الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٠ مساءً

مهزلة (المدارس الأهلية)

نشوان صادق حسن
الخميس ، ١٤ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
بالأمس أبلغني زميل يعمل في مدرسة الجيل الصاعد الأهلية الكائنة في دائري كلابة – تعز – بأن المدرسة تحتاج إلى مدرسة لغة إنجليزية ، وكنت قد أخبرته مسبقا بأن لي أختاً تخرجت هذا العام من كلية الآداب - لغة إنجليزية ، وتبحث عن وظيفة .
اتصلت فورا بأختي وطلبت منها الذهاب بسيرتها الذاتية إلى تلك المدرسة ،وفي الظهيرة عدت من عملي إلى المنزل متحمسا لأخرج بوعد إعطائي (الحلاوة) بمناسبة الوظيفة الجديدة..

- ها .. كيف كانت المقابلة ( بتحمس ) ؟
- سيئة للغاية .
"سيئة للغاية" فقط .. هذا الحلوان الذي حصلت عليه .. ساد الصمت برهة ثم عدت لأسألها عن تفاصيل ما حدث ، فسردت عليّ الحديث الذي دار بينها وبين إدارة المدرسة ولكي أكون منصفا ، سأسرده عليكم بدون إخراجه بلاغيا لتروه كما حدث لا كما أريده أن يظهر
- هل درّست من قبل ؟
- نعم
- لا أعرف كيف ستدرسين الطلاب (بتعجب) ؟!
- ماذا تقصدين ؟
- أقصد أنك دخلت إلينا مبتسمة وهذا لا ينفع مع الطلاب .. لا بد أن تحزمي أمورك .
حدثت نفسي : مالذي يحدث ؟! ربما ذهبت أختي إلى معسكر لشغر وظيفة ضابط استخبارات ؟! .. ثم ماذا حدث ؟
- هذا المنهج .. يمكنك أن تباشري التدريس من اليوم .. هل لك أي سؤال ؟
- ماذا عن الراتب ، والصف الذي سأقوم بتدريسه ؟
- ستدرسين الصف الرابع ، أما بالنسبة للراتب فستعملين أسبوعا تحت التجربة ثم شهراً بدون راتب .
لم أستوعب ذلك .. سألتها أن تعيد ذلك مرة أخرى عليّ .. وفعلا أعادته بنفس الكلمات كما سمعته بالضبط .. أجزم بأن الضغط ارتفع عندي في تلك اللحظة وانتابني شعور بالإشمئزاز ممزوجا بغضبة عارمة على ذلك المعسكر (الذي يُسمى بهتانا مدرسة) .. شهراً كاملاً بدون راتب !.. هذا لا يُعقل البتة .. وماذا بعد ذلك : شهراً آخر براتب وانتهى العام الدراسي وربما استدعوا مدرّسة أخرى بداية العام القادم ليوفروا راتب شهر آخر من ظهر شاب أو شابة تبحث عن عمل .. لكن ماذا عن الراتب .. كم هو الراتب الذي ستتقاضاه من مدرسة البؤس هذه ؟
أجابت وقد ارتسمت ضحكة ساخرة عليها : 13.000 .

سأكتبها تنفيطا فقد يساوركم الظن بأني أخطأت في كتابة الرقم .. كان الراتب الذي ستتقاضاه أستاذة لغة الإنجليزي بعد عمل شهر كامل بدون راتب هو ثلاثة عشر ألف ريال يمني فقط لا غير .. وهنا أود تركيزكم على العملة (يمني) ، والعبارة ( فقط لا غير ) وأرجوا ألا تسألوني عن بدل المواصلات وووو .. فكل هذا لا يوجد في نظام الرواتب لدى هذه المحل التجاري ، الذي اغتصب اسم ( مدرسة ) .

أهذا معقول .. إن مجرد أن يكون هذا كابوسا سيهدّ كل أحلامي المتفائلة في وطن الغد ، فماذا سيفعل بي إن كان حقيقة .. لكن .. ألا يوجد نظام للأجور ؟! .. دعنا من النظام فهو غير موجود أصلا في كافة مؤسساتنا الرشيدة .. لكن إن غاب النظام ، ألا يوجد ضمير وحياء ليصل الاستغلال إلى هذا الحد ؟! .. كيف يجرؤ أحدهم أن يتعامل بهذا السلوك الحيواني البحت .. أي تعاليم يستقي منها أناس كهؤلاء أخلاقهم ومبادئهم .. ثم ماذا تعتقدون أن مثل هذه المدرسة وغيرها الكثير سيقدمون لأبناءنا الطلاب : أي مبادئ ستغرس في نفوسهم ، وأي عطاء سيجلبه لأبناءنا صاحب / صاحبة التعاسة (الأستاذ الذي يعمل في هذه المحلات التجارية) والذي يبلغ راتبه : ثلاثة عشر ألف ريال يمني في الشهر .

نصيحة : قبل أن تذهب بولدك إلى مدرسة أهليه ، أسأل كم راتب الأستاذ الذي يفترض أن يربي ولدك لا يعلمه فقط ، لماذا ؟ .. لأن النظام الذي يمتهن حق الأستاذ هو حقيقةً يمتهن حق الطالب إلا من شكليات لا تسمن ولا تغني من جوع يريد من خلالها إقناعك بأنه يؤدي دوره على أكمل وجه .. وفي حقيقته مهزلة رُفع على واجهتها : (مدرسة أهلية)