الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٤ مساءً

اليمن أمام خيارين .. لا ثالث لهما

بشير المصباحي
السبت ، ٢٢ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٥:٠١ مساءً
طموحاتنا الكبيرة تتلاشى كل يوم أكثر فأكثر فقد كان اليمنيون على موعد مع إنجاز عملاق ننتقل فيه من الأقوال إلى الأفعال ومن الخيالات والأحلام إلى حياة الواقع والأرقام ، كان التغيير فيه في متناول أيدينا ذلك التغيير الذي يلبي أمال الأمة اليمنية وطموحات أبناءها جميعا .

تلك الطموحات التي كادت أن تلامس عنان السماء في بداية الأزمة وما قبلها إذا تم استغلال الحراك السياسي القائم في الساحة الوطنية بين السلطة والمعارضة على الوجه الأمثل.
كنا نتمنى أن تؤدي تلك الحالة من التوازن بين القوى الوطنية في السلطة والمعارضة إلى انتخابات حقيقية تفرز ممثلين مختارين من قبل الشعب بكل نزاهة وشفافية بما يؤدي إلى تعميق وتعزيز التجربة الديمقراطية وتحويل الهامش الديمقراطي الذي كان قائما في البلد إلى تجربة عريقة وفريدة في المنطقة كلها.

كان الإحساس الصادق وما زال الأمل يحدونا أن تبتعد قيادات الأحزاب السياسية في اليمن من سلطة ومعارضة عن المكابدات والمغالطات وأسلوب الانتهازية للفرص من أجل تحقيق مكاسب حزبية وشخصية ضيقة.

وبدلا عن ذلك يجب أن يعمل الجميع على بروز تيار التحديث الوطني من كافة مكونات وشرائح المجتمع في سبيل إحداث التغيير الحقيقي الذي ينشده كافة أبناء الشعب اليمني على حد سواء من مؤيدين أو معارضين ، فجميع أبناء اليمن وبدون استثناء يطمحون للتغيير الإيجابي الذي يقود بلدهم نحو التقدم والحرية والعيش بكرامة.

ذلك التغيير الذي يمنح للجميع فرصا متساوية في الحقوق والواجبات بعيدا عن سلبيات الماضي واعتباراته المناطقية أو السلالية أو الفئوية التي أدى ظهورها في السنوات الأخيرة إلى تدهور النسيج الاجتماعي بين اليمنيين وبالتالي بدأت الوحدة الوطنية تفقد شيئا من روحها وعنفوانها وتماسكها المتجذر في النفوس قبل الأرض والجغرافيا.

فما تشهده اليمن اليوم من تجاذبات بين طرفي الصراع وما يسبق و يتبع ذلك من استغلال لمكامن القوة والنفوذ في سبيل خدمة المصالح والأهواء الشخصية وتقوية نظرية هذا الطرف أو ذاك بلغت ذروتها حقيقة ووصلت إلى الحد الذي لا يمكن السكوت عنه.

كنا جميعا ننظر إلى التجربة التركية الحديثة وتلك النجاحات التي حققها أبناء الأناضول خلال مدة زمنية قياسية ، وكان الإعجاب وما زال يزداد بتلك الريادة الفريدة في المنطقة.

ولا نستطيع إخفاء توقان أنفسنا نحو تلك النتائج الباهرة أملا في أن تصبح اليمن هي المحطة التالية لتلك الإنجازات الوطنية الصادقة بأياد يمنية خالصة ، خاصة وأننا الأقرب إلى مجاراة تلك التجربة العريقة من بين دول المنطقة على الأقل من الناحية الشكلية وبما نمتلكه من موروث حضاري هائل.
وبالمناسبة فإنه ليؤسفنا القول أن فرصة تأريخية سانحة لولوج اليمنيين التأريخ مرة أخرى قد ضاعت من بين أيدينا بسبب تعارض مصالح اليمن العليا مع مستقبل بعض القيادات الحزبية في السلطة والمعارضة.

