الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٠٨ مساءً

لازلت أحلم بوطن..!

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ٠٤ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
بلادُ العُربِ أوطاني ..... منَ الشّـامِ لبغدان
ومن نَجدٍ إلى يمنِ ..... إلى مِصرِ فتطوانِ
فلا حدٌّ يُباعِدُنا ..... ولا دينٌ يُفرقنا
لسانُ الضاد يَجمعُنا ..... بغسانِ وعدنانِ
لنا مدَنِيةٌ سلفت ..... سنُحييها وإن دُثِرَتْ
ولو في وَجْهِنا وقفت ..... دُهاةُ الإنسِ والجانِ
عرَفُنا كيفَ نتَّحِدُ ..... وللعلياءِ نجْتَهِدُ
ولِسنا بعدُ نَعْتَمِدُ ..... سِوانا أي إنسانِ
فَهبوا يا بَنِي قومي ..... إلى العلياء بالعلمِ
وغنوا يا بني قومي ..... بلادُ العربِ أوطاني.

تلك القصيدة الرائعة للشاعر السوري المرحوم / فخري البارودي كنّا نرددها في الطفولة الدراسية من عقد الستينات للقرن الماضي حتى نسجت في أذهاننا الحُلم العربي للوطن الكبير، فإلى أين ذهبت بنا يا فخري ؟ أهي البلاد أزيلت من قديم الزمان ولم تتجاوز حدودها حروف القصيدة؟ أم أرسلتنا إلى قادة أوطان وأناس غير موجودين سوى في قصيدتك وفي خيالك وخيال الأبرياء؟ وشتان بين الخيال والحقيقة..! هل أقول لك إن أي مواطن من مصر أو الشام أو العراق أو اليمن، لا تُفضل نجد أن يعمل فيها إلا المواطن الأسيوي هندي، فلبيني..الخ على العربي ؟ أم أقول لك أن أدعياء الدين الواحد ليس متفرّقون وحسب، بل أصبح يقتل بعضهم بعضاً باسم الدين؟ أم أقول لك أننا عرفنا كيف نفترق لا نتحد، وللتخلف المقيت والتشرذم نجتهد؟

علّق على القصيدة الدكتور / عثمان قدري مكانسي، ومن ضمن ما قاله : " لرأينا بلادنا – يقصد العربية طبعاً - ترزح تحت نير الذل مرتين. أمّا الأولى فللعدو الخارجي، وأمّا الثانية فللمتسلطين الذين يحكموننا بالنار والحديد، فلو نظر الشاعر بعين مجردة من العاطفة المشبوبة لقال:
بلاد العرب – خلاني - .... أشـبـِّههـا بقـطـعــانِ
ولا أقسو إذا ما قلـت .... قد حُكِمَتْ بذؤبانِ
ذئاب من بني وطني .... ترامت عند شيطانِ
فمـلّكهــا نـواصـينـا .... لتـخـدمـه بإذعـان!
وتنفثَ حقـده فينـا .... ليـذوي نـورُ إيماني
وليسوا من بلاد الشا .... م أو من نخل بغدان
وليسوا من مغـاربنـا .... ولا مـصـرٍ وسـودان "

برغم أن الدكتور شبّه الشعوب العربية على أنها قطعان حُكمت بأقلية ذؤبان عربية، إلاّ أنه غفُل بقصد أو بغيره على أن بعض من القطعان الحيوانية لا ترضى أن تُحكم من الذئاب، وقد تثور أحياناً إذا ما هاجم ذئب أحد أفراد القطيع..
أعود إلى قصيدة فخري فأقول لقد كبرنا شيئاً فشيئاً ونحن نحمل ذلك الحُلم الكبير في معناه وسموه داخل ذواتنا، ومع الأسف بقدر ما كنا نكبر كان ذلك الحلم يصغر سنة تلو الأخرى ويوماً بعد يوم في واقع كل مواطن عربي.. وجدنا أن من اغتصبوا الوصاية على ذلك الحلم قد حمل كلاً على كاهله مشروع وطنه حتى تقزّم الوطن العربي الكبير، فأصبح بالنسبة لأدعياء السياسة ومنافقيهم وقادة العسكر وجندهم وأدعياء العقيدة وأتباعهم، حجم وطنهم وحدوده لا يتجاوز كرسي السلطة أو المنصب ويستميتون حماية ودفاعاً في حدود مشروعهم ذلك وإن هلك وطن بأسره، أمّا البسطاء من المواطنين فأصبح الوطن بالنسبة للفرد منهم لا يتجاوز المنزل الذي يسكنه وأسرته فقط، دون أمان لعيشهم أو حتى توافر مطالبهم الأساسية فيه.

