الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٤ صباحاً

تفاصيل حياتنا بين لماذا ؟ وكيف ؟

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
الاربعاء ، ٣٠ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
في جلسة جمعتني بأخ حبيب لا تنقطع زياراته لي متى ما حل زائراً لمحافظة الحديدة ، تحدثنا عن مواضيع متفرقة ، توصلنا في النهاية إلى أن مدار حياة الإنسان سلباُ وإيجاباً تبدأ وتنتهي ب ( كيف ؟) المعنية بالعمل والتنفيذ وافترقنا على ذلك ، وعدت للبيت والفكرة تختمر لدي كمقال عزمت إنشاءه ونشره ، غير أنه خامرني السؤال : لماذا ؟ ووجدت أن السؤال كيف ؟ يرتبط ارتباطاُ قوياُ ب ( لماذا ) كبوابة ندلف منها إلى ( كيف ) وأنشأت قائمة توضيحية ببعض الأمور المتعلقة كأنموذج تعريفي لبيان أهمية ( لماذا) للوصول إلى (كيف ) الذي ينبني عليه الكثير من تفاصيل حياتنا إن لم تكن كلها أو أغلبها ! فمثلاً : خلق الإنسان في الأساس قبل أن نعرف الكيف وتفريعاته – متى – من ماذا ؟ وغير ذلك ، لابد من معرفة لماذا ؟ للتعليل وبيان السبب والحكمة ، إذ لا ينبني على معرفة متى ؟ وأين ؟ ومن ماذا ؟ وغير ذلك من التساؤلات العلم النافع والمفيد الذي ينبني عليه إجراءات وقائية أو إنجازات معرفية أو علمية أو أي كان من المنافع أو المصالح الدنيوية أو الدينية ، أما معرفة التعليل والسببية الناشئ من الإجابة على السؤال ( لماذا ) فإنه يقودنا لحقيقة الحدوث وحصول الشيء ومكوناته وبالتالي يقودنا تلقائياُ لحسن التعامل مع هذا الشيء أو هذا الحدث بحسب نفعه لنا فنأخذ به ونعمل وفق الهدف الذي أنشئ لأجله ، أو ننصرف عنه ونحذره إذا علمنا من ( لماذا ) السببية ضرره وخطره ، وهذا هو المعنى الآخر لإجابة السؤال ( كيف ) فالإنسان لماذا خلقه الله ؟ الإجابة : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) إذاُ هي العبادة ( الهدف ) الذي لأجله خلقنا الله ، والبحث عن من ما خلقنا الله ؟ ومتى خلقنا الله ؟ لا تحقق الهدف الذي لأجله خلقنا الله ، وبالتالي فإن معرفتنا لماذا خلقنا الله والتي هي للعبادة يستلزم منا تباعاً معرفة الكيفية التي من خلالها نحقق الهدف من العبادة التي لأجلها خلقنا ، وهذه الكيفية تنشأ من : ( كيف ) نعبد الله بالطريقة الصحيحة التي ترضيه ونتقرب بها إليه ؟! ولأننا يعترينا الضعف البشري والقصور البشري الذي يحجب عنا الطرق المثلى في أداء العبادة وفق النهج الذي يرضيه ونجهل حتى ما يحب وما يكره مما نقول أو مما نعمل ، ينشأ عفوياً الحاجة الماسة للوسيط الذي ينقل إلينا المنهج المرسوم من قبل الله تعالى ليكون الدستور والنظام الذي نلتزم به ونعظمه ونقدسه ، ولأنه الخريطة التي تدرسنا العبادة الصحيحة والسليمة وهي البوصلة التي نركن عليها في تحقيق مراد الله ( الهدف ) من خلقنا وهي العبادة ، فكان الرسل والأنبياء بمثابة الوسيط والبوصلة الموجهة لدراسة واستيعاب المنهج ( الوحي ) الذي أنزله عليهم كنظام ودستور يلتزمون به لا يحيدون عنه ، وهؤلاء الرسل والأنبياء ينشأ عن وجودهم السؤال : لماذا ؟ الرسل والأنبياء ؟! وعليه ينشأ السؤال المنطقي ( كيف ؟ نؤمن بهم ونصدقهم ؟! وهي البراهين التي يدعم الله ويؤيد بها رسله ، وبعد التصديق يبدأ العمل والتنفيذ ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون ) . وينشأ بالتالي : لماذا العذاب إن لم نعبده على الوجه الذي يرضيه ؟! أو : لماذا يعذبنا الله إن أشركنا معه غيره أو كفرنا به ؟! والإجابة : أن الله أعلم بمصالحنا من أنفسنا وهو الذي أوجدنا من العدم ( لا شيء ) ومن حقه أن لا نكفر به أو نشرك في عبادته غيره ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاُ بصيراُ * إنا هديناه السبيلا إما شاكراً وإما كفوراً ) ولأنه الخالق الذي ليس كمثله شيء فلا يسأل عما يفعل وله الحق في كل شيء ، ليس لوجوده ابتداء وليس له انتهاء ، هو الأول فليس قبله شيء وهو الآخر فليس بعده شيء وهو الظاهر فليس فوقه شيء وهو الباطن فليس دونه شيء ، علمنا جل في علاه أن نعتقد ونقول في حقه وذاته ما يليق بجلاله وعظمته من دون تكييف لذاته أو تعطيل ، وما كيفته عقولنا فهو خلاف ذلك ، ونهانا عن التفكير في ذاته ، قال صلى الله عليه وسلم ( تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته فإنكم لن تقدروا قدره ) وأمرنا بالتفكير في خلقه وإبداعه المبثوث في كل الكون لعلمه أن عقولنا لا ترتقي أو تملك القدرة لتصور ذاته حتى تستوعب التفكير فيه ، أما التفكير في خلقه فللعقل إمكانية السياحة والتوغل والدراسة والبحث ، وسيجد العقل البشري وهو يفجر طاقاته للبحث والاستكشاف ما يزيده حباً لله تعالى وأنساً به وقرباً إليه ، قال الله تعالى في الحديث القدسي ) أنا والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه عز وجل ، وبعد معرفة لماذا العذاب إن لم نعبده حق عبادته أو إن كفرنا به أو أشركنا غيره معه في عبادته ! يأتي السؤال الحيوي الهام : كيف نجنب أنفسنا الوقوع في الشرك أو الكفر ، وكيف نقي أنفسنا التقصير في حقه وهو القائل جل وعلا ( لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) والإجابة سهلة وميسورة ، فقد سأل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يقربني إلى الجنة ويباعدني عن النار ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه .. تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلا . إذاً فهو الحرص الذي يطلع الله عليه فيراه في قلبك فييسره لك ، فمنا الصدق مع الله وبذل الجهد في العبادة واتقاء الوقوع في الشرك والمحرمات ومن الله التيسير والتوفيق والسداد والهداية ، وهكذا نسقط لماذا وكيف ؟ على بقية تفاصيل حياتنا لندرك واقعية ما نحن عليه من الخطأ والصواب ونحسن التقييم ونجود العمل ، فإن مرد جميع الأمور والحوادث والأحداث تتيه في تفاصيل جانبية قد تفيدنا للعلم والدراية لكنها لا تفيدنا في الجوانب العملية في الحياة ، فلماذا ؟ تبين العلة والسبب ، ومعرفة الكيف في الاستفادة من معرفة العلة والسبب هو النهج المنطقي السليم في تخطي الحواجز وحل المشكلات والإشكالات وتحسين الأداء وتجويد الرقابة والتنوع في الإنتاج وتحسين الإدارة والتأهيل القيادي ، وكما ضربنا الأمثلة لبيان التأثير الحيوي والمباشر لسؤالي لماذا ؟ وكيف ؟ المتعلقة في خلق الإنسان وما المطلوب منه والنتائج المترتبة على معرفة لماذا ؟ وكيف ؟ يحسن بنا الآن تعميم هذه الحقيقة على بقية بعض من المجالات الحياتية ، سياسياً على سبيل المثال : لماذا هذه الموجات من الثورات الربيع العربي التي أسقطت فيها الشعوب حكامها وأنظمتها ؟ والإجابة : بلغ السيل الزبى كما يقال عند الشعوب العربية الثائرة التي تشكو طغيانها واستبدادها وتلاعبها بثروات وخيرات البلاد ، ويأتي السؤال الطبيعي البدهي : كيف استقام لهذه الشعوب استكانتها لهؤلاء الطواغيت طيلة هذه السنوات ؟ والإجابة : استجابت طوعاً لله تعالى في الصبر على حكامها وإن جلد ظهرها وأخذ حقها إلا أن ترى منهم كفراً بواحاً لها من الله فيه برهان ، وقد رأت من حكامها ما يوجب عليها خلعها من التآمر عليها مع أعداءها وتضييع وإهدار دينها وأخلاقها وقيمها والأخذ بها إلى الردة والكفر عبر ما يسمونه التطبيع مع اليهود والنصارى وحوار الأديان وغير ذلك من مشاريع التبعية لليهود وللنصارى ، وقد يطرح سائلا : بل هذه الثورات الشعبية المناهضة للحكام صناعة صهيونية أمريكية بهدف إضعاف شوكتهم وتوسيع دائرة الفرقة والاختلاف وإلا لماذا لا يحتسبون الضيم ويصبرون ، أولماذا في هذا التوقيت قامت هذه الثورات ؟! وهذا أيضاً سؤال يحتاج للكشف والبيان ومعرفة السبب والعلة ، والإجابة : ليس من مصلحة اليهود والنصارى أن تتحرر الشعوب من طواغيتها وأن تطالب بحقوقها ، كما ليس من مصلحة اليهود ولا النصارى الحراك الشعبي وتعلم مواجهة القمع وإرهاب الدول التي قامت على التحصين الأمنية والاستخبارات القمعية ، وساحات الاعتصام جمعت طوائف وأحزاب ومشارب فكرية مختلفة إلتقت موحدة الهدف والرؤية وهي التحرر من الظلم ورفع الضيم عنها ، فهل يلام الحر الأصيل إذا رفع صوته عالياً وطالب بحقه ؟! وهنا تأتي أهمية ( كيف ) وقد أدركت الشعوب قيمة الحرية وأرادت خلع حكامها ، فبعد أن لبثت الدهر يعتريها الظلم ويخيم عليها لباس الذل والهوان ويختلج بين جنباتها لماذا رضينا الذل وشربنا كأس العلقم ؟ أما آن لنا الخلاص ؟! ولما أذن الله لهم بالخلاص هداهم للكيف الأسلم والأصعب كذلك فافترشوا الأرض والتحفوا السماء وألهبتهم حماسة الانعتاق من ظلام الليالي البوليسية فلم يبالوا على أي جنب كان في سبيل حريتهم مصرعهم .

وأما إذا نظرنا لأهمية لماذا ؟ وكيف ؟ على الجانب الشخصي فمثلاً : كلنا درسنا المرحلتين الأساسية والثانوية وكلنا لا يدرك منذ مراحله الدراسية الأولى ماذا يريد من دراسته ؟ لكن والده الذي دفعه للتعليم يعلم ماذا يريد من ولده وهذا هو الكيف الذي نشأ لدى والده وهو يدفعه إلى المدرسة ، كيف أبني لولدي المستقبل الذي يستحقه ؟ أو أريد لولدي الحصانة من الجهل وأقيه بالعلم آفة الخرافات ، ويأتي دورنا بعد ذلك في التخطيط لمستقبلنا ورسم خريطة الطموح الذي يحرص الكل على حسن استيعابه دون التعثر أو الانجراف وراء ملهيات أو مشغلات تصفعك من هنا أو تفاجئك هناك !! وهذا هو الكيف الذي نستعرض منذ ابتدئنا حديثنا عنه لنصل في منتهى الحديث إلى السؤال : لماذا الكتابة في هذا الموضوع وبهذا الطرح ؟ والجواب : لأن الكيف كما يبدو لي الجناح الذي يحلق بالحالمين نحو مستقبل مشرق ، وهو معول يكسر به الناجحون حجر الفشل لينطلقوا بثقة تملأهم إلى سماوات النجاح في كل مجال وعلى كل ميدان ، شريطة أن يحسنوا فهم لماذا ؟ فهماً سليماً صحيحاً ، ثم يحسنوا أيضاً استيعاب الكيف الصحيح الذي يقودهم إيجاباً ويجنبهم مخاطر السلبية والانهزام .