الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٦ مساءً

جريمة الدفاع لضرب توازن القوى الجديد

عارف الدوش
الثلاثاء ، ١٧ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٢٠ مساءً
الجريمة البشعة التي خطط لها مجرمون تجردوا من أبسط النوازع الدينية والأحاسيس الوطنية والإنسانية ونفذها مجرمون مخدرون يدارون بالريموت كنترول كشفت مع ما سبقها من جرائم وانفلات أمني وقتل واستهداف لقادة عسكريين وأمنيين محترفين ورجال استخبارات مدربين، إن المرحلة الإنتقالية ذات طبيعة رخوة وسيولة لزجة ما جعلها غير قابلة للسيطرة.

قيل أن السبب في ذلك يكمن بأن المرحلة الانتقالية جاءت بعد ثورة شبابية سلمية شعبية احدثت تحولات غير مخطط لها ولم تفكر فيها النخب أو تقدم لها الزاد الفكري والعملي وسارت مجريات الثورة بزخم أدى إلى انهيار القديم بفضل تضحيات الشباب والنساء والرجال والشيوخ في ساحات الحرية والتغيير في غياب رؤية وبرنامج يعمل على بلورة الجديد المطلوب.

وكانت قد رفعت شعارات طرحت مضامين واضحة في البداية " الشعب يريد تغيير النظام" وتحولت إلى" يريد تغيير الرئيس" ثم جرت عملية اختصار الثورة إلى تسوية " مبادرة خليجية وآليتها التنفيذية" مدعومة دولياً بقرارات وبيانات رئاسية من مجلس الأمن الدولي ومبعوث دولي مشرف عليها بعد أن فرضت طبيعة اليمن " الجيو استراتيجية" الموقع وطول السواحل وعلاقة ذلك بممرات التجارة الدولية والنفط ذلك أو كما قيل باختصار جرى تبريد الربيع اليمني خوفاً من الانفجار الكبير قرب منطقة خزان وقود العالم وممرات تجارته.

إذن تكونت حالة من الغموض أمام الناس سببها ان هناك نظاماً قديماً تصدع وانهار وهناك جديداً طرحته ساحات الثورة التي تم الغاؤها بعد بدء تنفيذ التسوية " انتخاب نائب الرئيس رئيساً جديداً للجمهورية والمشاركة في الحكومة التوافقية فيفتي فيفتي " بينما ظلت مؤسسات النظام القديم تعمل بأنظمة وفلسفة حكم وآليات ثار الشعب عليها أصلاً مع اختراقات وتغييرات هنا وهناك والسير في مؤتمر الحوار الوطني الشامل كجزء هام في التسوية.

فكانت النتائج أن مراكز القوى المتنفذة القابضة على مفاتيح السلطة والحكم " المال والسلاح خفضت رؤوسها مقابل ارتفاع صوت التغيير لكنه ظل صوتاً وكلاما وأحلاما مكتوبة على الورق فقط لم تتبلور بشكل مؤسسات وإجراءات عملية وظل الجديد الثوري المتمثل بالشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني وكل من لم يوقع على المبادرة الخليجية وحتى جزء آخر ممن وقع عليها ظل ضعيفا غير مسنوداً بعوامل القوة على الأرض إلا قوة الحق في الطرح والصوت المرتفع والرؤى السليمة حتى اللحظة.

صحيح أن القديم لم يعد متماسكاً وإنما بقايا محطمة تريد لملمة اشلائها وأجزائها لتعاود الوقوف ومشروعه لازال ينفذ بلا هوادة فيما الجديد الطامح إلى التغيير ضعيف غير قادر على الوقوف وفرض مشروعه الجديد على أرض الواقع ولو بالتدريج بسبب غياب مؤسسات وبنى وآليات التنفيذ، لكن مع مرور الأيام والأشهر ظلت مؤسسة الحوار الوطني الشامل بتركيبة قواها هي الشكل الجديد الوحيد في البلاد بينما باقي المؤسسات إما تترنح أو فاقدة للسيطرة الكاملة كما كان ذلك قبل الثورة الشبابية2011م.

