السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٠ صباحاً

(نحو) الأمية.. ثورة تصنع العلم وأخرى تمنعها 2-2·

د . محمد حسين النظاري
الثلاثاء ، ١٨ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
من معطيات الثورة الحقيقية التي يتوق إليها الجميع هو ما تنشده للأمة من تغيير في مختلف المفاهيم، ولعل أهمها على الإطلاق اجتثاث الجهل واستبداله بالعلم في شتى نواحيه الدينية والدنيوية لبلوغ الهدف المنشود والمتمثل في الارتقاء بالعقول من حفر الجهل إلى قمم العلم الشامخة.

إن مفاهيم العلم، ومبادئ التعلم كانت هي المرتكز الأساسي لقيام ثورتي 26 من سبتمبر و14 من أكتوبر المجيدتين، واللتان ولدتا من براثن التخلف الذي كان يفرضه الأئمة في شمال الوطن والاحتلال البريطاني في جنوبه، ولهذا فأن أول ما ذهب إليه الثوار الأحرار في تلك الفترة، تلمس درب النهوض بشباب الوطن وجعلوا من إقامة وتشييد المدارس بوابة رئيسية لبلوغ هذا الهدف السامي، وشتان ما بين بداية الثورتين قبل 49 عاماً والآن فلا توجد مقارنة سواءً في نسبة التَّمدرس خصوصاً للفتيات، أو بالنسبة لبناء المدارس، ولا ينكر ذلك إلا جاهل بتاريخ بلاده، أو مكابر عن الاعتراف بهذه الحقيقة.

لم يكن للتعليم الجامعي بمعناه الحديث أي وجود لا سيما في شمال الوطن أما في جنوبه فقد كان المتنفس الوحيد عبر كلية عدن، وشمّر الثوار عن سواعدهم لإدخال شباب اليمن عالم التعليم الجامعي، وكان لهم ما أرادوا لأنهم ما قاموا بالثورة من اجل التربح أو الاكتساب الغير مشروع، أو من خلال المتاجرة بدماء الضعفاء والحالمين بالتغيير الذي ننتظره جميعاً، إنه ذلك التغيير الذي يبني على ما سبق من مكتسبات، لا ذلك الذي يهدم كل ما دفع الشعب من دمه وماله وقوته ليراه مشيّداً لخدمة المواطنين.

ونحن نحتفل بالعيد ال48 لثورة ال14 من أكتوبر المجيدة، ننظر للماضي بعين الحسرة بدل أن ننتظر القادم بعين الأمل، هم صنعوا ذلك فينا لان الماثل أمامنا طيلة 9 أشهر لا يبشر أبداً بأي خير لاسيما في قطاع التعليم، فالأمية التي جاهد اليمنيون من أجل محوها، وقطعوا في ذلك شوطاً كبيراً.

فمن كان يتخيل أن تقام المدارس في أدانى السهول أو أعالي الجبال أو أقاصي الجزر، حتى تحقق ذلك وزاد عليه ما كان خيالياً في يوم من الأيام، فالكلية لم تعد حكراً على عواصم المدن، بل وليست وقفاً على المدن الثانوية، لقد وصلت إلى ما بعد البحار لتسكن الجزر البعيدة، إن تلك هي الثورة الحقيقية، التي تفتح آفاق العلم.

وعلى النقيض تماماً ما نشاهده من قادة ما تسمى بـ(بثورة الربيع العربي)، فلم يدعوا مدرسة إلا أغلقوها، ولا تلميذاً إلا وحرموه من التعليم، حتى أولئك الذين يلتحقون لأول مرة بالمدرسة،وللغرابة أن يرفع (الثوار) شعار الجهل الكبير (لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس)-ذلك في مدارسنا وجامعتنا فقط- أما جامعاتهم الربحية ومدارسهم التجارية منتظمة في تعليمها! إنهم لم يستطيعوا إن يسقطوا (الرئيس) ولكنهم وبكل تأكيد اسقطوا وببراعة قاموس (الدراسة والتدريس)، ويكفي آن نعرف أن منظمة عالمية قدرت حرمان 70 في المائة من طلاب اليمن من التعليم في العام المنصرم، ولهذا فيعذرنا الإخوة الصادقون في التغيير إن قلنا أن هذا تغيير يقود إلى الجهل بناء على ما يتم تقديمه على ارض الواقع.

