الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٢ مساءً

الحقوف والحريات بين عدل الإسلام وجور الحكام

إبراهيم القيسي
الثلاثاء ، ١٩ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
الإسلام أعطى الحقوق والحريات وهيأ مناخها الممطر وغرس روضها المزهر وحرر فضاءها الواسع فجعل الأمة كلها على اختلاف أجناسها أسرابا مغردة تطير في فضاء الحرية وتغرد في رياضها النضرة كل فرد يحصل على حقه الشخصي بقوة النص الشرعي ويعيش حياته متمتعا بعدالة الحق التي مكنته من ناصية الحقوق والحريات فيقطف الثمرة اليانعة ويستمتع بطراوة نضجها ويتفيء ظلالها ويشرب من جداولها ويطمئن بقرب مأخذها فيعيش راضي القلب مطمئن البال تنعكس عليه أضواء الغبطة والسرور فيزهو بثراء الحق ويسعد بترف الحياة فيتقلب بين نعيم الفكر الرحب وحرية الرأي المطلق فيقبض حقوقه المبذولة من بستان العدالة فيمضي في ثقة الباحث يعصر من فكره صناعة الحياة ويبني من حريته حضارة الوجود فيعمل على محورين يلتقيان عند فرعي الارتقاء والتغيير فيندفع وكله ثقة لازدهار التنمية بما يحمل من روح الولاء والإخلاص .

لقد نعم العالم بمبادئ الإسلام وانعكست تعاليمه إيجابا على العالم الغربي فألقى بأشعته على ظلامية الغرب فسرى التثاقف والتلاقح يعطي من التصادم الحضاري شرارة اليقظة فمضى الغرب يرتشف من جداول الثقافة الإسلامية المتدفقة فمضى الدارسون في الجامعات الإسلامية في الاندلس والمثاقفة الناشئة من دراسات الاستشراق الإستراتيجية فولد ذلك التلاقح الثقافي الوعي في العقل الغربي اللاشعوري فاستضاءت العقول الغربية بتعاليم الإسلام بحكم التأثير التاريخي فقدح شرارة المعرفة وقاد الغرب إلى التطبيق التجريبي المتكئ على البحث والملاحظة فكانت بصمات الثقافة الإسلامية واضحة في تكوين الحضارة الغربية وفي تجلياتها التطبيقية في واقع الحياة المختلفة فتجلت تلك البصمات في الثورة السياسية على الكنيسة والتقدم الحضاري والازدهار الصناعي وترجمت مبادئه في النظريات السياسية ومنظمات حقوق الإنسان وصياغة الدساتير والقوانين المتعلقة بتنظيم حياة الإنسانية وصنعت العقول الجبارة التي انطلقت بعيدا عن تحجر الكنيسة وخزعبلات الدين المسيحي .

لقد ابتلينا بحكام شربوا كؤوس الدكتاتورية إلى الثمالة واجتثوا دوحة الحقوق من جذورها واغتصبوا سماء الحريات صنعوا زنازين القهر وحبسوا أنفاس الحريات انحطوا إلى دركات السفه وأحرقوا بساتين العدالة أشعلوا نار الأنانية وافترشوا رمضاء الطمع تضخمت البطون وبرزت مظاهر الترف وتجلت الطبقية بين أفراد المجتمع واندفع الإقطاعيون يسلبون الثروات ويبنون العمارات ويتفاخرون بشراء أضخم السيارات ويستقدمون آخر الموديلات ويتعالجون في أرقى المستشفيات ويظهرون بكتائب الحراسة ويستعرضون بمئات المرافقين قد لبسوا دروع الكبرياء مشوا كالطواويس زهوا يشمخون بالأنوف قد استسمجوا النظر إلى الفقراء ورغبوا عن الإحسان إلى الضعفاء لبسوا عباءة الظلم وداسوا فوق رقاب المستضعفين فأحالوا الحياة إلى مستنقع الأطماع وتخلقوا بوحشية الغاب وضربوا بطون الشعوب بالمساغب الدائمة سلخوا الحقوق وذبحوا الحريات واستمرءوا السلب والنهب وفرضوا شريعة الشياطين فأهلكوا الحرث والنسل والله لا يحب الفساد .

