الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٣١ صباحاً

لو لم أكن يمنياً

أحمد عبدالله جحاف
السبت ، ١١ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٠:٢٠ صباحاً
كتب الله على اليهود التيه فى الصحراء ، وكتب على اليمنيين التيه بين القنوات الفضائية والتباس الأحداث والتراشق في الصحف وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى .

لو لم أكن يمنيا ممن كُتب عليهم أن يروا فيديو واحد ويسمعوا بخصوصه حقيقتين مختلفتين كلاهما يقبل التصديق وكلاهما يقع على طرف النقيض من الأخر ، لو لم اكن هذا اليمني لوددت أن أكون صيادا أعيش على كوخ مطل على البحر مع من أحب . أقضى الصباح فى الصيد والتأمل، والليل أحتسى الشاى على أنغام راديو صغير يبث اغانى فيروز من إذاعة لا تذيع غيرها !

لو لم أكن يمنيا ممن كُتب عليهم الإختيار بين أن يكونوا من بقايا النظام او من بقايا الثورة ، حيث لا مجال لإختيار عدم الإختيار، وحيث تهم العمالة والخيانة تُوزع يمنيا ويسارا وبدون مقابل ، لو لم أكن هذا اليمني لوددت أن أكون مزارعا ، تمتد الأرض بلا نهاية أمامي، اقضى الصباح فى رعاية أرضي، وأنام فى احضانها ليلا بعد أن أكل ما تخرجه من خير دون أن يتسرب لنفسى هم التفكير فى الغد المظلم .

لو لم أكن يمنيا ممن اصبحت دماؤهم ارخص من علبة دخان وعقولهم كرة قدم يتناقلها اعلاميين هواة لتمنيت أن أكون حيوانا او جمادا .. فمن الحيوانات من هم اكثر رحمة منا ، ومن الجماد من رُحم عقله من التفكير فى حقائق لم تعد حقائق ، ودولة ... لم تعد دولة

عند هذه اللحظة تتحول الكتابة من فعل ازاحة هم لعبء اكتساب مسئولية ، عندما يطالبك كل قارىء أن تكتب له هو فقط بينما تكتب انت لنفسك فقط ، وعندما يتلاعب مؤشر الوورد بعقلك ينتظر اشاراتك بالمزيد من الكتابة عن حقيقة غائبة ووجهات نظر جاهلة ودم سائل ... وانهيار قادم

عند هذه اللحظة يفترق الاصدقاء بفعل الاختلافات السياسية ، تنشق البيوت على بعضها ويفترق الازواج وتحرم الزيارات بين العائلات المنقسمة بين صرخة وحصان وشمس وبقايا نجمة حمراء ، عندما تكتسب العيون فى الشوارع تلك النظرة العدائية الحيوانية المستعرة بلا هدف : انت معانا ولا معاهم ؟ السؤال الاهم هنا : احنا من اصلا ؟! احنا هم ام غيرهم ؟ عندما تشتعل الشجارات السياسية على المقاهى ويتحدد لون المقهى السياسى من اختياراته الفضائية لمتابعة الاخبار .

عند هذه اللحظة .. وهذه اللحظة بالذات ، تدرك أن البقاء فى اليمن إختبار بحد ذاته ، اختبار بلا منهج لزمن بلا نهاية ، ولا خروج فى منتصف الوقت المحدد للإجابة إلا بالإنتحار .

الإنتحار هو الحل