الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥٧ مساءً

الهجوم المتنامي على المبعوث الأممي

د . محمد نائف
الاثنين ، ١٨ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
يلاحظ المتتبع للوسائل الإعلامية وبخاصة المواقع الإخبارية اليمنية على الإنترنت الهجوم الشرس والمتنامي على المبعوث الأممي، جمال بن عمر، فبعض الكتاب يصفونه بالعنجهية والغطرسة والتجاوز لمهامه والقيام بتسيير أمور البلاد والعباد على هواه مخالفاً بذلك جميع الأعراف الديبلوماسية والشروط التي تَحكم المهمة الأممية الموكلة إليه في اليمن، وبعض المسؤولين الكبار في اليمن أخذوا يبحثون للمبعوث الأممي عن عمل في مناطق أخرى ملتهبة في الوطن العربي خوفاً عليه إما من أن يعاني من البطالة بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في اليمن أو لغرض في نفس يعقوب لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم !

عجباً لنا نحن أهل اليمن وفقهاءها وحكماءها ومفكريها وصحفييها وعباقرة السياسة فيها لا نستطيع، على مر العصور، حل مشاكلنا فيما بيننا مهما كانت تافهة ونفتعل ونشعل حروباً لا تبقي ولا تذر على غرار داحس والغبراء، وما يحدث في دماج خير مثال على الحروب العبثية التي لا تستطيع لا اللجان الرئاسية ولا الشعبية ولا وجهاء اليمن إيقافها وإخمادها، وحين تصل الأمور إلى عنق الزجاجة نستجدي الشرق والغرب ليَهُبوا لنجدتنا والقيام بما لم نستطع القيام به بأنفسنا ونسلم رقابنا وبلدنا لهم بسذاجة وعن طيب خاطر! ومن ثم، حين لا تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، نبدأ بالتذمر والعويل والتخويف والتهويل من عظائم الأمور!

من يخاف على سيادة الوطن واستقلاله ويهمه فعلاً أن يكون حاضر ومستقبل اليمن بعيدان كل البعد عن الإملاءات والتدخلات الخارجية ويَنبعان من رغبات واحتياجات وتطلعات اليمنيين واليمنيات في كل شبر على أرض اليمن، ينبغي عليه أن يستشعر عِظم هذه المسؤولية ويعمل كل ما في وسعه حتى تحل الخلافات السياسية داخل البيت اليمني. أما أن يقوم كل طرف من أطراف الصراعات الدائرة في اليمن بزيارات مكوكية إقليمية ودولية ويصدر مناشدات ملحة لاستجداء الدعم والتدخل الخارجي وكيل المديح لتلك الأطراف لاستعطافها وبيان وتزيين مدى حبها لليمن واليمنيين وحرصها على أمننا واستقرارنا ومصلحتنا، فلن يحقق لنا أي سيادة أو استقلال على تراب وطننا وستظل اليمن ونظامها وقرارات حكوماتها مرهونة بالأطراف الخارجية التي تأتي بها أطراف الصراع الدائم في اليمن لتستقوي بها على بعضها البعض وتكتشف فجأة أنها جميعاً قد خسرت ولم يستفد من هذا التدخل إلا تلك الأطراف الخارجية في إبقاء اليمن كما هو عليه مناطق وبؤر صراع متناثرة وتفكك وتناحر حتى يسهل السيطرة عليه وإبقائه محلك سر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

بالعودة إلى الحملة الإعلامية المسعورة ضد السيد جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، فالرجل أتى إلى اليمن للقيام بمهمة أممية وبمباركة رعاة المبادرة الخليجية وفوق كل هذا وذاك بمباركة يمنية من كافة الأطراف اليمنية المعنية والمتصارعة على السلطة التي وقعت على المبادرة الخليجية في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية. وقد تَغنى الكثير من اليمنيين بالرجل واقترح البعض - بخُبث أو بحُسن نية أو بسذاجة أو من قبيل التندر- ترشيحه رئيساً أو رئيس وزراء للبلاد نتيجة لأنه استطاع حل الكثير من المعضلات المستعصية عن الحل بعد أن عجز اليمنييون بكافة أطيافهم والحكومة والقيادة السياسية في ذلك.

إذاّ، يحاول المبعوث الأممي، جمال بن عمر، جاهداً القيام بمهمته التي انتدبته من أجلها الأمم المتحدة لتنفيذ المبادرة الخليجية وبمباركة كافة الأطراف المعنية في اليمن ورعاة المبادرة الإقليميين والدوليين. فما يهمه في هذا الأمر هو النجاح في مهمته في اليمن التي حتماً ستضيف نجاحاً إلى نجاحاته الديبلوماسية السابقة، وربما تحقق له ترقية ما في مجال عمله في المنظمة الدولية ويُستفاد من خبراته هذه في مناطق أخرى من العالم إن تطلب الأمر ذلك. من هذا المنطلق يقوم الرجل بكل ما في وسعه لتحقيق نجاح في مهمته بكل الوسائل الممكنة، وإن كانت قد حدثت أي تجاوزات للمهمة الموكلة إليه، فلا أعتقد شخصياً أنه يلام على ذلك. قد يتساءل البعض منكم ويقول كيف لا يلام السيد بن عمر على هذه التجاوزات وهو نفسه من يقوم بها؟ الجواب ببساطة يا سادة يا كرام هو:

1. نَقَل المتحاورون مشاكل وصراعات من يفترض أنهم يمثلونهم في اليمن بأكمله من أحزاب وجماعات وفرق متناحرة وطامعة وطامحة إلى مقر الحوار الوطني، وما يحدث من وقت لآخر من مسلسلات التلاسن، والاحتجاجات، والعراك، والإنسحاب والعودة، والعودة والإنسحاب، والحنق والتجاوزات من قبل بعض المشاركين ما هي إلا أمثلة على حجم المعناة التي يتحملها هذا الديبلوماسي الذي ابتليَ بنا من حيث لا يدري. لذا، يضطر مكرهاً للتدخل في كل صغيرة وكبيرة لتوجيه دفة هذا الحوار إلى الإتجاه الصحيح وحل المعضلات التي نخلقها له نحن اليمنييون في كل وقت وحين. بربكم من المسؤول عن أي تجاوزات إن كانت هناك تجاوزات، نحن، أم المغلوب على أمره السيد ابن عمر؟

2. لا تساعد لا القيادة السياسية ولا الحكومة السيد بن عمر على التركيز على القيام بمهمة تيسير نجاح عملية الحوار الوطني وتنفيذ مراحل المبادرة الخليجية، فيجد السيد بن عمر نفسه مضطراً للتدخل في أمور ينبغي أن تقوم بها الحكومة أو القيادة السياسية، ولا نبالغ إن قلنا أنه أحياناً قد يتدخل مكرهاً في إقالة مدير قسم شرطة وتعيين آخر!! بربكم من المسؤول عن أي تجاوزات إن كانت قد حدثت تجاوزات، الدولة والحكومة، أم ابن عمر صاحب عصا وجزرة الأمم المتحدة اللتين لا يستخدمهما إلا حين تصل الأمور إلى عنق الزجاجة ونطاق مسدود؟

أعتقد أن الأمر واضح وجلي لكل ذي بصر وبصيرة ولا يحتاج إلى توضيح أكثر، ولكن لا ضير في أن نعطي ولو تفسير بسيط ومتواضع لهذه الحملة الإعلامية المسعورة على السيد جمال بن عمر في هذا الوقت بالذات. كلنا يعرف أن مؤتمر الحوار الوطني شارف على الانتهاء - بغض النظر عن مخرجاته التي قد يتفق معها البعض ويختلف معها البعض الآخر- ولا يخفى على الكثير من الناس أن بعض الأطراف المختلفة في الداخل والخارج كانت تراهن على تعثرالحوار بعد انتهاء مفعوله المخدر في مراحله المبكرة ولكنه نهض وتعثر، وتعثر ونهض، وتعثر ونهض مرة أخرى حتى وصل إلى هذه المرحلة على غير المتوقع، فجُن جنون تلك الأطراف المختلفة الداخلية والخارجية، كما أسلفت، التي لا يسرها ما آلت إليه الأمور، فأوعزت إلى أبواقها الإعلامية للقيام بحملة منظمة لتشويه صورة مهندس الحوار الوطني الشامل، السيد جمال بن عمر، ومنفذ مراحل المبادرة الخليجية التي تهدف إلى نقل السلطة سلمياً في اليمن وإن كانت ما تزال تسير بخطى متثاقلة نوعاً ما. إذاً، الهدف من هذه الحملة الإعلامية المسعورة ليس تشويه صورة شخص السيد جمال بن عمر فحسب، وإنما استهداف التسوية السياسية برمتها وما سينتج عنها من قرارات وتبعات تتمثل في قرارات أممية ستكشف بوضوح النوايا الحقيقية والخفية لكل الأطراف المشاركة والراعية لهذه التسوية السياسية في اليمن التي لا زال الكثير من المراقبين السياسيين يشيد بنجاحها حتى الآن في خلق تسوية سياسية مقبولة في إحدى دول الربيع العربي التي انتهج البعض منها سبل أخرى أكثر كلفة.

في ضوء ذلك، ينبغي علينا كيمنيين، قيادة وساسة وأحزاب ومواطنين ومواطنات، أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه وطننا وأمتنا بأمانة وإخلاص وأن لا ننتظر الحلول من الشرق والغرب لأزماتنا المتلاحقة والمستمرة منذ قيام ثورة سبتمبر وأكتوبر وحتى الآن. فإن أخلصنا النية وتخلصنا من التبعية الدائمة، سنجد الحلول لكل أزماتنا لأننا لسنا أقل ممن هم حولنا في دول الجوار من أي ناحية. إذا فعلنا ذلك، لن نحتاج إلى أن نبحث عن شماعة نعلق عليها إخفاقاتنا مثل السيد بن عمر، الذي ربما لو عاد به الزمن إلى الوراء لما وافق على القيام بهذه المهمة العويصة التي جعلته في خلال 3 سنوات يبدو أكبر 10 سنوات من عمره الحقيقي!

سامحنا يا سيد بن عمر. كبرناك نحن اليمنييون بقصد أو بدون نقصد، وإنَّا لمذكراتك المثيرة حول عملك في اليمن في هذا الظرف العصيب لمنتظرون مشتاقون، فلا تبخل بها علينا وتجعلنا ننتظر طويلاً ما جرى ويجري في الكواليس من عبث منظم وممنهج لمقدرات هذا الشعب والبلد العظيم في كل شي، وشكراً لك سلفاً على كل الجهود.