السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٥ صباحاً

تعز وإب: آلام الماضي...وآمال المستقبل

محمد المخلافي
الجمعة ، ٣١ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
تقع محافظتي تعز وإب في الجزء الجنوبي الغربي من الجمهورية اليمنية، وتتمتع تعز بموقع استراتيجي هام للعالم حيث تطل على أهم مضيق عالمي وهو مضيق باب المندب، ومساحة المحافظتين تقدر بـ (15,560) كم2 تقريباً وتشكل مساحتها ما نسبته (3%) تقريباً من مساحة الجمهورية، أما عدد سكان المحافظتين فمن المتوقع أن يصل إلى ستة ملايين نسمة في العام الجاري 2014م أي ما يقارب ربع سكان اليمن، لذا تعتبر المساحة الجغرافية لكلا المحافظتين صغيرة جداً مقارنة بكثافتها السكانية العالية. وتتميز المحافظتين بطبيعة تضاريس متنوعة، ومناخ معتدل خلال أيام السنة ومتوسط درجة الحرارة فيها يصل إلى (20) درجة مئوية، وتساقط الامطار الغزيرة، ومرتفعاتها الجبلية،... الخ.

تتمتع محافظتي تعز وإب بمقومات استثمارية متعددة حيث تتميز محاظفة إب بالخضرة الدائمة لذلك أطلق عليها اسم اللواء الأخضر وهي تعتبر أجمل مدن الجمهورية، وتتميز كلا المحافظتين بتنوع التضاريس والمقومات السياحية من الجبال والسهول والأودية الخضراء والمتنفسات السياحية والحمامات الطبيعية والعلاجية، والمواقع الأثرية والتاريخية كالحصون والقلاع والمساجد. وبالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية للمحافظتين التي تتمثل بالنشاط الزراعي حيث تمتلك مساحات زراعية واسعة تمتاز بخصوبة أراضيها وعطائها الوافر. كما تطل بعض أجزاء محافظة تعز على ساحل البحر الأحمر مما يوفر فرص الاستثمار في مجال صيد الأسماك والإحياء البحرية، كما أنها تمتلك من أهم وأقدم الموانئ وهو ميناء المخا الواقع على البحر الاحمر. وتكتنز كلا المحافظتين العديد من الموارد والثروات المعدنية غير المستغلة وتشير المعلومات إلى وجود بعض المعادن في أراضي المحافظتين أهمها مجموعة من المعادن الفلزية مثل النحاس، النيكل، الكوبلت، ومجموعة من المعادن اللافلزية مثل الحجر الجيري والرخام والجبس والزجاج البركاني وغيرها، ومجموعة من عناصر البلاتينيوم، والمعادن الطينية المستخدمة في صناعة الأسمنت والطوب الحراري، ومعدن الزيولايت المستخدم في صناعة المنظفات، والبازلت المستخدم في صناعة حجر البناء والمعدن المستخدم في صناعة أحجار الزينة.

بالإضافة إلى الطبيعة الخلابة التي حباها الله أبناء محافظتي إب وتعز والموارد الطبيعية التي فيها، فقد حبا الله المحافظتين بالمورد الأهم وهو الانسان الذي يعتبر الثروة الحقيقية لإحداث التنمية، وما تتميز به المحافظتين حيث الكثافة السكانية هو في القوى البشرية الماهرة والمنتجة في جميع المجالات سواءً أكانت قيادية أو تخصصية أو مهارية والمنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية في القطاعين الحكومي والخاص، فتجد أبناء المحافظتين يعملون في مختلف المهن سواءً الدنيا أوالمتوسطة أوالعليا ويعتمدون على أنفسهم في كسب رزقهم، كما أنهم تقلدوا مناصب عليا في الدولة وعلى رأسهم الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي رائد ومؤسس نهضة اليمن والدولة المدنية الحديثة. وقد هاجر الكثير من أبناء المحافظتين والاغتراب سعياً في طلب الرزق وفي التجارة في مختلف بقاع العالم حيث توجد البيئة الخصبة للاستثمار في تلك البلدان وكان المغترب اليمني بشكل عام خير سفير بلاده وقدم صورة مشرفة لبلاده نظراً لاجتهاده في كسب رزقه ونجاحه في تجارته وعمله أي كان.

تعتبر محافظتي تعز وإب من أكثر المحافظات اليمنية اهتماماً بالتعليم منذ وقت مبكر وقد سافر العديد منهم إلى الخارج للدراسة في الجامعات والمعاهد في الدول العربية والاجنبية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولازال أبناء المحافظتين أكثر المهتمين بالتعليم والحصول على مؤهلات علمية في مختلف المجالات، لذا نلاحظ أن محافظتي تعز وإب تحصد سنوياً اعلى المراكز على مستوى اوائل الجمهورية في التعليم الاساسي والثانوي وكذلك التفوق في الجامعات اليمنية والعربية والاجنبية وهذا يدل على الاهتمام لدى أبناء المحافظتين بالتعليم وأهميته للبناء والتنمية والازدهار على الرغم من غياب الحكومة والوزارات الثلاث المعنية بالتعليم وضعف العملية التعليمية القائمة والغير صالحة لحاضر ومستقبل اليمن والتي تتطلب اصلاح وتطوير عاجل للمنظومة التعليمية والتربوية من خلال وضع خطط استراتيجية مبنية على دراسات بحثية، واقعية ودقيقة، وإيجاد نظام تعليمي يعتمد على التفكير والابتكار والإبداع، وتنمية القدرات بدلاً من الحفظ والتلقين، ويضمن إدخال مقررات حديثة، ودائمة التجديد والمراجعة والتطوير وفقاً للمفهوم العالمي للتطوير، ومؤسسات تعليمية تتوفر فيها عناصر الجودة الحقيقية المؤسسة على قياس علمي متخصص، وتكون هذه الخطة الإستراتيجية بمثابة دستور خاص بالتعليم في اليمن وهذا ما يتطلع اليه أبناء محافظتي تعز وإب وأبناء اليمن عموماً.

