الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٢ مساءً

فرصة أخيرة لـ 11 فبراير !!

اسكندر شاهر
الثلاثاء ، ٢١ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
الإحساس بالانتماء إلى هذا الوطن يبدو الغائب الأهم في ظل حضور الغيبيات المُتكل عليها حد الإفراط والتفريط ، ولئن شكلت ما كانت تسمى (ثورة) 11 فبراير 2011م صحوة مباغتة استطاعت لبعض الوقت إنعاش الشعور الوطني عند قطاع واسع من الشباب ورمت لهم وللمطحونين من أفراد الشعب طوق النجاة الذي تحول إلى حلم مستحيل التحقق فإن هذه الثورة بعد خطفها من قبل قراصنة الثورات والثروات بكونترول سعودي تستحق التمسك بهدف إنقاذها كقيمة تغيير قد لا تتكرر وليس إنقاذها كبروتوكول بالمطالبة بإقرار 11 فبراير يوماً وطنياً ، ولا بكرنفال شعبي أقصى ما يرمي إليه هو المطالبة بإنقاذ جرحى الثورة الذين لا يزالوا ضحايا ماثلين كان يمكن استيعاب علاجهم بجزء بسيط من بوفيه موفنبيك الباذخ ..

بعد اختطاف الثورة وتحويلها إلى حرب وغنيمة مرت الذكرى الأولى والثانية لـ 11 فبراير 2012 و 2013م كما لو كانت ذكرى لنكسة تنكس فيها رؤوس الثوار وترفع القبعات للأثوار ، لم يكن قد فاق المجتمع من صدمة الثورة المضادة ، وكانت غيبوبته أشبه بمزيج من الركون إلى سلطة الغيبيات التي هيمنت لردح من الزمن وارتماء في أحضان سلطة وقائعية أعادت إنتاج خطابها مستعيرة من القاموس الثوري أرذله ،وبين هذا وذياك ، ساد منطق طارد للثورة بوصفها كذبة كبرى ولقيم التغيير باعتبارها أضغاث أحلام .

يبدو الأمر طبيعياً عندما انتقل الثوار من موقع الفاعل الإيجابي إلى موقع المنفعل السلبي ، وظن أصحاب الموقع الأخير أنهم ارتقوا إلى رتبة اختبار أصحاب الموقع الأول أو هكذا شُبّه لبعضهم.

الركون إلى التماس الفرج من التسوية السياسية وإلى مراقبتها واختبار أدائها أسهم في تمرير الذكرى الأولى والثانية لـ 11 فبراير دون حدوث أي شيء يمكن أن يقلق السلطة الثورجية سوى مسيرة الحياة الراجلة التي انطلقت من تعز في الذكرى الأولى للثورة وتعاملت معها حكومة الوفاق بالعنف كعمل مستنسخ من سابقاتها ، ورد الثوار باستنساخ مسيرة الحياة في الذكرى الثانية ، وبالمجمل مرت الذكرى الأولى والثانية لمصلحة السلطة الثورجية مرحلياً.

لم يكن الثوار قد ارتقوا إلى رتبة المراقب والمختبر كما زعموا ، فالواقع كان يتحدث عن أن السلطة الثورجية هي من مارست التجارب والاختبارات على الثوار ليس بوصفهم القوة التي حركت عجلة التغيير – كما في الخطاب الرسمي- وإنما بوصفهم فئران تجارب إن آتت الأمصال أكلها في كيانهم الهزيل فأهلا وسهلا وإن لم تفلح فالموت هو المصير الذي يستحقونه دون أدنى عزاء..

وكان الواقع يتحدث عن أن التجارب بأمصالها الحوارية وغير الحوارية وكلها ترغيب وجلها ترهيب قد أثمرت كما أراد طبيب الثورة ومطبطبها ، لدى القطاع الأوسع ممن ثاروا أو من تم تثويرهم على حين غرة ، وموفنبيك يعج بهؤلاء المرضى ..

ويبدو الأمر طبيعياً أيضاً عندما نشهد قطاعاً ممن لايزالوا يتمسكون بقيم التغيير ، ولم يعد بوسعهم الحديث عن ثورة جديدة بل وجدوا أن الخيار الوحيد المتاح أمامهم يتمثل بالتمسك بإنقاذ الثورة هي نفسها ( 11 فبراير ) المصابة بالعقم التي لا يجوز تصور توالدها كماهو حال ثورة 25 يناير المصرية .

ومن هنا انضم هؤلاء الإنقاذيون من حيث لا يشعر جلهم إلى موقع المنفعل السلبي في مقابل الفاعل الإيجابي ذاته ( السلطة الثورجية ) ، وكان على الأخيرة أن تمارس الدور ذاته اختبار هذه الفئة وامتحانها في معمل التشريح الثورجي ، وظهرت مؤخراً حملة إنقاذ وحركة إنقاذ ( والتسمية هنا واضحة الاستهداف لجبهة إنقاذ الثورة السلمية وللسلطة تاريخ طويل من الاستنساخ أحزاباً وصحفاً ومنظمات ) ذلك لأن جبهة الإنقاذ – في ظل غياب المعارضة (الرسمية) - مثلت الاتجاه الوحيد (المقاوم) لفيروسات الثورة المضادة والمنعتق من مغرياتها المختلفة .

