الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٧ مساءً

خواطر مسافر على شاطئ البحر

إبراهيم القيسي
السبت ، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
قمت برحلة قبل أيام قلائل على متن دراجة نارية إلى شاطئ البحر الأحمر ابتدأت الرحلة من محطة التوليد الكهربائي برأس كثيب وانتهت إلى ميناء الصليف... والذي شد انتباهي في هذه الرحلة تلك اللوحة الطبيعية المرسومة والمكونة من عدة عناصر طبيعية... ساحل البحر الأحمر وسهل صحراء تهامة وكثبان الساحل الهائلة والخط الإسفلتي الذي يفصل بين الصحراء والبحر وقبة السماء التي تضفي مشهدا طبيعيا يستحق الوقوف والتمعن فقد شد انتباهي تلك اللوحة الطبيعية التي ينتظمها ذلك الخط الإسفلتي الفاصل بين حدود سهل تهامة والبحر الأحمر وكأن هذا الخط يقف حاجزا بين ماء البحر واليابسة وسورا يقف بشموخ للتصدي لأي طغيان من البحر على اليابسة وفي أثناء سيري كنت أجد روحانية غمرتني بالغبطة والانتشاء وهي أنسام لطيفة تسربت إلى نفسي من انعكاسات الإعجاب والدهشة المتولدة من زرقة السماء واضطراب البحر وهيجان الأمواج وصمت الصحراء المهيب .

فقد شدهتني تلك الألوان المتضادة ما بين خضرة البحر وكدرة الصحراء وزرقة السماء وسطوع الشمس وفضية الأمواج وتضاد ألوان الكثبان إضافة إلى سواد الخط الإسفلتي الذي يشق صمت الصحراء كثعبان أسود ويكون حزاما فاصلا بين البر والبحر فحينا يتوازى مع البحر وحينا يصده البحر جهة الشمال وحينا يهرب إلى جهة الشرق ثم حينا يشق البحر منصبا إلى اتجاه الغرب يتملص منفلتا من عند قواعد كثبان كبيرة ينسل من حولها متعرجا تاركا تلك الكثبان تتوارى راجعة للوراء تعكس أحجامها ألوانا فارقة مابين الرمادي الداكن والأصفر المائل إلى الغبرة والأسود الفاتح تحكي لون تلك الصحراء الجاثمة على سهل تهامة وهي صحراء تتجلى بوقار الشيخ المجرب الذي حنكته التجارب وصقلته محن الزمان تتلون بألوان مختلفة تلد تلك الكثبان الهائلة فتارة تبيض وتارة تصفر وتارة تنقلب إلى كدرة داكنة حتى أحسب أنها مظللة بالغمام وما هي إلا ألوان التربة المتأثرة بالملوحة ورطوبة البحر المزمنة .

وبينما كنت أوزع نظري شرقا وغربا وأنا على الدراجة كنت أحس بروعة المشهد المتألق من هيجان البحر غير المحدود في مده وجزره و الأمواج الصاخبة على رقعة واسعة من الأرض تصل إلى آلاف الكيلو مترات ويقع في أخدود جيولوجي كبير يمتد عبر دول وأقاليم متعددة ثم أدهشني بقوته وجبروته وكيف يتحرك بقوة هائلة أحيانا خفيفة المد وأحيانا تزداد قوة تبعث الهيبة والرهبة وكنت أتصور طغيانه الجبار وكيف بإمكانه غرق سهل تهامة بالكامل في ثوان قليلة فذهبت بتفكيري إلى التسونامي الذي حدث في أند ونسيا في خلال ثانية واحدة ارتفع الموج إلى ثلاثين مترا في السماء وزادت سرعته بصورة فائقة فغطى المدينة بعماراتها الكبيرة في مدة طغيان واحدة عند جزرها سحبت مايقارب ثلاثمائة ألف من البشر صاروا جميعا ضحية هذ ه المدة الواحدة.

وبنما كانت تنتابي تلك المشاعر وتدور أفكاري بتمعن في ذلك الحدث الجلل كنت أحس متصورا قوة هذا المارد الجبار وأفكر في هجومه المستمر في مده وجزره وكره وفره وقلت باستطاعة هذا الجبار بمدة واحدة غرق صحراء تهامة بأكملها وتصورت نفسي وأنا أصارع الأمواج الطاغية وقد انكتمت أنفاسي وصرت ضحية هذا الأجاج الملح تتدافعني أمواجه الطاغية ويعلوني ثبجه العظيم مثل آلاف الضحايا الذين سيكونون نهبا لمده القاضي وعنفوانه الكبير غير أني شاهدت أمرا غريبا يبدو للعيان جليا ويتكرر مع كل مد وجزر لحظت البحر يعد للهجوم الغاشم في اندفاع كلي تتصور فيه إغراقه للصحراء في ثانية واحدة لكن حالما يقترب موجه من الشاطئ عند المد ألحظ أن هناك قوة جبارة مطلقة ليس لها حدود تمسك بهذا البحر وتعيده إلى مكانه فيعود صاغرا ذليلا تتراجف أمواجه خوفا وهلعا من تلك القوة العاتية التي تقف أمام الطاغي فتردعه وتذله فيرعوي عن طغيانه ولحظت استمرار هذا الأمر مع الثواني والدقائق والساعات ويمتد مع الدهور والحقب إلى أن يأذن الله بما يريد فلا البحر يمل من محاولة الطغيان ولا القوة الإلهية تتركه وهكذا دواليك .

كانت الخواطر تنساب على ذاكرتي كانسياب الشلال المتدفق من منحدر حاد تحمل معها علامات الدهشة والإعجاب وأحيانا تفيض بروحانية خضلة فتولد إحساسا يملأ روحي بطمأنينة وسكينة فأحس بقشعريرة تتملك جسدي يفيض لها وجداني بعبرات باردة تتدفق من عيني بالدموع الحارة التي أحس بها وقد اتخذت مجرى على خدي يمينا وشمالا وما تلك الدموع الفياضة إلا انعكاس الإعجاب بالقدرة الإلهية التي تقف من وراء هذا المشهد الكوني البديع... ثم رجعت بذاكرتي متفكرا إلى تلك الحركة الموجية في مدها وجزرها وكم هي ملايين السنين التي مرت على هذا المشهد المتكرر بين هيجان البحر وصمت الصحراء وكم هي الأمم التي خاضت السير في بر هذه الصحراء وفوق ثبج هذا الملح الأجاج إنها حقب متطاولة تعاقبت عبر القرون مع تعاقب الليل والنهار مع حدث الحركة الفلكية للشمس والقمر ثم رجعت إلى يقيني الذي جعل يمدني بالإيمان الجازم بخالق هذا الكون ومليكه وأن كل شيء عنده محصي في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فازداد يقيني بخالقي وشهدت كلمة الحق وعدت من رحلتي وكلي يقين برب العالمين .