الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٠ مساءً

ومن البر ما يكون عقوقا

نبيل مبارك عجرة
الاربعاء ، ٠١ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
بسم الله الرحمن الرحيم

كيف تحدث الحجاج بهذا الحديث، هكذا اعترض الحسن البصري رحمه الله معاتباً الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه بسبب تحديثه لطاغية عصره أمير العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بحديث العرنيين، إذاً لماذا اعترض الحسن على إيصال علم يحق لكل أحد أن يتعلمه، نبدأ أولاً ببيان الحديث وخلاصته أن أناس أتوا المدينة فاستوطنوها فأصابهم مرض اختلاف الأجواء فلم يصبروا على ذلك فأمر بهم النبي صلى الله عليه وأله وسلم فأخرجوا من المدينة ليشربوا من ألبان الإبل وأبوالها حتى تعافوا فأخذوا الإبل بل وقتلوا الراعي ومثلوا به، فعوقبوا أن فعل بهم مثل ما فعلوا بالراعي، فلما حدث أنس ابن مالك بهذا الحديث للحجاج فإنه قد أضاف إليه وسيلة تعذيب جديدة لم تكن في قاموسه الإجرامي حيث أن الحجاج كان يتفنن في التعذيب بأي وسيلة تخطر له على بال من أجل ذلك لام الحسن البصري أنس على ذلك فإن من العلم ما يخفى خشية مثل هذه المواقف مع صحة وبراءة من بلغ ذلك ولكن حسن النية لا تكفي في معاملة أهل السياسة.

فيا داعي الحق احذر أن تكون داعية إلى فتنة أو رذيلة بسبب عدم فقهك لمجتمعك وواقعك فكم من مسألة الناس في غنا عن معرفتها بل قد يجر الخوض فيها إلى فساد لا يحمد عقباه، إن عرض الدعوة في جو من هدوء الأعصاب ومعرفة العواقب بالحجة والحوار والكلمة الطيبة يكون أبلغ في اقتناع المخالف وإن لم يقتنع فلن يعارض فالكلام إن لم يغير أثر.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " كم من مريد للخير لم يدركه" ، لم يدركه ليس لإهماله أو سوء مقصده بل لم يدركه لأنه لم يسلك الطرق الصحيحة التي توصله إلى ذلك الخير، لم يدركه لأنه لم يحط بعاقبة ما يخرج من فمه وقد يراه براً ويراه الآخرين قبحاً وسواً.

لقد مر ابن تيمية رحمه الله بمجموعة من التتار وهم يشربون الخمر فأراد بعض أتباعه أن يضربهم بحجة أنهم واقعون في مجاهرة لجرم عظيم وفوق ذلك أنهم أهل حرب، فقال لهم الشيخ: أتركوهم لأن يشربوا الخمر فتذهب عقولهم ثم ينامون خير من أن يصحوا فيقتلوا المسلمين.

إذا من البر ما يكون عقوقاً فيا داعي الحق لا تغير منكر يتولد منه منكر أخر أو أكبر منه إن الأديان والشرائع قد جاءت لإزالة المنكر وتقليلة وجلب المعروف وتكثيره.

يقول الإمام علي رضي الله عنه: "خاطبوا الناس بما يعرفون.." فيا داعي الحق لا تكن ممن قيل فيه لا يدري ما يخرج من رأسه، لا تعض الناس وترغب وترهب في يوم فرح وسرور ولا تحزن وتكسر قلوبهم في وقت نشوتهم بما يعدون له من أمد بعيد، كما أنك لن تأتي بما يضحكهم في يوم حزن لهم، بل اجعل لكل مقام مقال ولكل حادث حديث، ولا تكن من الذين يسيؤن وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فإن من البر ما يكون عقوقاً.