الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٤ صباحاً

جنون الحب وحب الجنون ( 15 )

عباس القاضي
الاربعاء ، ٠١ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٢:٢٠ مساءً
جاء صلاح وكفه تقابض يد أحمد من المسجد ،،، لعل حرارة اليد مع اجتماعهم في الصلاة ،،، هو سر المحبة بينهما ،،، وما كان لصلاح هذه الشفافية والإيثار، وحب الحب لولا التزامه المبكر ،،، واستنارة قلبه سر زرعه الله في ليال كان اختلاؤه بالله ،،، أكبر من اضطجاعه على فراش قد تتقاذفه كوابيس الأحلام ،،، في الوقت الذي فيه أقرانه ،،، يسهرون بيدين ،،، يد تقلب القنوات و يد تتكئ .

أما أحمد ،،، فقد عاش بنصف وعي ،،، تحت جناح أم ،،، كانت هي عقله و كل حواسه ،،، حتى ارتخت هذه الأعضاء و ماتت خلاياها ،،، فأصبح لا يدرك ما ذا يريد ؟ حتى أمه تريد ، فيريد ،،، فكان حمودي وإن طرا شاربه وجسر عظمه ،،، ولعل زواجه بأماني في مرحلته الأولى مجسدة لهذه الحالة ،،، تهاوى بعدها هذا الصرح الوهمي التي صنعته أمه بطلاق أماني ،،، حيث كان العقل الباطن يحب أماني ،،، لكنه لا يستطيع أن يعبر عنه ،،، مثل مريض ابن سيناء ،،، الذي براه الألم ،،، فأصبح عظاما مكسوا بجلد ،،، أعيا مرضه كل الأطباء في ذلك العصر ،،، حتى جاءوا بابن سيناء وهو العالم الموسوعي الذي أتقن كثيرا من العلوم في عصره حتى أسموه : الشيخ الرئيس ،،، ذهب ابن سيناء إلى المريض ،،، ثم فحصه ، لم يجد فيه مرضا عضويا ،،، وكان ابن سيناء إذا استشكل عليه أمر ، هرع إلى الصلاة من باب قوله تعالى " واستعينوا بالصبر والصلاة " وقد كان ،،، عندما أدرك ابن سيناء أن الرجل فيه مريض نفسي ،،، فطلب رجلا يعرف القبائل والأنساب ،،، فجاءوا به ،،، وضع ابن سيناء يده فوق قلب المريض ،،، ثم قال للرجل : اذكر لي ، أسماء الأقاليم للدولة ،،، أحس ابن سيناء أن نبض قلب المريض زاد عندما ذكر الرجل اسم إقليم معين ،،، فأمر الرجل أن يذكر له أسماء البلدان لذلك الإقليم ،،، فعند ذكر بلدة معينة ،،، زادت نبضات قلب المريض ،،، فطلب ابن سيناء أن يذكر الرجل أسماء الأسر،،، وجد ابن سيناء أن النبض زاد عند ذكر أسرة بذاتها ،،، فجيء برجل آخر من هذه البلدة ،،، فقال له ابن سيناء : اذكر لي أسماء أفرد هذه الأسرة ،،، فذكرها الرجل فردا فردا حتى جاء على اسم فتاة من هذه الأسرة ،،، فزاد نبض المريض حتى كادت نبضاته أن تشق صدره ،،، فقال لهم أبن سيناء : ابنكم يحب فلانة من أسرة كذا في بلدة كذا في إقليم كذا ،،، فقام المريض من حينه .

لذلك أفرغ أحمد حالة الغياب الحسي بفقدان الوعي و أصابته لوثة الجنون ،،، فأصبح تائها فاقدا لبوصلة التمييز ،،، لا يدري من أين جاء و إلى أين هو ذاهب ،،، حتى تداركه نعمة من ربه ،،، فجاءت أماني الباحثة عن فردوسها المفقود ،،، حيث كانت على قدر ،،، يرى قدمين ثابتتين بين أقدام متحركة ،،، رفع بصره فوجدها من طولها كأنها عمود ضياء ،،، وعند التقاء عيناهما سمع صوتا يصدح " عاد الهوى عاد ، عاد الحبيب الأولي عاد "