليوم وعلى وجه الخصوص الجزيرة العربية و منطقة الشام التي هي " عين الهدف " بالنسبة لها , وكانت وسيلتها في ذلك هو إذكاء القومية العربية في الوطن العربي و إذكاء القومية التركية لدى الاتراك ومن ثم الفصل بينهما تماما .

تدخلت المخابرات البريطانية في توزيع الترّكة في المنطقة العربية التي شغرت بعد انكفاء الاتراك على ارضهم , وساهمت بصورة مباشرة في التمّكين لليهود في احتلال ارض فلسطين , وفي ذات الوقت التمّكين للحكام في باقي المنطقة العربية المحيطة بفلسطين وبما يضمن عدم عرقلة العمل على انشاء الكيان الاسرائيلي الغاصب في الارض المغتصبة .

كان الدور العربي الرسمي تجاه الاحتلال اليهودي لفلسطين – في الغالب - " مروّضا " منذ البداية , ولم يكن يمثل تهديدا جديا لذلك الاحتلال في يوم من الايام , وبذلك تمكنت المملكة المتحدة من زرع اسرائيل في بلاد العرب بنجاح كامل , و ما كان يمثل التهديد الجدّي لذلك الاحتلال هو الدور العربي والاسلامي غير الرسمي ( الشعبي ) والذي كان يتنامى كلما زاد استيعابه " لمداهنة " الموقف الرسمي في قضية تحرير الارض المغتصبة .

كانت الصهيونية العالمية قد ادارت - بقدر كبير - احتلال اخر من قبل في منطقة اخرى من العالم , فقد دفعت بالأوربيين - بالدرجة الاولى - وبغيرهم من الجنسيات كذلك لاحتلال قارة امريكيا الشمالية سعيا وراء التجارة والاستثمار والارباح و لإيجاد " قوة عالمية " قادرة على تحمل اعباء انتشار واسع في العالم ويمكنها فرض ما تتبناه هي على الكثير , وبالطبع صمّمت هذه " القوة العالمية " لتدار مباشرة عن طريق " لوبي يهودي " يضمن تسييرها " في الاتجاه الذي يحقق اهداف الصهيونية العالمية .

كانت المملكة المتحدة قد تولّت زرع الكيان الاسرائيلي في فلسطين وتولت دور الشرطي لحمايته على المدى القصير , ولكنها لم تكن لتقدر على تولي تامين الحماية له على المدين المتوسط والطويل لاعتبارات مختلفة , ولذلك نقلت الصهيونية العالمية مهمة تامين الحماية لهذا الكيان الى الولايات المتحدة الامريكية التي سيستخدمها اللوبي اليهودي فيها كشرطي للحماية على المدين المتوسط والطويل لما تتمتع به من القدرة السياسية و الاقتصادية والادارية والعسكرية اللازمة لهذه المهمة . , وهذا الامر هو ما يصرّح به الرؤساء المتعاقبين للولايات المتحدة علنا وفي كل مناسبة " بانها ملتزمة بأمن وحماية دولة اسرائيل " .

اعتمدت الولايات المتحدة في اداء دورها كشرطي لحماية الكيان الاسرائيلي على توليها الادارة المباشرة لملف " القضية الفلسطينية " عربيا واقليميا ودوليا , مستندة في ذلك على تفوقها السياسي والدبلوماسي والاستخباراتي والاعلامي دون ان يكون لها حتى هذه المرحلة تواجد مباشر يتجاوز بعثاتها الدبلوماسية وخلاياها الاستخباراتية في دول العالم العربي والاسلامي , وكانت تسيّر " الحدث " السياسي والامني في صالح منع اي خطر يهدد الكيان الاسرائيلي , وفي صالح التأصيل لوجوده المحتل للأرض العربية ايضا وذلك بدفع الموقف الرسمي لدول العالم العربي والاسلامي لدّخول في عملية سلام تفضي الى الاعتراف الرسمي والقانوني بذلك الكيان كدولة من دول المنطقة .

تكمنت الولايات المتحدة من اخذ الموقف الرسمي لأغلب دول العالم العربي والاسلامي في طريق التكيّف مع الاحتلال علنا بعد ان كان الموقف الرسمي " مروضا " منذ بداية زرع الكيان الاسرائيلي في المنطقة ولكن سرا , وهذا الامر انعكس على دوّرها وعلى الكيان الذي تحميه سلبا , فقد نمّى وتطور كرد فعل موقف غير رسمي " شعبي " رافض للاحتلال ومتمسك بحقه في تحرير الارض المغتصبة ولو بعيدا عن ذلك الموقف الرسمي الذي تمكنت الولايات المتحدة من تحييده .

في مواجهة ذلك التنامي للموقف الشعبي اعتمدت الولايات المتحدة آلية استخدمت فيها الموقف الرسمي لضرب الموقف الشعبي والتضييق عليه باعتباره اصبح يتصادم مع موقف السلام مع الكيان الاسرائيلي الذي بالطبع لم يعد موقفا امريكيا فقط وانما اصبح موقفا رسميا للعديد من دول العالم العربي والاسلامي , وبالتالي كان من السهل على الولايات المتحدة استخدام الموقف الرسمي في مواجهة الموقف الشعبي كونه يمثّل خروجا على قرار سياسي – عملية السلام - قد اصبح قرار " وطنيا " للعديد من هذه الدول .