جبهة الإنقاذ ، وبعد أن أجري لها هذا الاختبار المتمثل بالترويج المزدوج لما تسمى حملة إنقاذ بقيادة ناشطة مستجدة على المشهد ، والسيناريو الذي رافق الدعاية لحملتها والاستنفار الحكومي المزعوم ، لم يكن بوسع جبهة الإنقاذ النسخة الأصلية سوى أن تنوه بعبارات قليلة أنها لا علاقة لها بحملة إنقاذ ولم يكن بالطبع بوسعها أن تقول أنها لاعلاقة لها أيضاً بالشعارات والأهداف التي ترفعها الحملة فكلها شعارات رنانة تستهدف إسقاط الحكومة وبناء الدولة المدنية وتحقيق التغيير المنشود .

استهلكت ما تسمى حملة إنقاذ، أو تكاد ، ولكنها ستبقى كرتاً من كروت الاختبار يأتي في (توقيت حساس) ينظر إليه الفاعل الإيجابي باهتمام ويريده أن يمر كما مر في العامين الماضيين بينما لا يكترث إليه المنفعل السلبي – كما يتبين حتى اللحظة- ، وهذا التوقيت الحساس الذي أعنيه ممتد حتى ساعة الصفر في 11 فبراير المقبل فنحن على موعد قريب مع ذكراه الثالثة التي قد تشكل الفرصة الأخيرة للأجنحة المتكسرة .

مايميز الذكرى الثالثة لـ 11 فبراير عن الذكرى الأولى والثانية بل ما يجعل الذكرى الثالثة تشكل فرصة أخيرة -حسبما أزعم- هو أن الكروت السياسية استهلكت بالكامل وأن المبادرة الخليجية خرجت من حال كونها مايشبه إعلاناً دستورياً للبلاد إلى وثيقة غير قادرة على حماية بنودها وبرنامجها المزمن ، كما أن مخرجاتها من حكومة الوفاق إلى مؤتمر الحوار بما يتضمن من انتكاسة تاريخية يوقعان على فشل التسوية السياسية التي لم تعد تمتلك مبرراً موضوعياً لتمديد أجلها وأجل الرئيس الذي يتمسك بالشرعية له من الخارج دون أن يكترث لشرعيته المحلية الوطنية في الداخل التي تم استنفاذها موضوعياً وزمنياً ..

الاختزال الذي تنتهجه السلطة الثورجية للمضي بمشروعية مستنفذة أو لاكتساب مشروعية جديدة من خلال مؤتمر موفنبيك لا يصح مواجهته باختزال أدوات إنقاذ الثورة وتحجيمها بحجة عدم القدرة على الحشد في الشارع فمن يريد أن يخرج ليحتفي بـ 11 فبراير منتصراً لجرحى الثورة يتعين عليه الخروج انتصاراً لـ 11 فبراير نفسه ، فالانتصار لجرحى الثورة فرع للانتصار للثورة ذاتها .

توقف المسار الثوري كان نتيجة لسبب معروف هو إطلاق المسار السياسي وعندما يعلن الأخير توقفه وفشله وفق كافة المعطيات الراهنة فإن من البديهي أن يعيد الحياة للمسار الثوري بوصفه البديل الموضوعي ، وتوفر الذكرى الثالثة لـ 11 فبراير فرصة أخيرة على الأقل لإنقاذ بعض قيم التغيير من الهلاك في الوعي الجمعي وفي التاريخ الذي قد يكتب في متنه أن رهطاً من القوم في اليمن خرجوا في الذكرى الثالثة لثورة 11 فبراير ليعيدوا لها الاعتبار فنجحوا في إسقاط التسويات المشبوهة ووقف تدافع بلادهم تحو التقسيم والصوملة أو سيكتب في هامشه أنهم خرجوا لأجل ذلك لكنهم أخفقوا ، وفي كلتا الحالتين سنتخفف من وصمة عار الحكمة اليمانية التي تقيم للهزيمة صرحاً تتغنى به .

11 فبراير أمامنا كفرصة أخيرة ولايزال لدينا متسع من الوقت لابتكار أدوات ناجعة مستفيدة من أخطاء مامضى في المسار الثوري واستثمار المستجدات الإقليمية والدولية المتغيرة ، وخلفنا قوة دفع تكفي من تراث الماضي البائس والحاضر الأكثر بؤساً ولم يبق سوى أن نسهم في تسمية المستقبل لتكون لنا كرامة صناعة الحياة أو لعنة صناعة الموت ..