السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٨ صباحاً

ملامح وجدانية ,,, من وحي الثورة

عباس القاضي
الأحد ، ٢٣ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٥:٣٠ مساءً
قال وفي نبرته حسرة لماذا تباينت وجهات النظر بين مكونات الثورة اليمنية ولم يحدث هذا في الثورتين التونسية والمصرية ؟ سؤال رآه محدثي بسيط ويتوقع أن تكون الإجابة على طرف لساني , ولكن لا أخفيكم سرا إنني لا أمتلك الإجابة حينها, وحاولت الخروج من الموضوع حتى يفتح الله عليّ بإجابةٍ شافية.

مرت عليّ اليوم كغيرها من الأيام, حتى جاء وقت النوم, وكعادتي أراجع أفعالي و أقوالي طوال اليوم, أول ما أضع جسدي على الفراش, مر شريط الأحداث حتى وصلت إلى ذلك السؤال, شعرت أن رموش عيني رفضت أن تَرِف واشتدت أعصابي, إيذانا باستقبال ليلةً ليلاء, لن أذوق فيها طعم النوم إلا بإجابة سؤال صديقي.

فبدأت أرسم ملامح الثورة لعلِّي أصل إلى الإجابة, وفعلا ما أن بدأت أول جملة " الثورة كا لسيل " وإذا بالكلمات تتدفق بمعانيها والصور تتراقص بمقاصدها, وكنت كلما تقدمت في الموضوع أشعر بأن أعصابي تميل إلى الهدوء ورموش عيني ترف كأنها تحث جفوني على الانطباق رغبةً في النوم, وفعلا ما إن وصلت إلى آخر كلمة وهي " نجاح الثورة " حتى ذهبت في نوم عميق لم أفق منه إلا على صوت الأذان.

قرأتم السؤال الذي أرقني وإليكم الجواب الذي هدّ أني.
الثورة كالسيل الهادر يبدأ بجرف الأشياء التي يصادفها أمامه, لهذا تكون الثورة عَتِيَّة وقوية في أيامها الأولى تذهل الخصم وتربكه, وتكون مثالية في تعاون مكوناتها تماما مثل السيل الذي يختلط فيها الماء والطين والأحجار والقش والزبد والغثاء دون فصل في اللحظات الأولى, ثم يمضي بكل عنفوان وقوة, يزيده الروافد المائية التي يقابلها قوّة إلى قوّته أي الإنضمامات للثورة, فإذا ما زادت الإنضمامات فإن السيل سيصل إلى مبتغاة وبسرعة تماما, كما نجحت ثورتا تونس ومصر في أسابيع - برغم وجود عوامل أخرى لسنا بصددها الآن –أما إذا خفت الروافد وزادت الحفر والمعوقات أَمَام السيل فإنه يقلل من عنفوانه أما إذا توقف السيل, أي إذا وقفت الفعاليات التصعيدية للثورة فإن السيل سوف يركد, وهنا تكمن المشكلة .

لأنه إذا ركد السيل فإن مكوناته سوف تنفصل , فالأحجار والطين ستكون في الأسفل والقش والغثاء والزبد ستكون في الأعلى, والماء الصافي في الوسط أي أن مكونات الثورة سوف تتفكك وتظهر أمراض المجتمع في الساحات والميادين هذه الأمراض الذي جسدها النظام طوال فترة حكمه.
فبعضهم كالحجارة والطين خمولا واستكانة جرفتهم الثورة معها فضنوا أن الحسم سيكون في أيام فجاروها, وعندما تأخرت وركد الماء بدأت الحماسة لديهم تنخفض وبدأوا يتململون, أو يضعون شروطا ليس وقتها.

أما الطبقة العلياء –الزبد والغثاء- فهؤلاء وإن كانوا سريعي الحركة ولديهم الخِفَّة ويكونون أحيانا في مقدمة المسيرات, إلا إنهم سريعوا الاختراق من قِبَل المندسين من رجال الأمن, فتجدهم يلومون بقية المكونات بأنهم سرقوا الثورة, صادروا حقوقهم, استولوا على اللجان, استأثروا على المنصة, وعندما تبحث عنهم تجدهم ليس لهم وزن بقدر ما هم ظاهرة إعلامية يستفيد منهم الحاكم.

وتبقى الطبقة الوسطى وهم في موقعهم يمثلون الوسطية في الفكر وفي التعامل مع الأحداث, وفي التخطيط السليم, هم أساس وقلب الثورة هم الذين ينامون والثورة تحت جفونهم, ويصحون ويرون النصر في الأفق أمامهم يتحملون من القريب أكثر من البعيد.

ولكن ألستم معي أن الماء مرتبط بالمفهوم الفقهي المسمى :الماء الكثير والماء القليل, فإذا كان الماء قليلا سرعان ما تعتريه الشوائب والأوساخ فيتغير لونه وطعمه ورائحته, بمعنى أن الثورة سوف تضمحل ولم يبق منها إلا مسببته من عراقيل المكان والاقتصاد وزعزعة الأمن - اللون والطعم والرائحة-

وبحمد الله ماؤنا كثير سيصمد لفترة أطول فالساحات والميادين ملأى على امتداد اليمن طولا وعرضا, وكل يوم تأتيه الروافد المائية لتنعش هذه البركة الرقراقة وتجددها.
وهنا لا يسعنا إلا أن ننادي الفئة الصامتة ومن مازالوا مع النظام أن يكونوا روافد, لا,لإنعاش البركة (حوض الماء) فقط ولكن لتحريكه لتمضي إلى غايتها وهو نجاح الثورة