جامعة صنعاء هذا الصرح العلمي الذي تخرج منه كبار من يتقدمون(التغيير) وفي مقدمتهم الأخت توكل كرمان والتي أنهت تعليمها الجامعي ونالت الدبلوم وتحضر الماجستير في هذه الجامعة الكبيرة، ثم تأتي وتقول لا يوجد علم، فإذا كنت وأنت لست ببنت العاصمة وحظيت بالتعليم الجامعي في العاصمة، فهذا قمة ما ينشده العالم وهو التغيير الحقيقي مقارنة بما سبق، أما الآن فما حظيت عليه الأخت توكل من تعليم جامعي تحرم منه كل زهرة في المدارس وكل فتاة في الجامعة، فشتان ما بين التغيير الذي قضى على جهل الماضي، وما بين التغيير الذي سيقضي على علم الحاضر.

سيشهد التاريخ وسيسجل أن طلاب اكبر جامعة يمنية وعددهم يناهز 100 ألف طالب وطالبة لم يتمكنوا من إكمال سنتهم الجامعية (2010-2011م) ، كما لم يستطيعوا بدء عامهم الجديد(2011-2012م) في قاعاتهم واستبدالها بخيام، طبعاً ليست كالخيام التي تنادي بإقفال الجامعة وكل صرح علمي.كنا نسمع عن تهجير السكان من منازلهم، أمام اليوم فنرى ونشاهد عن تهجير العلم من منابعه، وللقضاء على ذلك التهجير القسري فليس عيباً أن يدرس طلاب جامعة صنعاء في الخيام، ولكن العيب كل العيب أن تمنع ما تسمى بـ(خيام التغيير) العلم في جامعتهم، وتجبرهم على خيام متنقلة لإكمال عام مضى وبدء عام جديد، ويسمحون للأحذية أن تحل بديلاً عن الكتب فوق مناضد العلم.

قد تغلقون جامعة وتقفلون مدرسة، لكنكم لن تستطيعوا أن تغلقوا الأعين عن مشاهدة هذه المآسي، ولن توصدوا منافذ السمع عن فضائح تمت باسم التغيير الذي حاد عن طريقه، وكان الكل سيقف بجانبه لو قدم نفسه بغير هذا الوجه المشين، والأكيد أنكم لن تقدروا أن تمنعوا كتب التاريخ من أن تسجل أن هناك في اليمن من يكسر القلم الرصاص، ليبقى فقط على الرصاص الذي يخترق صدور الأبرياء من الشباب.

نتمنى أن تكلل الجهود المبذولة لانطلاق الدراسة بجامعة صنعاء في مقارها الجديدة اليوم الأحد 16 أكتوبر 2011، وألا تمتد لها أيادي العابثين والرافضين للعلم، وخطوة كهذه تعتبر حلاً فاضحاً لمن تسبب في إغلاق جامعة صنعاء، ولكي يعلم شباب مصر وتونس ما هو الفرق بينهم وبين شبابنا، كيف أنهم رافضون للجهل مسلحون بالعلم ، ونحن متمترسون خلف الخنادق وفاتحون صدورنا العارية للرصاص إلي يخترقهم من اجل أن يعبر العابرون نحو كرسي السلطة.

فل تهنئوا يا من صنعتم ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ولتقر أعينكم لأنكم أسلمتم أرواحكم الطاهرة إلى بارئكم، قبل أن تشاهدوا منابر العلم التي جاهدتم من اجل تشييدها وقدمتم أرواحكم الغالية رخيصة، مقابل أن يتعلم أبنائكم وأحفادكم، وهي تتحول إلى ثكنات عسكرية، ولكن لتعلموا أنهم بذلك اثبتوا الفرق الحقيقي بينكم وبينهم بين من قاموا بثورة التعمير، وبين من أسسوا (ثورة التدمير)، ونبارك لليمن أرضاً وشعباً وقيادة بأعياد ثورتنا الخالدة، والمجد للوطن والخلود لشهدائه الأبرار.