الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً

ثورة اليمن من الوجدان إلى الميدان

عبدالرحمن الدعيس
الأحد ، ٢٣ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٧:٣٠ مساءً
تعتبر الثورة اليمنية من أولى الثورات العربية، رغم أنها جاءت بعد سقوط نظامي تونس ومصر، والسبب في ذلك أن الثورة اليمنية مرت بحيثيات عديدة، ومراحل ومنعطفات كبيرة جعلها تتأخر عن ركب الثورات.. ومن أهم هذه المراحل

المرحلة الأولى:
ثورة الوجدان: بدأت هذه المرحلة بترشح رجل النضال السلمي الفقيد فيصل بن شملان فقد كان قرارا شجاعا من رجل شجاع. حقا انه حكيم اليمن وقائد ثورة تغيير الوجدان فقد كان الفضل الكبير بعد الله لهذا الرجل العظيم في ثورة وجدانٍ شملت كل إرجاء الوطن فهذه أول مره يفكر المواطن اليمني أن يخرج من إطار التفكير برئيس مدى الحياة إلى التفكير فقط في المنافسة.

لقد إحدث ترشيح بن شملان ثورة وجدان هائلة في أبناء الشعب اليمني على حد سواء المناصر والمعارض، فقد جعلت من أنصار علي صالح يشعرون أن زعيمهم المبجل في خطر, بل شعر الزعيم نفسه انه في خطر وأعلن إن الكرسي من نار وممنوع الاقترابمنه. وصار كالمجنون يصدر وعود بالمستحيل ويتكلم من دون تفكير، ويهاجم كل من يقف أمامه, بل وصل به الأمر إلى أن اغرق الشمس في البحر, وكذلك جعل أنصار المعارضة يشعرون أول مره أنهم أمام كرسي الرئاسة وقاب قوسين أو أدنى.

بل لا أبالغ إن قلت انه أول مره يفكر قادة المعارضة بالمنافسة على كرسي الرئاسة.. انتهت الانتخابات بمغالطات كثيرة وشبه كبيره جعلت الناطق باسم المشترك يهدد بالنزول إلى الشارع, وهذه أول مره تهدد المعارضة بالنزول إلى الشارع, مما جعل فارع يعلن الصيام ودخول أول أيام رمضان قبل بزوغ الهلال كما هو متداول بين الناس، وكذلك التهديد بأنه سوف ينزل إلى الشارع والذي فسر من قبل الكثير انه نزول الجيش لقمع أنصار المعارضة إذا فكروا بالخروج عن الطاعة. كل هذا اضطر المرشح الحكيم بن شملان إلى عدم التوقيع على نتائج الانتخابات وعدم توقيع بن شملان يجعل شرعيه صالح في مهب الرياح.

وجعل قائد أخر من قادة المعارضة يهدد بثورة شعبيه وهذا التصريح يعتبر نقلة نوعيه في التفكير على المستوى العربي بل هي أول دعوة لثورة من قيادي معارض في الوطن العربي زرعت الفكرة ومع الأيام نمت وترعرعت.

المرحلة الثانية:
الحراك السلمي الجنوبي : بدأت ثورة الميدان بتأسيس جمعية المتقاعدين العسكريين في الضالع وهذا انجاز يحسب ويسجل لمدينة الثورة مدينة الحرية التي انتصرت مرتين مره في ثورة الوجدان حيث فاز بن شملان في محافظة الضالع بأغلبية ساحقة. والمرة الثانية بثورة الميدان وكسر حاجز الخوف ، وبسبب تقاعس النظام عن تلبية مطالب المتقاعدين.
توسعت الاحتجاجات وتمددت رقعة الثورة إلى جميع المحافظات الجنوبية وارتفع سقف المطالب وبدأت تشتعل في الشمال كذلك؛ فعمل السفاح على فصل الشمال عن الجنوب وتحويل مطالب أبناء الجنوب من مطالب بحقوق مشروعه للعسكريين وبحقوق كل اليمنيين إلى مطالب بحقوق أبناء الجنوب ومن ثم المطالبة بالانفصال ففرح نظام العائلة واستراح قليلاً, فلعب النظام العائلي واستغل ورقة الانفصال وبسبب شعارات الانفصال تمكن النظام العائلي من تخويف أبناء الشمال وخمدت الثورة في الشمال وضعفت في الجنوب.

الثورة في اليمن منذ قديم الزمن منذ سبتمبر وأكتوبر كطائر له جناحين إذا قص احد الجناحين لم يستطيع التحليق فلم تنجح ثورة سبتمبر إلى بجهود أبناء الشمال والجنوب وكذلك ثورة أكتوبر, وهنا يتحمل النظام العائلي دعم الانفصال فقد فصل مطالب أبناء الشمال عن الجنوب من أجل مصلحة وقتية ورسخ بهذا الانفصال والكراهية عند أبناء الوطن الواحد.

ونحن أبناء الشمال نتحمل كذلك مسؤولية كبيرة بالدرجة الثانية، إذ كان الواجب علينا الوقوف مع أبناء الجنوب وأخذ حقوقهم من الفئة الناهبة المستفيدة, وهم قليل يعدون بالأصابع من الشمال كما أنهم من الجنوب, وكذلك أبناء الجنوب يتحملون جزء من الخطأ لأنهم صدقوا النظام العائلي ورفع بعضهم شعار الانفصال ولم يفرقوا بين الناهب والضحية والقتيل والمقتول.