وتعتبر محافظتي تعز وإب مصدر استلهام للثورات والتضحيات من اجل بناء وطن آمن ومزدهر، فقد كان لأبناء المحافظتين الدور البارز والاهم في ثورة 26 سبتمبر ضد النظام الامامي وقاموا بمساندة أبناء المحافظات الجنوبية في ثورة 14 اكتوبر ضد المستعمر البريطاني، وساهموا في اعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وانطلقت ثورة 11 فبراير الشبابية من تعز. وقدم أبناء المحافظتين قوافل من الشهداء الذين رووا بدمائهم الطاهرة التربة اليمنية خلال ثورتي سبتمبر واكتوبر وحرب الجبهة (أو حرب المناطق الوسطى) وحروب صعدة الستة لتنبت الحرية والكرامة لجميع أبناء اليمن، واخرها سقوط العديد من الشباب والشابات الثوار من أبناء المحافظتين والمحافظات الاخرى الذين قدموا ارواحهم في ساحة الحرية بتعز أو ساحة التغيير بصنعاء من أجل اصلاح الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبناء اليمن الجديد لكل اليمنيين، ومع ذلك لم ينعم أبناء المحافظتين حتى بالحصول على الحد الأدنى من حقوقهم ولو على اقل تقدير الاعتراف بقضاياهم التاريخية والمعاصرة وإسهاماتهم في تحقيق الأمن والاستقرار والحياة المدنية لامن الحكومات السابقة والحالية ولاحتى مؤتمر الحوار الوطني.

كما تعتبر محافظتي تعز وإب من أكثر المحافظات اليمنية ممارسة للحياة المدنية والحضارية من خلال التعليم واحترام النظام والقانون والابتعاد عن الفوضى والتخريب ونبذ العصبية القبلية وترك السلاح. ويتميز أبناء المحافظتين بالانسجام الاجتماعي ولا يوجد فوارق اجتماعية أو عرقية أو مذهبية لدى ابناؤها سوى فوارق الانتماءات الحزبية وهذا أمر طبيعي. وأبناء المحافظتين يتطلعون إلى دولة النظام والقانون والعدالة والحريات، والدولة المدنية التى على اساسها يتم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتسود فيها العداله الاجتماعية، ويصبح الكل امام القانون سواسية فالفاسد يحاكم وان كان في اعلى منصب قيادي في الدولة، ويصبح فيها القضاء مستقلا، ويكرم فيها المجتهد ويحاسب المقصر.

على الرغم من الموارد التي ذكرناها سابقاً والتي تتمتع بها المحافظتين فقد عانت ومازالت تعاني محافظتي تعز وإب ومعها بقية محافظات الجمهورية من الاهمال للبنية التحتية والحرمان من ابسط مقومات الحياة الاساسية كالصحة والتعليم والمياه والكهرباء والطرق، كما أنها تعاني انتشار البطالة والفقر والفساد المالي والإداري الذي توغل في كل اجهزة ومرافق الدولة، ومن المركزية الإدارية والمالية للدولة. فمحافظة تعز تعاني من شحة المياه وتعتبر مدينة تعز مدينة منكوبة مائياً وانها أول المدن في العالم التي تعاني من شحة المياه والحكومة ليس لديها أي حلول على أرض الواقع. ومنذ اندلاع الثورة الشبابية عام 2011م دأبت بعض القوى السياسية بحرف مسار المدنية للمحافظتين وخصوصاً تعز من خلال حمل السلاح والتقطعات والصراعات الحزبية والمذهبية والقبلية التي لم تشهدها المحافظتين من قبل ونتمنى أن تنتهي في القريب العاجل. كما أن محافظة تعز النافذة الثقافية ومحافظة إب البوابة السياحية لليمن والموارد الطبيعية والبشرية التي تتمتع بها المحافظتين فقد غابت عنها الحكومات السابقة والحالية والسلطة المحلية في المحافظتين في رسم خطط استراتيجية ودعمها بمشاريع تنموية حقيقة وتشجيع القطاع الخاص والاستثمار فيها للنهوض بها لتساهم بالدور التنموي المنوط بهما من أجل تحسين معيشة الفرد، وتوفير فرص عمل للشباب، والاسهام في مكافحة الفقر والبطالة، وتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة، ومع ذلك فنحن نأمل بأن يكون المستقبل أفضل.

واخيراً آن الآوان لأبناء محافظتي تعز وإب أن يديروا انفسهم ويستفيدوا من مواردهم الطبيعية والبشرية، ولهذا فإن مطالبة أبناءها بانظوائها في إقليم واحد هو " إقليم الجند" نظراً للعوامل والمقومات التي ذكرت سابقاً، ولي آمل كبير بأن يصبح الإقليم المميز بتميز أبناءه ومدنيتهم وتحضرهم وتطلعاتهم إلى بناء يمن جديد ومستقبل أفضل ينعم فيه جميع أبناؤه بالآمن والاستقرار والازدهار والحياة الكريمة.