وأصبحت كل الأطراف تبحث عن حل سحري أووصفة أو تشعيذة خارجية تحل لنا أزمتنا وتخرجنا من المأزق الذي وصلنا إليه وذلك بدلا من العمل على الإستفادة من تجارب الغير والإبتداء من النقطة التي وصل إليها الأخرون وفقا لمشروع وطني ومنطلقات تستوعب الخصوصية اليمنية.

وطالما أن الخارج قد أصبح يمثل الحل الوحيد بمنظور البعض للخروج من هذه الأزمة الطاحنه التي تعيشها البلد ويعاني منها كافة أبناء اليمن ، وأمام هذه الرؤى التي أصبحت تمثل هاجسا مقلقا لكل يمني حر من المؤيدين أو المعارضين وتمثل أيضا سببا رئيسيا في تمسك الفئة الصامتة بموقفها فإننا ونحن نستعرض التجارب التي قد تكون مشابهة إلى حد ما للواقع المر الذي نعيشه والتي مرت بها بعض الدول الأخرى فإننا لم نجد أمامنا سوى حالتين قابلة للتطبيق على المسرح اليمني وفقا للمعطيات الحالية.

الحالة الأولى :
وهي التي قد تعد بمثابة حالة إيجابية إلى حد بعيد كما أنها الأقرب للتطبيق على الواقع اليمني وتتمثل في الأزمة الأوكرانية الأخيرة حيث ظلت شهورا طويلة تسيطر على الشارع الأوكراني حتى نجحت ثورته البرتقالية التي قادتها قيادات المعارضة وأنتجت إنتخابات نزيهة تنافس فيها كافة الخصوم للاتجاهات السياسية المتصارعة في البلد وأثمرت قيادة مقبولة لدى كافة الأطراف في الساحة وتوجهت بعدها المؤسسات الرسمية نحو البناء بروح وطنية واحده من دون ثأر أو إقصاء لتيار ضد أخر.

أما الحالة الثانية :
فلا نتمنى أن تكون فرضية حدوثها قائمة بشكل كبير نظرا لاختلاف المعطيات السياسية والتأريخية ولكن خوفنا على حاضر ومستقبل بلادنا يجعلنا نتمنى عدم تكرار التجربة العراقية التي وبكل تأكيد لن تتوقف عند حدود مليوني قتيل عراقي ، ولم تقتصر أثارها على تدمير بوابة الوطن العربي الشرقية ذلك البلد الغني بثرواته و تأريخه وثقافته وحضارته العريقة التي تبددت في عشية وضحاها وتحولت بأيدي أبناءه وبتدخل خارجي إلى ركام من التخلف والحروب الطائفية والمذهبية وتصفية الحسابات بين الفر قاء تحت مسمى الحرية الذي تحول إلى كابوس لا يمكن التخلص منه إلا بعد أن تذوق ويلاته وتدفع ثمنه أجيالا متعاقبة من أبناء هذا الشعب العظيم.

خاطرة :
كم أتمنى على قيادات السلطة والمعارضة أن تبتعد عن الاستخدام الخاطئ للدين والثوابت التي تجمع كافة اليمنيين وتفسيرها بحسب ما تمليه عليهم المصالح والأهواء من أجل تبرير كل طرف لأعماله وتصرفاته وسياساته ، فجميع اليمنيون دينهم وثوابتهم واحده وبدون استثناء ولا يوجد فريق كفر وفريق إيمان كما لا يوجد لدينا أقليات عرقية أو دينية يمكن العزوف عليها لإحداث شرخ في وسط المجتمع اليمني الواحد .
فقد كان أبي هريرة يصلي خلف علي ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال ..

وكان يقول:
الصلاة خلف علي أتم.
وسماط معاوية أدسم.
وترك القتال أسلم.
ولا أعتقد أن فعل أبي هريرة يصنف تحت مسمى النفاق
والله من وراء القصد ،،،،