حينما ولدت القصيدة كان الإتحاد الأوروبي لم يولد بعد، وكان عبارة عن فكرة مجردة، وفي أربعينات القرن العشرين جرت محاولة لتوحيد أوروبا بالإخضاع العسكري على يد هتلر، وباءت بالفشل.. إلى أن جاءت واحدة من أول أفكار التوحيد الأوربي السلمي من خلال التعاون والمساواة في العضوية قدمها المفكر السلمي فكتور هوجو عام 1851 دون أن تحظى بفرصة جادة في التطبيق. وبعد كوارث الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ازدادت بشدّة ضرورات تأسيس ما عرف فيما بعد باسم الإتحاد الأوروبي. مدفوعا بالرغبة في إعادة بناء أوروبا رغم الحروب الشرسة التي دارت بينهم، وبرغم وجود مجموعة من اللغات والأعراق والثقافات الأوروبية المتباينة، إلا أنهم فضلوا التعايش المشترك كي لا تقوم أي حروب أخرى. أدى هذا الشعور في النهاية إلى تشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951م، على يد كل من: ألمانيا )الغربية)، وفرنسا، وإيطاليا ودول بينيلوكس(benelux) ( بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ ). كانت أول وحدة جمركية عرفت بالأصل باسم المؤسسة الاقتصادية الأوروبية (European Economic Community) تأسست في اتفاقية روما للعام 1957م، وطبقت في 1 يناير كانون ثاني 1958م،. وهذا شكل العماد الأول للإتحاد الأوروبي. متحولاً من جسم تبادل تجاري إلى شراكة اقتصادية وسياسية. والاتحاد الأوروبي هو جمعية دولية للدول الأوروبية يضم 28 دولة، كانت كرواتيا آخر دولة انضمت في 1 يوليو2013، واحتفل الاتحاد في مارس من العام 2007م، بيوبيله الذهبي بمرور 50 عام على إنشاء الاتحاد بتوقيع اتفاقية روما. وله نشاطات عدّة، أهمها كونه سوق موحد ذو عملة واحدة هي اليورو له سياسة زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة. وتقدر مساحة قارة أوروبا بحوالي 10.180 مليون كم2 ( أي بنسبة 7,1 % من مساحة اليابسة ). وعدد سكانها تقريباً 700 مليون نسمة ( أي بنسبة 11 % من سكان الأرض).

بينما تقدر مساحة الوطن العربي بـ 14.291.469 كلم² ( أي بنسبة 10.2% من اليابسة)، ويضم 22 دولة عربية، عشر منها في إفريقيا بنسبة 72.45% من مساحته و 12 في آسيا بنسبة 27.55% من مساحته. ويقع الوطن العربي وسط قارات العالم آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتمتد أراضيه في آسيا وأفريقيا ويفصل بينهما البحر الأحمر، ويطل الوطن العربي على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي والبحر العربي ويطل على محيطين هما المحيط الأطلسي غرباً والمحيط الهندي شرقاً. ومع الأسف الشديد يضم اتحادات ومجالس قادتها متصحري الفكر والأداء، تحسن شراء النوق والبغال والطيور من عائدات النفط، ولكن دون قدرتها حتى على رعي أو تدريب تلك النوق والبغال والطيور لتحقيق أهدافها..
تلك القصيدة يا فخري إن لم أخطئ فهي لبلاد أوروبا لا لبلاد الجُرْب من قطيع العُرْب.. ولكنني سأظل أحلم بوطن جديد سيولد يوم ما، حينما يعصف الدهر بهذا القطيع..