لقد تجرد حكام المسلمين من كل القيم الفاضلة وتخلوا عن شريعة الإسلام واندفعوا يلبسون الحق بالباطل والخير بالشر واختاروا لأنفسهم الغنى والثروة وسحقوا الشعوب برحى الفقر والجهل والمرض فظهرت التشوهات الخلقية في جسد المجتمعات وتحولت الصور المرئية إلى مسخ قاتل بفعل الجينات المشوهة التي زرعت في خلايا هذا الكائن المسحوق فارتمى إلى وحل الابتزاز والعبودية يلهث وراء سراب الحكام فينتقل من طور إلى طور وفي كل مرة تجرى عليه تحولات وراثية تخرجه عن آدميته ليكون صالحا للسخرية والتسخير ليظل يركض في طريق العبث السياسي لحكام الشؤم والبهتان ناعقا بأصواته الغوغائية مع التصفيق والتغريد بحياة القتلة وسراق الثروات ونتيجة لذاك العقار المسكر والذي يحقن به الضعفاء حتى يعيشوا في حركة اللاوعي فيدورونا مع الحكام في فلك التبعية والإذلال بعيدا عن الصحو المدرك وتلك جريمة نكراء لا أخلاقية استوردت لتخدير الشعوب حتى لا تفيق لتعلن الثورة على دهاقنة الدكتاتورية ومصادري الحقوق والحريات .

وحينما نتلمس واقع الإسلام في تطبيقات الحكام المسلمين لم نجد سوى تسميات جوفاء بعيدة عن روح العقيدة والتشريع ونتيجة هذا الانحراف الفكري لدى الحكام أسقط الكثير من الجهلاء والحاقدين ذلك التخلف والدكتاتورية على الإسلام ظلما وزورا ومضى هؤلاء يبحثون عن الحقوق والحريات في أورقة مجلس الأمن الدولي ودهاليز الكونجرس الأمريكي ويتكففون دهاقنة الاستعمار الأوربي قد أدهشهم سراب الحضارة الغربية وأعماهم سطوع نجومها المزيفة فيرون الخلاص في السجود لنصب الحرية الأمريكي والركوع لبرج باريس الأسطوري ويقتفون أثر "برتراند رسل" ذلك المتمرد على الدين والمبادئ والقيم الفاضلة فاللوثة الفكرية التي أصابت العقل العربي جعلته يتخبط في بحار الضلال متذبذبا بين اشتراكية الشرق ورأسمالية الغرب وبدا أشد إعجابا بالحضارة الغربية وبعهرها المتفجر فوق القيم والأخلاق أصبح شديد الإعجاب بمواخير هوليود وبقوانين الإباحية التي ترعى حقوق الشواذ وترسم خطى الحرية الجنسية وتطالب بتطبيق الجنس الاجتماعي" الجندر " وبالمثلية الجنسية وبحرية ممارسة الجنس خارج إطار الزواج وهذه العدوى الخطيرة تسربت إلى المجتمعات الإسلامية عند فقدان العقيدة الإسلامية وتطبيقاتها في واقع الحياة المعاش .

إن المطالبة بالحقوق والحريات مبدأ إسلامي له حدوده المعروفة يتكئ على أسس متوازنة تقوم على قسطاس العدالة وتوزن على القاعدة الفقهية " لا ضرر ولا ضرار " فالإسلام يسعى لإعطاء الحقوق والحريات للأفراد والجماعات ويضع الحدود والبرازخ بين هذه الاتجاهات فلا يطغى الفرد بأنانيته على الجماعة ولا الجماعة بدكتاتوريتها على الفرد ويضع المتنفس للحريات في نطاق السلوك المتزن عند حدود الحياة فيتولد من تلك الرسوم مبدأ الاعتراف بالقيم الفاضلة التي يتولد منها الوفاء والحب بين الزوجين فتثمر تلك العلاقة الأولاد من خلال الثقة بالزوجة واليقين بالأولاد فيتولد من أجل ذلك التفاني والتضحية بكل ما يملك في سبيل التربية والتنشيء وهذا المبدأ ثمرة من ثمرات الحقوق والحريات في الإسلام القائم على أساس الرحمة والحب والشفقة على الأدنين من الأقرباء كالأب والأم والزوجة والأولاد والأخ والأخت والعم والعمة ... إلى آخر تلك الثنائية المتناغمة والتي أوجب الله فيها كفالة ذوي الأرحام بحسب درجة القرب وهذا الذي لا نجده عند الحضارة الغربية التي أصبحت مشاعرها متحجرة كالآلة التي تديرها فلا رحمة ولا حب ولا علاقة ثنائية حميمة بين ذوي القربى إلا على مبدأ العمل والتعويض المباشر كجنس تطبيقي للآلة العاملة وفي حال العجز يذهب بالأب أو الأم إلى دار العجزة فيحبسان هناك إلى وقت الوفاة .