السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٢ صباحاً

السيناريو القادم: تقرير اخباري عن احداث اليمن المتوقعة ... بعد بضعة أشهر

علي منصور
الاربعاء ، ٠٥ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
نقلت وكالات الأنباء من صنعاء أن الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي غادر بشكل مفاجئ العاصمة اليمنية صنعاء الى مدينة عدن في الجنوب حيث أصدر من هناك بياناً حمل فيه القوى القبلية وقيادات حزب الاصلاح وحزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح المسئولية عن تدهور الأوضاع السياسية وسقوط صنعاء بيد الحوثيين بعد حصار استمر لأكثر من شهر. جدير بالذكر أن الرئيس هادي كان قد اصر على رفض اقحام الجيش في الحروب الدائرة مع الحوثيين بحجة أن هذه الحروب ليست إلا فخ نصبه الرئيس السابق للنيل من النظام والانقلاب على المبادرة الخليجية. في حين يرى مراقبون أن سقوط صنعاء قد تم بتواطؤ من الرئيس الانتقالي الذي تقول بعض المصادر انه كان قد توعد الرئيس صالح بتسليم صنعاء للحوثيين كما سلم (صالح) محافظة ابين للقاعدة (أبين هي محافظة الرئيس هادي)، وهو ما يفسر، بحسب المراقبين، قيام الرئيس هادي خلال الفترة الانتقالية بنقل معظم ألوية الجيش ومعداته الى المحافظات الجنوبية وعدم اكتراثه بفك الحصار عن صنعاء او مواجهة الحوثيين واكتفائه بالوساطات التي كان يقوم بها تارة الشيخ منصور ابو اصبع وتاره اللواء عبدالقادر هلال والتي لم تكن اكثر من فرص للحوثيين لالتقاط الأنفاس ومواصلة زحفهم تجاه العاصمة.

بيان الرئيس الانتقالي هادي تضمن الاشارة الى الالتزام بتنفيذ مخرجات الحوار من جانب واحد وإعلان جنوب اليمن اقليماً مستقلاً حيث بداء هادي بالفعل مشاوراته الموسعة مع القيادات السياسية في الجنوب بما في ذلك بعض القيادات المتواجدة في الخارج بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون (دثينه) التي ينتمي اليها نواتها الصلبة.

في هذه الأثناء استمر سكان صنعاء من المناصرين للحوثيين بإشعال النيران ليلاً على اسطح منازلهم بحسب عادة "التنصير" للامام. فيما استكمل مسلحوا الحوثي سيطرتهم على المباني الحكومية بما في ذلك رئاسة الوزراء ومبنى التلفزيون والاذاعة ووزارات الداخلية والدفاع والمالية والبنك المركزي ، كما ذكرت الأنباء قيام قائد عسكري حوثي كبير بتفقد دار الرئاسة بصنعاء حيث تم استبدال الحراسات بحراسات من الحوثيين وبدأت الإستعدادت لاستقبال الامام عبد الملك الحوثي. تجدر الاشارة الى أن مئآت الاطقم المسلحة التابعة للحوثيين جالت مساء اليومين الماضيين في صنعاء حيث القت القبض على المئآت من كبار القادة العسكريين والشخصيات السياسية والمدنية والمشايخ في صنعاء ووضعتهم جميعاً تحت الحجز الاحتياطي في عدة مواقع وسجون في العاصمة صنعاء، تمهيداً لإستجوابهم وأخذ البيعة منهم قبل اطلاق سراح من سيطلق سراحه منهم ومواصلة حجز من يلزم التحفظ عليهم. الى ذلك بثت الاذاعة اليمنية والتلفزيون الرسمي إعلاناً بتعليق الدراسة في المدارس والجامعات لاسبوع واحد. كما اعلن عن كلمة سيوجهها الامام الحوثي للشعب اليمني خلال ساعات.

الى هذا ذكرت الأنباء أن بعض كبار المشايخ ممن قاتلوا ضد الحوثي في حاشد وأرحب والجوف وغيرها قد فروا الى خارج اليمن ومنهم الشيخ صادق الأحمر واشقائه. فيما اختفى المستشار العسكري للرئيس هادي (علي محسن) والذي تقول بعض المصادر انه فر بحراً الى جيبوتي. اما الرئيس السابق صالح والذي ظل الى آخر لحظة يدعم التمرد الحوثي متوهماً أنه ليس اكثر من ثعبان من الثعابين التي اعتاد على الرقص معها فيقبع في بيته تحت الاقامة الجبرية، بعد أن تم تسريح حراسته الخاصة واستبدالها بحراسات من الحوثيين. فصدق فيه قول المتنبي:
ومن يجعل الضرغام بازاً لصيدهِ*** تصيده الضرغام فيما تصيدا.

رئيس الحكومة محمد باسندوه الذي يقال انه اعتقل اثناء محاولته اللجوء الى السفارة البريطانية، يقبع بدوره محتجزاً في منزله، وكذلك الحال بالنسبة لبعض الوزراء ، فيما نجح بعض الوزراء الذين يحملون جنسيات دول اخرى في اللجوء الى السفارتين البريطانية والفرنسية، بينما فر البعض الآخر ممن كانوا قد ادركوا مبكراً مآل الامور الى عدن والبعض الى تعز وحضرموت والبعض الآخر الى قراهم في ارجاء اليمن. فيما العشرات من مشايخ اليمن برقيات التأييد والمبايعة للامام الجديد في صنعاء.