وبدأ مع اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل ان هناك زخماً شعبياً ومساندة دولية لما توصل إليه المؤتمر من مخرجات لو طبقت ستؤدي إلى خلق توازن قوى جديد في البلاد سيتشكل من هذا التوازن يمن جديد وهو ما ناضل من اجله الشباب والنساء والشيوخ في ساحات التغيير والحرية وقدموا الدماء غزيرة من اجله فأصبحت مخرجات الحوار الوطني تعلن صراحة ان النظام الجديد الذي ستؤسسه يقوم على أسس وتركيبة مختلفة تماماً عن ما كان عليها النظام قبل الثورة الشبابية.

وبالتالي نحن بمخرجات مؤتمر الحوار أمام توازن قوى جديد كان قد تم القضاء عليه بحرب صيف 94م واصبحت هناك قوى متعددة ترى انها خسرت السلطة بعد ثورة فبراير 2011م الشبابية الشعبية السلمية وسوف تخسرها مخرجات الحوار الوطني الشامل مصالحها وبالتالي فهي ترى في استمرار حالة السيولة واللزوجة في الحياة السياسية بعيداً عن التوصيف وفي ظل غياب البرنامج السياسي الواضح المهام فرصة تعيد من خلالها ترتيب اولوياتها وهي تراهن على مرور الوقت لعل هناك متغيراً اقليمياً أو دوليا ترى من خلاله بصيص أمل لها لتنقض على توازن القوى الذي خلقه مؤتمر الحوار.

صحيح أن توازن القوى الذي نتحدث عنه غير مفعل ومسنود بقوة عسكرية أو سلاح ومال لكنه مسنود بصوابية الطرح والفكر وأكثر من ذلك مسنود بالسلمية والحوار المقنع الذي يعبر عن تطلعات ملايين الشعب وأمام وضع كهذا ما كان من القوى التي ترى نفسها خاسرة إلا ان تنقض من خلال قواها المعتادة عليها لحسم الصراع فهي لم تحسم صراعاً يوماً بالحوار والفكر والمؤسسات وإنما بقوة القتل والدمار.

وهو ما رأيناه في جريمة اقتحام مجمع الدفاع في العرضي بصنعاء وقتل كل من في مستشفى العرضي بحثاً عن الرئيس هادي لجز رأسه معلنة جريمة أكثر بشاعة بعد ذلك وهي ادخال البلاد في فتنة كبرى والسيطرة على الحكم وذر مخرجات الحوار مع الريح والقضاء على توازن قوى خلقته تلك المخرجات التي لازالت على الورق وتبحث عن آليات تنفيذ ومؤسسات ضامنة.

ليدرك أبناء الشعب أن المقصود من تنفيذ الجريمة الشنعاء التي ارتكبت في مجمع الدفاع هو تعديل موازين القوى التي فرضها مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته وضرب الأطراف السياسية التي ظلت مقصية طوال الفترة الماضية واستعادت اليوم بفعل مخرجات الحوار تنفسها بعد أن كانت مخنوقة لتعلن توازناً للقوى ولو على الورق حتى الآن.

وأخيراً :لا يكفي إكبار وإجلال الثورة الشبابية الشعبية السلمية بما فيها الحراك الجنوبي السلمي كونهما انتجا واقعاً جديداً أدى الى تعديل في موازين القوى السياسية بل ودفعا بقوى جديدة في المعادلة السياسية وهو ما كانت تستهدفه العملية الاجرامية التي نفذت في مجمع وزارة الدفاع بل لابد من التفكير بآليات شعبية تعيد الزخم الشعبي المساند لمخرجات الحوار لتعزيز ذلك التوازن للقوى وتحويله من خلال آليات عملية ومؤسسات فاعلة الى مخرجات تطبق عملياً في ارض الواقع ما لم يحصل ذلك سيبكي اليمنيون دماً بدلاً عن الدموع.