السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٢ مساءً

أسطورة القاعدة وتضليل الرأي العام

إبراهيم القيسي
الاثنين ، ٠٩ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
بين الحقيقة والأسطورة مفاوز الكذب وفضاء الخيال فالصناعة الفلكلورية لبناء الحدث تتكئ على هشاشة المضمون وتتنكر بسراب الخداع وتزفر بفقاعات الإيهام فبناء الأحداث الخيالية يجتذب طوابير العوام وسذج المتعلمين يضع الحقيقة علامة تجارية لاغير تطبع على إخطبوط الأسطورة التي تبنى على إحالة إشارية تخضع لزمرة مرجعية تتعلق بالحقيقة خيالا لا وجودا وتملأ فضاء الخبر بزبد يذهب جفاء وتتجلى بصورة انتقائية تفرع الحقيقة غصونا تتمدد بروافد تراثية تتراكم على أوراقها بصمات التزوير التي تحيل الحقيقة إلى خيال لتضخم ذلك الأصل بالإضافات العفوية أو المدروسة تحت ظروف التغطية والإيهام للخروج من إحراج الواقع وتشويش الحقيقة على العقلاء بأحجية المغالطات ليلتبس الفهم عن إدراكها في حالها الطبيعي .

فشخصية جحا في طبيعتها التقليدية لم تكن سوى رجل بسيط يضحك الناس إما ببلادته أو بذكائه فحين اشتهر على ألسنة الناس بدأ تاريخه يتضخم بتلك الإضافات التي جسدت شخصه الفكاهي إلى أسطورة ملهاتية ومثله آلاف الشخصيات التي دخلت العالم الأسطوري بالإضافة البطولية المتصفة بخواص الزمرة الجامعة لعوامل مشتركة بين الأصل والمضاف فالقاعدة التي دخلت العالم الأسطوري بعد أحداث 11/سبتمبر / 2001م بسبب إقدامها على صناعة حدث كبير على المستوى الدولي استطاعت أن تمرغ سمعة أمريكا في التراب بتجاوزها كل الخطوط الحمراء من استخبارات وتصنت دولي فذلك الحدث المحوري جعل من القاعدة أسطورة جسمتها الولايات المتحدة لتصنع من شخصيتها الأسطورية مظلة سياسية تبرر إسقاط الدول واستعمارها فلولا القاعدة ما سقطت حكومة طالبان في أفغانستان ولانظام صدام في العراق فهذه الأسطورة التي فتحت أبواب اللعبة وأدخلت الطائرات الأمريكية وأساطيلها إلى عقر دار الإسلام وانتهكت حرمة الدول العربية تحت مسمى محاربة الإرهاب .

فلكل زمان ومكان حدث تجتمع حوله الرؤى ويمثل محور البؤرة التي تجمع الأشعة في نقطة واحدة فالصراع الدامي بين مملكة أثينا وطروادة استطاع أن يخلد أبطال المدينتين في ملاحم أسطورية جعلت من الأبطال تجاوزهم للطبيعة البشرية إلى الامتزاج بروح الإله فالبطل في هذه الملاحم يجمع بين الإلوهية والبشرية كأسطورة هكتور وكعب أخيل وحصان طروادة ومازال الحكام على مر العصور يتخذون من الأساطير ما يتلاءم مع أهدافهم السياسية فالشيعة الأثناعشرية تحكم بالوكالة عن الإمام الغائب في سرداب سامراء وأصبحت هذه العقيدة من صميم النظرية الشيعية التي غررت بأتباعها واغتصبت ولاء هؤلاء تحت شعار تلك التضليلات الشيطانية التي مثلت قطبي المغنطيس في اجتذاب الأتباع والموالين الذين ظلوا يتوارثون ذلك الادعاء بعيدا عن معرفة الحقيقة التي لا تفصح إلا للقليل ممن يقترب من بلاط الحكم وصناع القرار .

فالحاضر يتكئ على تراث الماضي ومازال الإرث التقليدي للإحالة إلى الأسطورة بارزا على تنوعه وتلون طقوسه واختلاف موضوعاته وأبرز شيء مايتعلق بالجانب السياسي حيث تجتمع فيه كل العلاقات في صورة مخضرمة تعطي قوة الاعتقاد المضلل للرأي العام فقديما اتخذ المتشيعون من الإمام علي بن أبي طالب أسطورة ينسبون إليه كل خرافة مضللة مستغلين كرازمية شخصيته المقربة نسبا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث بدأت هذه الأفكار بأفضليته على سائر الصحابة وانتهت بنبوته وارتقائه إلى إله وظل هذا الطرح ساريا عند بعض فئات الشيعة الإثني عشرية حسب اعتقادهم ابتداء بابن سبأ ومن إليه وانتهاء ببعض الحركات الشيعية الحديثة .

