الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٣٠ مساءً

كلام في " الدولة " وموظفها

عبدالوهاب الشرفي
الثلاثاء ، ١٧ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٢٠ صباحاً
يمكن القول بان الدولة هي شخصية اعتبارية ذات سيادة وتأهيل يمنحانها حق التملّك وحق التصرّف في الشأن العام بما يحقق المصلحة العامة لشخصيات المجتمع المعنوية والاعتبارية المنضوية تحتها .

سيادة الدولة تنشئ من توافق ضمني بين شخصيات المجتمع المعنوية والاعتبارية على تفويض الدولة بحق التملّك وحق التصرّف في الشأن العام لها . وتأهيل الدولة يعني الضوابط والمعايير التي وفقها تقوم الدولة بممارسة حقها في ادارة الشأن العام بما يضمن تحقيق المصلحة العامة لشخصيات المجتمع , وسيادة الدولة وتأهيلها هما عاملان متلازمان يقومان للدولة معا او يفقدان معا , وفقد احدهما يعني فقد الدولة لكليهما .

الدولة كشخصية اعتبارية لها كيان مثلها مثل غيرها من الشخصيات في المجتمع , وكيان الدولة يتكون من ثلاث مكونات , الاول هو المكون الانساني وهم مجموعة الافراد العاملين في وضائف الدولة المختلفة , والمكون الثاني هو مكون التجهيزات ويتمثل في الاصول والمستلزمات والوسائل ونحوه مما تمتلكه الدولة , والمكون الثالث هو المكون المُحدد ويتمثل في مجموعة الدساتير و القوانين والنظم والشروط والمعايير التي تحكم حق التملّك وحق التصرّف في الدولة وباسمها .
يقوم المكون الانساني في الدول
ة وهم مجموعة الافراد الشاغلين لمواقعها الوظيفية بممارسة حق التملّك وحق التصرف باسم الدولة , وما يمنحهم السلطة لهذه الممارسة هو وجودهم في هذه الوظائف التي يشغلونها بموجب معايير وشروط يجب ان تتوفر كي يتم تمكينهم من شغلها , وفي ذات الوقت يوقع عليهم وجودهم في هذه الوظائف مسئولية عن الاساءة في ممارسة هذا الحق الذي يمارسونه باسم الدول .

مجموعة الموظفين الشاغلين لوظائف الدولة هولاء لهم شخصياتهم المعنوية باعتبارهم من افراد المجتمع , كما يكتسبون شخصية معنوية تبعا للوظيفة العامة التي يحلّون فيها , ولذلك يكون لهذه الشخصيات مصلحة خاصة يسعون الى تحقيقها باعتبار شخصياتهم المعنوية كما يلزمهم تحقيق المصلحة العامة باعتبار وجودهم في وضائف الدولة , ويتحدد وضع هولاء بين السلطة والمسئولية بناء على قدرتهم على التمييز بين تحقيق مصلحتهم الخاصة وبين تحقيق المصلحة العامة عند قيامهم بالتصرفات باسم الدولة .

لضمان عدم خلط هذه الشخصيات عند تصرفها بين ما يحقق المصلحة العامة وما يحقق المصلحة الخاصة تم النظر الى الوظيفة العامة كسلطة ومسئولية , فالشخصية التي تحل في موقع وظيفة عامة مطلوب منها في تصرفاتها التي تقوم بها باسم الدولة ان تكون وفق الصلاحيات الممنوحة للوظيفة التي تشغلها وضمن الحدود التي يحددها المكون المُحدد للدولة , اي يجب ان تكون تصرفاتها منسجمه مع الدساتير والقوانين والنظم ونحوه مما له علاقه بالتصرفات الرسمية , وعندما لا تلتزم هذه الشخصية في تصرفاتها باسم الدولة بهذه الصلاحيات وتجاوز تلك الحدود فان ذلك يوقع عليها مسئولية , اي انها تكون عرضه للمسألة وفقا للقوانين والانظمة الخاصة بالمسائلة العامة .

على ذلك فالمعضلة الاولى التي تواجهها الدول وخصوصا الدول في ما يعرف بالعالم الثالث هو مكونها الاول , فالمكون الانساني في دول العالم الثالث هو المسبب المباشر لفشل الدول او لتحولها الى كيانات عصابية وربما يصل الامر الى غيابها تماما , و من ثم تحول المجتمعات الى كيانات متفرقه تتأطر في مجموعات متنوعة سعيا لتوفير الحماية لنفسها امام المجموعات الاخرى , وهي الحماية التي كان يفترض ان تأمنها الدولة للجميع في المجتمع دون الحاجة للتكتل او التعصب . بل ان سوء تصرف موظفي الدولة قد يؤدي الى تحويل الدولة ذاتها الى مجموعة عصابية ضمن جماعات عصابية اخرى في المجتمع وتكون نظرة وتعامل المجموعات الاخرى معها على هذا الاساس .

هذا الامر يجعل التحدي الحقيقي لدول العالم الثالث هو موظفها نوعا وأداء , فكلما كان شاغلي الوظيفة العامة اكثر انسجاما مع الشروط والمواصفات المطلوبة لشغلهم لهذه الوظائف - وهي الشروط التي تحددها القوانين واللوائح ونحوه من منضمات شغل الوظيفة العامة - كلما كانت الدولة اكثر تأهيلا والعكس بالعكس . وكلما كانت التصرفات التي يقوم بها شاغلي الوظيفة العامة اكثر تحقيقا للمصلحة العامة للمجتمع وليس المصلحة الخاصة للمن يقومون بها – اي انهم يتصرفوا بما يتوافق مع القوانين والأنظمة واللوائح ونحوه مما يجب ان تتصرف الدولة وفقه – كلما كانت الدولة اكثر تأهيلا والعكس بالعكس ايضا .