الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٦ صباحاً

أحقية الناس..!

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ٠٩ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
لقد أصبحت حياة الفرد اليمني تضج بكثير من المتغيرات المجتمعية الشاذة التي أثّرت سِلباً على العلاقات الإنسانية الإنسانية، وهي نتيجة طبيعية لتلبس من زعمت أنها الصفوة المجتمعية بمعتقدات خاطئة في فهم وممارسة أسس قيام مجتمعاتهم أو إصلاحها، دونما اكتراث فيما أدخلت تلك المعتقدات الخاطئة من اختلالات أفسدت الحياة المجتمعية وعززت لدى الغالب من الناس صحة الخطأ في المعتقد حتى أصبح أيّ فكر يغطي انحراف المسؤول ويعفيه من المسؤولية يحاول التشبث به ويفرض على الآخرين تصديقه والتعلق به وبإرادة مسلوبة..! فالموظف أو المسؤول يعتقد أن من حقه امتهان المواطن وإذلاله في حقوقه، والتاجر يعتقد من حقه احتكار السلعة لرفع السعر، والمواطن يهتك أخاه أو يسرقه ويقتله.. وهكذا.. كل ذلك وغيره ناشئ عن التعلّق بفلسفات ذات أسس عقائدية فاسدة، وصل المعتقد مع الأسف من أعلى قمة في هرم النظم الاجتماعية ومنها النظام السياسي طبعاً إلى أصغر وحدة في النظام وهو الفرد المتحلل من القيم.. إن عقول بتلك البنية: هل تستطيع مثلاً إصلاح واقعٌ كانت في يوم ما سبب فساده أو حتى إنتاج ديمقراطية حقيقية كما تدعي؟! وهل استطاعت تلك العقلية خلال الفترة الماضية أن تقيم أي بديلاً آخر على أساس المواطنة المتساوية للناس جميعاً؟..

إن من أحقية الناس على من تولى المسؤولية عليهم حل قضاياهم دونما تمييز لا أن يشعر المواطن بامتهان كرامته ".. أم أن حل قضايا المسؤول وذوي القربى ــ الصفوة ــ فقط هو ما فهمه بعض المسؤولين ؟.. ولذلك الغرض كانت العهود التي قطعوها على أنفسهم أمام الأخ الرئيس وأيديهم على كتاب الله، متناسين أن جلودهم وألسنتهم ستشهد عليهم إضافة إلى كل من شاهدهم على التلفاز..!!

وبنظرة فاحصة ورؤية مجردة نجد أن قيمتي الانتماء المؤسسي والولاء الوطني لدى البعض قد تعرضتا إلى كثير من الضمور والوهن فكراً وممارسة واتجاه.. الأمر الذي أدخل الغالب من المجتمع إلى التحلل لكثير من قيم المواطنة، بسبب منحوا أنفسهم الحق ــ كصفوة الناس ــ في توظيف القوانين والأنظمة لتحقيق المصالح الشخصية وهم أسوأهم، لأن الناس سواسية أمام المصلحة الوطنية،..وكنتيجة حتمية لتلك الممارسات اللا مسؤولة ظهرت قوى الباطل على حساب الحق، وليست الخطورة في ذلك وإنما تكمن الخطورة في إنفراد الباطل بالساحة..

إن ابتلاء المجتمع بعقليات تحمل مثل تلك الثقافة والمعتقدات هو أحد الأسباب الرئيسة عن رسم خريطة ذهنية واضحة المعالم على واقع الناس، تحاور الآخر وتستوعبه وتعترف به وبحقوقه بغض النظر عن جنسه ومنطقته وأصله كما هو، إنسان كرّمه الخالق بغض النظر عن لونه وجنسه.. ألا يكفي هذا التكريم الإلهي أن يستوعب الإنسان أخيه الإنسان ويتواضع له؟.. وهل لدى كل المسؤول والنُّخب المجتمعية رؤىً واضحة بما الذي يحتاجه المجتمع أقلّها حتى الآن لتحقيق هذه المعادلة ويواكب مفردات المرحلة كما يتطلب الأمر؟

من أشد مطالب المرحلة إلحاحاً هو عقلٌ يمتلك فيض لأبدال حلول ممكنة لما بعد المرحلة، وفي البدء يعيد الاعتبار والحياة لعلاقة الإرادة المجتمعية اليمنية ــ مثلاً ــ وطمس علاقة الفرض وإلغائها، لأن العلاقة الأولى: هي نتيجة حوار مثمر ثماره التفاهم والحجة أساسه تعامل عقل لعقل، وهي بالتالي فعلٌ إرادي يحقق التسامح والمحبة والاحترام والثقة بين الناس، وهو أساس بناء أي مجتمع وتقدمه. أما العلاقة الثانية: فهي حال تنكُّر لحق الآخر وتجاهلاً لتمايزاته ولخصائصه، وتتجاوز الحوار كوسيلة لفهم الآخر وللتفاهم معه. وهي بالتالي تكون حال مفروضة بقوة العضلات لا العقل. وكل ما هو مفروض مرفوض من حيث المبدأ، ومن حيث الأساس أيضاً، ولذلك فإنها لا تحقق سوى الحقد والبغض والكراهية والغُبن وتأصيل انعدام الثقة بين الجميع، وهو أساس لفرقة المجتمع وهدمه..

فمتى يا ترى سيصحو الجميع من غفوتهم في قهر المعتقد الفاسد وإعادة كرامة الفرد في الهوية الوطنية بين فئات مجتمعه؟ ومتى سيكون العمل لصالح الوطن لا للصالح الشخصي أو الفئة؟ وما هي المعرفة التي سيولدها المثقف والأكاديمي..الخ. وقوى الباطل فرضت إدمان الامتهان عليه نهجاً، حتى أصبح تلبس الخوف والجوع للفرد سمة للغالب منهم فيغدو من بيته خماصا علّه يعود بطاناً، ولكنه يغدو خماصاً ويروح خماصاً ثم يحمد الله أنه عاد سليماً لم يهتك ولم يسرق ولم يُقتل..! وكان الأمل معقودٌ على حكومة الوفاق للتخفيف من شظف حياة المواطن بحسب فهمهم، أنكم توافقتم لاستئصال الفساد لا للتوافق على تعميق الفساد وتعميق عناء الناس في الجوع والخوف..! بالله عليكم أي أحقية من الحياة هذه التي يعيشها الإنسان اليمني يا حكومة الوفاق؟!!!