الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٢ مساءً

فضيحة العرضي .. التضليل المرضي

جلال الدوسري
الأحد ، ٠٨ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٧:١٠ مساءً
ما حدث صبيحة يوم الخميس 5/12/2013م في عمق مجمع وزارة الدفاع اليمنية بالعرضي وسط العاصمة صنعاء من عملية هجومية إقتحامية نفذتها مجموعة إرهابية بسيارتين الأولى مفخخة تفجرت لحظة دخولها ، والثانية أقلت أفراداً آخرين من المجموعة وأدخلتهم بأسلحتهم المختلفة فور تفجير الأولى ، وإستمرار العملية لأكثر من عشرين ساعة داخل الوزارة وما جاورها ؛ يعتبر فضيحة كبرى بكل المقاييس للدولة بمختلف أجهزتها العسكرية والأمنية والسياسية.. خاصة ونحن نعيش وما تنفك تلك الجهات من التحدث عن الحملة الأمنية المكثفة ، والتشدق على مدار الساعة بما تحققه من نجاحات كبيرة وإنجازات باهرة، أعظمها هو تحقيق الهدوء بإخلاء شوارع العاصمة من الموتورات.

العملية لا بد أنها تمت بموجب خطة بمنتهى القدر من الدقة والإحكام ، ولا شك أنه قد كان هناك تنسيق وتعاون وتهاون بين هذه المجموعة الإرهابية مع أشخاص أخرين في جهات رسمية أمنية وإستخباراتية ، وحتى من داخل مجمع وزارة الدفاع نفسه ، وهو ما يجعلنا نصف ما حدث بأنه فضيحة .. وأي فضيحة أكبر من أن يصل الإرهاب إلى قلب وزارة الدفاع وهي الوزارة السيادية العظمى للدولة؟!!

حدث ما حدث .. ووصلت الرسالة بعنوان بارز وبالخط العريض ، وبمضمون ممهور بالدم أن الإرهاب قادر على الوصول إلى حيث يريد ومتى ما أراد وتحقيق المراد ، وقد وصل إلى وزارة الدفاع ويستطيع الوصول إلى دار وقصور الرئاسة وحتى إلى منزل عبد ربه منصور هادي نفسه.

وبكل صراحة وأسف أجدني أقول غير مستبعد أن هذا العمل الإرهابي الإجرامي لن يكون الأخير ، وكل ما هنالك أن صفحته سوف تطوى كمثل العمليات الأخرى التي حدثت قبل هذا في العديد من المواقع المهمة والحساسة والإستراتيجية ، دون أن يكون هناك إستفادة من دروسها وأخذ العبر منها للتحرز والتحيط على الأقل.

وهي ستستمر ما دام هنالك إعتلالاً سيكوماتيكياً يعتري أجهزة الدولة المختلفة ، من أعلى قمة الهرم إلى أخمص القدم.. وهي الأجهزة التي تظل تستمرء التضليل لوعي الناس وهي تسوق لهم وقائع الأحداث بالطريقة التي تجعل منها تظهر على أنها بغاية العظمة ، وأنها تؤدي واجبها وتقوم بمهامها بمنتهى الكفاءة والقدرة والإقتدار.. وهي التي تفتقد إلى الشجاعة في أدنى حدودها لمواجهة المواقف، وإلى الصدق والصراحة والمكاشفة والإعتراف بالخطأ والتقصير ولو كان غير مقصود.

وحين يكون الإستمرار في تسخير أجهزة الإعلام الرسمية لتضليل الناس بدغدغة مشاعرهم و ( سخسخة) عواطفهم إلى درجة حرف تفكيرهم وتفاعلاتهم في الإتجاه الذي يراد لهم بطرق إستغفالية وإستهماجية ، من خلال التلاعب بالألفاظ والعبارات بالإتجاه غير الأساسي الصحيح ؛ فإن ثمة تظل علة وحالة غير سوية في تلك الأجهزة تجعل منها بحاجة ماسة إلى العلاج ولو كان آخر العلاج الكي.

فكما ضلل النظام السابق الناس وحاول جذب إستعطافهم عبر وسائل الإعلام الرسمية بتصوير العملية الإرهابية التي أخترقت دار الرئاسة وأستهدفت رئيس الدولة وأركان نظامه ، على أنها إعتداء على حرمة بيت من بيوت الله؛ نجد النظام الحالي وهو يستخدم الأسلوب نفسه وعبر الأجهزة نفسها ، وهو يصور العملية التي أخترقت وزارة الدفاع بكل ما هي عليه من تحصين وبكل ما لها من قيمة ، على أنها مجرد عملية إرهابية إجرامية جبانة أستهدفت المشفى والأمنين فيه من العاملين والزوار والمرضى.

وتأتي المبالغة في المديح للقوات التي تعاملت مع المجموعة الإرهابية وتصوبر ذلك بالبطولة ، إلى حد إعتبار ما حدث وكأنه نصر مبين وفتح مستبين ، حين نجد وسائل الإعلام وهي تبث الأغاني والأناشيد الوطنية والثورية بدلاً من أنه كان من المفترض أن يعلن الحداد العام وتنكيس الأعلام وتسويد شاشات التلفزة وهي تبث آيات من الذكر الحكيم.

والحقيقة التي كان لا بد من الإعتراف بها بكل شجاعة وصراحة هي أن العملية أستهدفت بالأصل وزارة سيادية عظمى هي وزارة الدفاع وقد حققت العملية هدفها في الحط من هيبة الدولة المنحطة أصلاً.

وعلى ذلك كان يمكن أن يكون إطلاق صفة الشجاعة واجبة أفضل بكثير من إطلاقها على عبد ربه لمجرد أنه تهور وغامر بالذهاب إلى موقع الحدث فور وقوعه ، وهو الذي لم يقم بذلك إلا في مسعى منه لإنقاذ بعض من أفراد أسرته الذين كانوا هناك.

كذلك كانت الشجاعة والبسالة ستكون محسوبة إذا ما كان قد أحس عبد ربه منصور بالمسئولية وأصدر من فوره قراراً بإقالة وزير الداخلية وإحالته للمساءلة القانونية والأخلاقية على عدم القيام بواجبه في كل الأحوال منذ توليه منصبه.. ولا أن يكون التسرع بإصدار قرار للجنة التحقيق التي شكلها بأن منحها مدة أربعة وعشرين ساعة للإعلان عن نتائج التحقيق في الحادثة ومعظمنا يعلم يقيناً أن ذلك لن يتم ، وهو ما لم يتم بالفعل وقد مضى أكثر من ثمانية وأربعين ساعة على الموعد المحدد ، ولا أظنه سيتم عطفاً على الأحداث السابقة المشابهة وما أكثرها ، وهي التي ما زال الشعب برمته لم يطلع على أي نتيجة عنها.. وما ذاك الذي صدر عن اللجنة مساء الجمعة ووصف بأنه تقرير أولي لا يعدوا عن كونه مجرد وصف للعملية التي حدثت سبقت إليه وسائل الإعلام المختلفة ، ولا يصل بأي حال من الأحوال إلى ما يمكن إعتباره تقريراً عنها، وليكن بهذه الحالة مجرد مسخرة وضحك على العقول وإستغفالها، وهي التي كانت تتوقع أن يكون تقريراً حقيقياً يتحدث بكل دقة وشجاعة عن المتورطين بالإسم في هذه الحادثة ، من المنفذين والداعمين والمتعاونين والمتهاونين ، وكيف وصلوا إلى المكان ، وأنواع الأسلحة المستخدمة ، ووووووووووو...... والله المستعان.