فحكام بني حميد الدين قد حكموا اليمن بأسطورة أفضلية العنصر الذي يملك الحاكم من خلاله كرازمية مطلقة في معرفة الكشف وامتلاك الجن حيث تحول الشعب في فترة حكمهم إلى رعاع وجهلاء يؤدون طقوس العبودية للسادة الأجلاء فالحاكم يمتلك المواهب العظيمة المتصلة بالعالم الميتافيزيقي ويستطيع الكشف عن الأحداث والقدرة على دفع الجن والسحرة والعائن (البده ) لأن هذه القوى الخبيثة في اعتقاد الشعب تحول الإنسان من آدميته إلى جنس آخر من حيوان أو طير وقد كثرت الخرافات والشعوذة وفتح الكتاب لجمع الجن وتفريقهم في أبان حكمهم المتصل بالحكم العثماني المتكئ على التصوف وعبادة القبور والمشاهد فالإمام في فترة من فترات حكمه استطاع أن يختبر الشعب اليمني بتضليله بأسطورة الجن التي يدعي تملكها وادعاء السيطرة عليها فقد أصدر بيانا إلى عموم الشعب اليمني بتحذيره من الجن التي سيرسلها إلى الشوارع والطرقات لأغراض خاصة ويجب على كل يمني أن يطلي نفسه بالقطران حتى لا تؤذيه حركة الجن المنتشرة فانطلت هذه الخدعة على الشعب اليمني وذهب يمارس القطرنة تنفيذا لأوامر حاكمه المطلق عن طواعية واعتقاد .

فالحكام مافتئوا يفبركون الأحداث ويحيلونها إلى قوى غيبية خارقة أو يصنعون قوى وهمية ينسبون إليها ما ينفذونه من إرهاب مثلهم مثل من يخوف الأطفال بصنع بعض الأشكال الغريبة التي تظهر حينا وتختفي أخرى لتظل ذاكرة الطفل تحتفظ بذلك النموذج الغريب الذي يظهر بين آونة وأخرى مثل الأطباق الطائرة التي شغلت الرأي العام في فترة من الفترات وماهي إلا نماذج استخباراتية تقوم بأداء مهمة خاصة قد صممت بطرق تكنولوجية متطورة فهناك فرق بين أسطورة الجاهلية المتمثلة في عبقر الجن والغول والعنقاء وأسطورة العصر الحديث المتكئة على الخداع والفبركة والدراسة الدقيقة لتتواكب مع التطور الحاصل في مجال التواصل وعالم البرمجيات والوسائل الإعلامية المتاحة .

فتنظيم القاعدة الجهادي الذي شغل العالم وأقض مضجعه لاشك إنه قد اخترق واستخدم وسيلة لتنفيذ أجندة لقوى دولية وإقليمية فقراءة المشهد المتعلق بهذا التنظيم يعطينا عدة دلالات منها علاقته بالحكام والأنظمة الساقطة وكيف يتذرع أولئك الحكام بالتهديد بنفوذ القاعدة في حال خروجهم من لعبة الحكم وهي مسألة أعطت نتائجها السلبية حال سقوطهم وظهر ذلك بجلاء في العراق واليمن وليبيا وبدأت التساؤلات تتردد حول علاقة هؤلاء الحكام بأحداث تنظيم القاعدة من عدمه فهناك قوى كبرى لعبت في العراق واليمن وسوريا واختلط إرهابها بإرهاب القاعدة بل تعداه بمئات الأميال لكن لم يصنف فعلها في دائرة الإرهاب كونها هي من يصنف الإطار المعرفي للإرهاب وتعتبر القاعدة بالنسبة للأمريكان الطائر الميمون فلولاها ما حصلت أمريكا على تلك المكاسب العسكرية والسياسية وما حظيت بالتعاون الدولي الذي أتاح لها التفويض المطلق لمحاربة الإرهاب فأسقطت دولا واكتسبت صداقات أخرى وتحولت إلى مدد وعون لكثير من البلدان وخاصة اليمن .

فالأحداث الدامية في اليمن يشترك فيها أكثر من عنصر وهي جبهة عريضة تولدت عنها أحداث جسام أتت على البنية التحتية للدولة المتمثلة في تفجير أنابيب البترول وقطع كابلات الكهرباء واستهداف الجيش والأمن واغتيال الشخصيات القيادية واستهداف المساجد والمستشفيات بعمليات نوعية فبعض تلك الأحداث تكون كبيرة وتقابل بالصمت والتجاهل من قبل الدولة مثل حوادث الاغتيالات وحادث النهدين وحادث مستشفى وزارة الدفاع مؤخرا وغيرها من الأحداث الدامية التي يكتفي المسئولون بإحالتها إلى القاعدة وهذا يعطي رؤية غائمة عن الوصول إلى معرفة الحدث وتضع الرأي العام في وضع لايحسد عليه من الضبابية عن التكهن بمجريات الأمور وهذا الوضع السياسي هو جزء من سياسة دولية وإقليمية تقف حاجزا أمام الإفصاح عن ملابسات الحدث لتجعل من القاعدة عدوا عاما تحال الأحداث إليه لتضليل الرأي العام عن الخلفيات المساندة لتنفيذ المخطط الإرهابي الذي يقتل فيه العشرات بل المئات من الأبرياء.