المرحلة الثالثة:
الهبة الشعبية : دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك - المعارضة اليمنية - إلى هبه شعبيه وكان حلم المشترك من هذه الهبة هو الضغط على النظام العائلي لنزع الحد الأدنى من الإصلاحات وكالعادة تعامل نظام العصابة مع الهبة الشعبية كتعاملها مع كل القضايا الوطنية مماطلة واستهزاء وسخريه وكذب ولعب وإضاعة للوقت وقد كانت كل هذه العوامل هي نواة وبذره لثورة شعبيه، فقد تحولت من فكرة بالوجدان بدأت بترشح بن شملان إلى حراك في الميدان استمر لزمن بين شد وجذب حتى جاء العامل المحفز وهو سقوط النظام التونسي والمصري.

المرحلة الرابعة:
الثورة الشعبية: انطلقت ثورة اليمن قبل كل الثورات ولم تكن الثورات العربية وسقوط النظام المصري والتونسي سوى عامل محفز لثورة الشعب اليمني فقد أدى سقوط النظام البوليسي التونسي إلى معرفه الشعوب أن بيوت وعروش الظالمين والطغاة مهما كانت قوية فأنها أوهن من بيت العنكبوت, إذا خرج الشعب إن لم تكن محصنة بالعدل.
خرج الشعب التونسي لإسقاط النظام وهو يردد قول شاعرهم أبو القاسم الشابي (ومن يتهيب صعود الجبال ....) سقوط النظام البوليسي التونسي جعل الشعب المصري يستحضر قول شاعرهم احمد شوقي (وللحرية الحمراء باب...) فخرجوا وهم يعرفون ثمن الحرية فأشتط فرعون مصر غضباً وصنع موقعة الجمل ولم يكن يعرف أن الشعب يعرف ثمن الحرية, وقد درس وفهم قول شاعرهم شوقي جدياً فأستمر الشعب المصري بدفع ثمن الحرية ولم يصمد عرش فرعون سواء أيام وسقط, وأندهش الجميع!!
كيف سكت الشعب أعوام على هذا الطاغية كيف سمح الشعب لهذا الطاغية أن يقتل إضعاف ما قتل خلال الثورة وأن يستضعف الشعب المصري عقد من الزمن.

في يوم سقوط عرش فرعون مصر, خرج أبناء الحالمة - تعز- مطالبين بإسقاط نظام العصابة وتحقيق حلم كل اليمنيين في بناء الدوله والتخلص من العصابة الحاكمة، اشتعلت الثورة توسعت رقعة الثورة، وامتدت المساحة لتشمل 17 محافظة يمنيه.

زاد العدد وكعادة الطغاة التكبر رغم محاولة المعارضة وبعض الشخصيات الدينية والقبلية إخراج صالح بماء الوجه - إن كان له ماء وجه - يبعد الأولاد ويبقى الطاغية السفاح حتى أخر مدة حكمه, وذلك كله من اجل تجنيب البلاد الويلات. كذب صالح وأستكبر وطغى وظن انه ما زال قادراً على الرقص على رؤوس الثعابين، هدد وتوعد، وقال انه حميري من سلالة سيف بن ذي يزن وأن الدماء ستسيل إلى الركب.

كسب بعض الوقت ولكن الجميع أدرك أن الحل هو بالميدان فلحق المشترك والمشائخ والعلماء والعسكريون والقادة الشرفاء بشباب الثورة, فزاد زخم الثورة وزاد جنون صالح فقرر التخلص من هذه الثورة بالقوة، وكأنه نسى أو تناسى أن أحفاد أبو الأحرار خرجوا وهم يرددون قوله الخالد:

لا سيوف تذلنا ، لا سجون تصنع الرق في دمانا الأبية
فتأله ... وخذ مكانك فوق الشمس ...فوق العلياء فوق البرية
واتخذ سلماً من الأنجم الزهر ... ونعلاً من أكبد بشريه
وتنمر وابعث لنا هول عينيك ... خلال الأشعة الكونية
ابتعد واحتجب وكن أنت لغزاً طيّ لغز المالية اليمنية
حيثما تختبئ سيدركك الشعب ... ولو في الكواكب الروسية
وتفجر صواعقاً وتحول طبقاً طائراً أو أرق رقيه
وتوعد ما شئت واقتل ودمر واستعن بالجحافل الدولية
لن يوقيك غضبة الشعب إلا الشعب ... إن سرت في الطريق السوية
وتعقلت واستجبت إلى الشعب وأسلمت في يديه القضية
نحن قومٌ لا تحمل السيف أيدينا ... ولا خنجراً ولا بندقيه
غير أنا عزم.. نسير كعزم الله ... في دربنا ونمضي مضيه
نتحدى الأسطول في البحر والجحافل ... في البر بالحقوق الجلية
ونهز المعاقل الشم بالأيدي ... العرايا والدرة العمرية
ضربةٌ من إرادة الشعب بالسوط ... تذل القنابل الذرية

بدأ السفاح بالظهور بوجهه القبيح وهو الوجه الحقيقي.. قتل أبناء اليمن في كل محفل ،وفي كل ميدان وساحة، وفي كل محافظة ظناً منه انه سوف يخمد الثورة فزاد اشتعالها وتوسع، وزاد هو ذلاً وأختنق فلجئ إلى دول من دول الجور لتقدم له مبادرة يكسب بها الوقت لعل الشباب يصاب باليأس ولكن شباب الثورة سطروا أعظم موقف الصبر والصمود، صبروا حتى مل الصبر منهم وسطر النظام العائلي أقبح وأبشع صورة من الكذب والخداع وسفك الدماء.