الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٤ مساءً
الأحد ، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٢٠ صباحاً
يمكنك ، رسمياً ، قراءة (طز) على جبين كل مسئول وأي وزير ، على ناصية كل سياسي وشيخ وسفير ، على مدخل مجلس النواب ، ومواكب النفوذ والأحزاب ، في المنطقة الفاصلة بين الشمال والجنوب ، تحت طاولات الحوار ، وعلى قذائف الطائرات بدون طيار ، وبين سطور الكفر بدون كفار..!

ليست (طز) إلا كلمة عثمانية قديمة تعني الملح ، وكان العرب وهم يعبرون نقاط التفتيش ، يشيرون إلى الأكياس على ظهورهم قائلين للجندي التركي (طز يا فندم) ، في إشارة إلى أن حمولتهم تلك ليست ذي قيمة تذكر..!

واليوم ، وبلسان الحال أو المقال ، أضحت (طز) أداة شائعة للتملص من المسؤولية ، وتعبير عن حماقة التحدي واللامبالاة ، ومفهوماً غائراً في ثقافة الانهزام والاستهتار ، ولا فرق إن كان الموضوع والحدث ، مجرد ملحاً للطعام أو شعباً تأكله اللئام ، أو وطنا تدوسه الأقدام..!

كان مجنون الحي (سعيد) يجوب الشارع ذهاباً وإياباً ، يحدث نفسه ، مردداً بصوت عال يسمعه الجميع (طز، طز) ، وكانت يداه لا تكفان عن أداء حركة يفهم منها عد النقود ، وعندما تساءل البعض عن سر حاله هذا ، أجاب أحدهم ، أنه تعرض لسرقة ، فقد معها فجأة كل ما كان يملك من مال.. والسؤال هنا : كيف سيكون حاله ، ذاك الذي يكتشف فجأة ، وذات صباح ، أن وطنه بأكمله قد سُرق منه..؟

إن كانت (ضربتين في الرأس توجع) ، فكيف بمئات ، بل وآلاف الضربات المتتالية الموجعة ، من الخارج والداخل ، وهي تتساقط تباعاً على رأس هذا الشعب المسكين وجسده ، بشماله وجنوبه ، بقراه ومدنه ، بجماعاته وأفراده ، حتى أضحى مترنحاً ، يشكو خذلانه ذاته ، ولا يدري أيها أكثر إيلاماً ، الوحدة أم الانفصال ، الثورة أو الحوار ، الفقر أو الجوار.. لكنه وبينما يموت بصمت ، يتذوق الملح ، ويتمتم بمرارة: طز..!