كان لعدد من التغيرات التي من اهمها قيام الثورة الاسلامية في ايران اثر مباشر في الاخلال بمعادلة الصراع في الشرق الاوسط كما صاغتها الولايات المتحدة , وبشكل ترتب عليه عودة ملف القضية الفلسطينية لدى ما يسمى بمحور المقاومة الى المربع الاول الذي يمثل فيه الكيان الصهيوني كيانا محتلا وليس كيانا يختلف معه على بعض التفاصيل ضمن عملية سلام تتم بينه وبين من يحتل ارضهم , كما ان قيام الثورة الاسلامية الايرانية مكّن حركات مقاومة شعبية من تحقيق نقلة نوعية و تطورت كما وكيفا بشكل جعل منها تهديدا جدايا على الكيان الاسرائيلي , لم يعد من الممكن السيطرة عليه باستخدام الموقف الرسمي ضده كما كان عليه الامر في المرحلة الاولى من التدخلات الامريكية .
اهم ما فرضه محور المقاومة كمتغير على المعادلة هو انه خصم جدي للكيان الصهيوني له قدرات عسكرية لا يستهان بها وهي قدرات متنامية باضطراد , و اذا ما اخذ في الحسبان " الجانب المعنوي " و طبيعة " الجبهات الداخلية " بين الخصمين فسيكون احتمال تغلّب محور المقاومة على القدرات العسكرية الصهيونية قائما و بقوة , وما يضاعف من خطر هذه القدرات العسكرية لمحور المقاومة هو تواجده بالداخل وبالجوار للأراضي العربية المحتلة , وكان هذا المتغير هو السبب الاهم لان يحتاج الكيان الاسرائيلي لتواجد الشرطي الامريكي الملتزم بحمايته الى جواره في العالم العربي والاسلامي وبقوة عسكرية في هذة المرحلة .

لم يكن توفير التواجد العسكري المطلوب لحماية الكيان الاسرائيلي بالأمر السهل , ولم يكن حتى اللوبي اليهودي قادرا على تحقيقه مباشرة ذلك لاعتبار ان اداء الولايات المتحدة لدور الشرطي للكيان الاسرائيلي يكلفها اقتصاديا وسياسيا الكثير , وقد وصلت هذه التكلفة الى التأثير على توجّه الادارة الامريكية لحل مشكلات الداخل الامريكي , و هو ما اوجد رفضا لدى الراي العام الامريكي لاستمرار الولايات المتحدة في اداء دور الشرطي لحماية دولة اخرى ( حليفة ) فضلا عن رفع مستوى الدور المطلوب للحماية .

كان على اللوبي اليهودي ان يتصرف بالشكل الذي ينقل فيه دور الشرطي الامريكي في العالم العربي والاسلامي من مهمة " حماية حليف " الى ما يراه الراي العام الامريكي حماية للولايات المتحدة ذاتها , وبذلك سيمكن تجاوز حاجز الراي العام الامريكي المعارض دور الشرطي في المنطقة لكونه اصبح مطلوبا لحماية الامن القومي الامريكي قبل ان يكون لحماية الكيان الاسرائيلي !! . و تفتقت الذهنية اليهودية عن فكرة " جهنمية " تحقق لها المراد تمثلت في صنع ما يمكن للراي العام الامريكي ان يراه عدوا للولايات المتحدة ينطلق من العالم العربي والاسلامي .
بدأت " الكيانات " المعنية بتنفيذ المخططات اليهودية بإدارة عملية واسعة صنعت من خلالها عدو " هلامي " اسمته " الارهاب " , وقامت بضرب الولايات المتحدة في عقر دارها في عملية برجي التجارة العالمية ومن ثم الصقت التهمة بهذا " الارهاب " , وبالتالي اقنعت الراي العام الامريكي بضرورة تواجد الولايات المتحدة الامريكية عسكريا في العالم العربي والاسلامي لمكافحة هذا " الارهاب " في " عقر داره " حماية لمصالحها وأمنها القومي .

تضحية بحجم ضرب برجي التجارة العالمية ليست بالهّينة , وكان على اللوبي اليهودي ان يستثمرها كما يجب بالاستفادة من حالة الذهول الذي اصيب بها العالم بأسرة والتي مكّنت اللوبي اليهودي من جعل مواجهة من فعل هذا العمل على ارض الولايات المتحدة هو اول اولوياتها .

حالة الذهول تلك مكنّت الولايات المتحدة ايضا من الدخول القوى في مختلف الشئون للعديد من الدول في المنطقة ( سياسيا واقتصاديا وامنيا وعسكريا ودبلوماسيا وحتى اجتماعيا وادارة ) باعتبار ان حدث رهيب كتفجير برجي التجارة العالمية لابد و ان يكون " الارهاب " الذي فعله هو " تنظيم " في غاية الخطورة , لدرجة ان مواجهته من قبل سلطات الدول التي " ينبع " منها هو امر يفوق طاقتها بكثير ولابد لها ان تتقبل دخول الولايات المتحدة في ادارة مختلف شئونها بشكل مباشر , وبالطبع كله لحماية الامن القومي الامريكي وحماية الامن والسلم الدوليين !! .

نجحت الصهيونية العالمية في تحقيق الهدف , واصبح الشرطي المتعهد بحماية الكيان الاسرائيلي متواجد بقواته في المنطقة وداخلا بشكل مباشر في ادارة العديد من بلدانها , وبقيت هناك مهمتان الاولى تتولاها الصهيونية العالمية وتتمثل في استمرار تضليل الراي العام الامريكي والراي العام في المنطقة كلما افاق واكتشف ان ما يتم هو تنفيذ لأجندة المستفيد منها هو الكيان الاسرائيلي ( الذي اصبح الشرطي المتكفل بحمايته هو من يدير كل شيء من حوله ) , والثانية يتولاها " اللوبي اليهودي " وتتمثل في العمل على اعادة تشكيل المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وامنيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا بما يضمن التفوق النوعي في كل ذلك للكيان الاسرائيلي ( تحت مسمى مكافحة الارهاب ) .