الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٤ مساءً

مذبحة العرضي بين المسخ الإنساني والأطماع السياسية

إبراهيم القيسي
الأحد ، ١٥ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
إن ما حدث يوم 5/12/2013م في مستشفى مجمع وزارة الدفاع جريمة إنسانية بكل المقاييس تجلت عن مسخ في الفطرة وانحراف في الدين فالعقلاء في العالم الإنساني من أقصاه إلى أقصاه قد هزت مشاعرهم تلك الحادثة وأصابتهم بغثيان حاد فأفقر إنسان في المشاعر لا يمكن أن يصدق ما أقدم عليه هؤلاء المجرمون فهذا الفعل الجبان يعطي مؤشرات خطيرة لمتتالية انحرافية سجلت أفظع جريمة إنسانية أصابت الرأي العام العالمي بالقشعريرة والدوار وهي تشير إلى دلالات مرة تستبطن التخوف من احتمال تكريرها بصورة أعنف نتيجة الاحتقان السياسي والتأزم الأمني في ظل دولة المخاض المتعسر لمخرجات الحوار الوطني .

فالمجرمون تجاوزوا خبوت العنف وتعدوا مخالب التوحش وربضوا على شفرات القسوة وشربوا من بحار الانحراف تشكلت عقولهم بثقافة المسخ الإنساني فشربوا الحقد وتطعموا بالكراهية فتحولوا من الآدمية إلى كلاب مسعورة تنشب أنيابها في كل شيء يجمعون بين ملمس الكوبرا وسمها القاتل وغدر الذئب وكيد التنين تلوثوا بانحراف العقول وفساد الاعتقاد فانقلبوا إلى شياطين متغولة يحاربون الشعوب ويقتلون الأبرياء ويخلون بالأمن ويهدمون الاستقرار تربوا في كهوف الغدر واعتادوا على مص الدماء واستمرءوا ذبح المرضى في المستشفيات وقتل المصلين في المساجد أغضبوا الله فلعنهم وسفكوا الدماء فانتقم منهم وانحرفوا عن الحق فأضلهم .

فالصورة المفزعة لهؤلاء القتلة تجسد لوثة فكرية منحرفة تخزن عداء قاتلا للإنسانية تنبئ عن بيئات منتنة تصدر الغدر والخسة وتمطر العدوان والدمار وتحرق الحياة ببراكينها المدمرة فالحياة تستحيل مع وجود هؤلاء المنحرفين فاللحظات العدوانية المسعورة سجلت أعلى انحطاط في تركيب النفس البشرية وأعطت صورة مفزعة عن الوحشية القاتلة فقد خلع القتلة كل المبادئ والقيم الفاضلة وتجاوزا تعاليم الدين الحنيف وتحولوا إلى ذئاب بشرية يذبحون البراءة ويأكلون لحوم البشر فانطلقوا من جحور المسخ يكشرون عن عدوان ظالم فاق كل عدوان مر على مراحل التاريخ فلا عقول تصدهم عن الإجرام ولا قلوب تعظهم عن الفجور فاستهدافهم للأطباء والمرضى والمخدرين في غرف العمليات يعطي تساؤلا محيرا عن الأهداف المريضة التي حفزت هؤلاء المجرمين على تنفيذ تلك المجزرة الدامية ويعطي تصورا مرا عن النذالة الصادرة عن تلك الأفعال التي فاقت مذابح الحقد اليهودي وملاحم الشيوعية وانتهازية الحاقدين .

إن الشعب اليمني يقف اليوم أمام جريمة شنعاء ويرى من كل الزوايا المتاحة خلفياتها المعتمة فقد سمع ووعى ما يرمز إليه استبطان تلك الجريمة وقد وصلت الرسالة بوضوح إلى عموم الشعب اليمني بكل مكوناته السياسية والحزبية والقبلية وقد تساءل الجميع عن الواقف وراء تلك المذبحة وعن المستهدف فيها وعن المخطط لها وعن المنفذ لجريمتها والذي يؤلمني كثيرا تلك التحليلات التي تفسر المذبحة وكأنها وسيلة للوصول إلى غاية وهي استهداف الرئيس هادي كونه يخضع للرقود في المستشفى فهذيان تلك التحليلات تعطي استهتارا بدم الأبرياء فمن خول لهؤلاء قتل الأبرياء من أجل الوصول إلى هدف دنيء فإذا كان استهداف رئيس الدولة جريمة نكراء فاستهداف المستشفى بمن فيه يعتبر من أفظع الجرائم وأعظمها ويزيد شناعة الجريمة سبق الإصرار المبيت والإقدام بدم بارد على سفك دماء الأبرياء .

فالشعب اليمني يعيش حالة من الفوضى والاضطراب اختلط فيها الحق بالباطل وامتزجت فيها أواصر البناء بعوامل التخريب فاقترنت قوى التغيير برباعية التدمير وسرى سم الثعابين في جسد منهك بالجراح واحد يبني وألف يهدمون فأصبحت الحقائق في جو معتم تحجبها سحب الفتن وغوغائية المصالح فوقع أمر الدولة بين مخالب التربص وضبابية الاحتقان فضعف الحزم وانفرط عقد الانضباط فسرى تيار التخريب يشعل الحرائق ويخل بالأمن ويفجر أنابيب البترول ويقطع كابلات الكهرباء ويقتل الأبرياء كل ذلك يحدث والدولة تسمع وترى لكن الخصم يمتلك قوة عاتية تأبى الخضوع والاستسلام للتحقيق والانصياع للعدالة والقانون لأن عناصر التخريب والاغتيال تقف من ورائها فلول النظام الساقط ووحشية القاعدة ومرتزقة الحراك المسلح ومخالب الحوثي القاتلة تلك القوى الرباعية هي من يقف أمام الانتقال السلمي بإجماع المحللين وعلى الرغم من ذلك لازالت هذه القوى تمتلك رصيدا من الدعم الإقليمي والدولي وهي تطلع إلى الحكم وتحلم بإسقاط دولة الوفاق لتعود إلى قيادة اليمن من جديد شعارها نحن أو التخريب .

فالرباعية المشتركة هم أعداء الأمس أصدقاء اليوم جمعتهم الصحراء كونهم من المنبوذين لجرائرهم السالفة فالهدف المشترك إسقاط دولة الوفاق وتحجيم قوى الثورة السلمية عن الوصول إلى الحكم والعمل على إحداث الفوضى وإرباك المشهد السياسي للوصول إلى حالة من الضعف يتسللون من خلالها إلى انقلاب يعيد البلاد إلى المربع الأول وعندها يعود الصراع التاريخي بين الرباعي المتحالف بحكم الاختلاف الأيدلوجي المتباين بين العنصرية السلالية والاشتراكية اللبرالية والسلفية القاعدية والقبلية الفلولية إضافة إلى القوى الثورية المتآمر على إسقاطها وسيعود اليمن إلى بيئة صراع أعنف بكثير مما هو عليه الآن هذا إذا قلنا بفرضية سقوط حكومة الوفاق فالأمر يحمل كمائن الخطورة الماحقة ولذا يجب على الشعب اليمني أن يشب عن الطوق ويترفع عن الولاءات الضيقة والمصالح الآنية يجب أن يكون هناك إجماعا شعبيا يكون هدفه الخروج بهذا الشعب من مستنقع الفوضى والابتزاز بعيدا عن الشخصنة والتحزب والعصبية العنصرية يداوي جراح هذا الشعب المكلوم ويأخذ على يديه ليقف على أرضية آمنة يثبت فيها أمنه واستقراره ويغرس فيها فسائل تقدمه وازدهاره .