تطورات الأحداث بينت أن عملية الحوار السياسي التي استمرت لأكثر من عشرة شهور لم تكن بالنسبة للحوثيين أكثر من "تقيه" ... عملية تمويه وتسويف لكسب الوقت بانتظار القفز على السلطة ... وأن وثيقة الحوار والتوقيعات التي مهرت بها لم تكن تسوى الحبر الذي كتبت به ... كما تبين أن كل الوساطات التي كانت تجري على مدار العام المنصرم لعقد الهدنات وايقاف القتال بين الحوثيين والقبائل لم تكن إلا استراحات محارب للحوثيين الذين ظلوا طوال هذه السنوات الطرف الوحيد في اليمن الذي يحمل مشروعاً سياسياً لدولة جديدة بنظام ملكي إمامي. فيما كانت بقية الأطراف السياسية غير مكترثة بالمخاطر المحدقة ومنشغلة بالدس والتخريب على بعضها البعض وتقاسم المناصب ومواصلة عقد الصفقات المشبوهة وغارقة في فساد مالي لم تشهد له البلاد مثيل حتى في ايام الرئيس المخلوع. وهو الفساد الذي يتبين من خلال هبوط اليمن عدة درجات على مقياس الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية.

تأتي هذه التطورات السياسية مع اقتراب الذكرى الثانية والخمسين لثورة 26 سبتمبر 1962، حيث يرى محللون سياسيون أن المبادرة الخليجية حققت لدول الخليج أكثر بكثير مما كانت تأمل. إذ تجاوزت إجهاض الربيع اليمني الى وأد النظام الجمهوري برمته واسدال الستار اخيراً على مغامرة يمنية طائشة استمرت لنصف قرن مع هذا النظام وعودة اليمن الى حظيرة الدول الملكية ... وهو الأمر الذي تنظر اليه دول الجزيرة والخليج بارتياح كبير... رغم بعض المخاوف التي تساورها نظراً للعلاقة المتميزة (العقائدية) التي يتوقع ان تربط الدولة اليمنية الجديدة بالجمهورية الاسلامية الايرانية... لكنها هذه الدول تشعر من جهة اخرى بأنها قادرة على التكيف مع مثل هذه العلاقة المزدوجة بحكم خبرتها مع سلطنة عمان التي تربطها هي الاخرى علاقات متميزة بإيران. وتجدر الاشارة الى أن دول مجلس التعاون كانت قد اصدرت بياناً عبرت فيه عن ترحيبها بالخيار السياسي للشعب اليمني المتمثل في العودة الى نظام الحكم الامامي ودعمها لهذا الخيار أياً كان.

الخارجية الأمريكية بدورها أصدرت بياناً عبرت فيه عن اندهاشها لسرعة تدهور الأوضاع السياسية في اليمن وتخلي اليمنيين عن مخرجات الحوار, لكنها في نفس الوقت ابدت ترحيبها بما يختاره اليمنيون لأنفسهم من نظام سياسي. وهو نفس الموقف الذي عبر عنه بيان الاتحاد الاوروبي . ويبدوا أن الدول الغربية عموماً راضية بما ترضى به دول الخليج لليمن، كما انها في قرارة نفسها مرتاحة لوجود قيادة جديدة في اليمن تسيطر على البلاد بدلاً من القيادات المراوغة والضعيفة التي حكمته خلال الثلث القرن الأخير، وخصوصاً خلال الفترة الانتقالية. بيانا الخارجية الأمريكية والاتحاد الاوروبي أكدا على حماية حقوق الإنسان والعمل على أن يكون النظام السياسي الجديد في اليمن "ملبياً لتطلعات الشعب اليمني ". وهذا تعبير عام ومطاط لا يتضمن إلزاماً لا بديمقراطية ولا بانتخابات.

ماحدث في صنعاء لم يكن في الواقع مفاجئاً للقوى السياسية اليمنية ولا لدول المنطقة والغرب، بل كان متوقعاً كنتيجة حتمية لتراكم جملة من الأخطاء التي ارتكبتها مختلف القوى السياسية والقبلية. يأتي على رأس هذه الأخطاء اختطاف ثورة الشباب من قبل القوى القبلية والقيادات العسكرية المتورطة اصلاً في الفساد الذي ثار عليه الشباب، ثم اصرار هذه القوى ومن خلفها حزب الاصلاح على افساد الحياة السياسية من خلال اصرارهم على مواصلة تسيير الدولة بنفس آليات وفساد النظام السابق والاستئثار بالثروة واقصاء القوى الاخرى. وهو الأمر الذي جعل القوى الوطنية تواجه المد الحوثي بقدر كبير من السلبية واللامبالاة وحتى التشفي بما قام به الحوثيين من تنكيل بالاصلاحيين وبمشايخ حاشد. حاشد التي كانت تصنع الرؤساء واصبحت اليوم بسلوك مشائخها الفاسدين صانعة الأئمة. ولسان حال هذه القوى يقول هذا شعب اردنا له الحرية ففضل عليها (أن ينحني ليقبل) ركبة الامام.

ادعوا معي ان اكون مخطئاً في تقديري لسير الامور وأن يستفيق الغافلين ليواجهوا الخطر الحقيقي.