الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٨ مساءً

أقلمة الملعب السياسي !

د . أشرف الكبسي
الاربعاء ، ١٢ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٥ صباحاً
المدرجات تكتظ بالجماهير ، تحتدم المنافسة بين الأندية السياسية السلطوية النافذة ، على (بردق) البطولة النهائية اللامتناهية ، فريق الحكومة المعارضة يواجه خصمه التقليدي ، من المعارضة الحاكمة ، الفريقان متشابهان ، حد الإرباك ، الوجوه ذاتها ، وإن تناوب هنا أوهناك ظهورها ، كألوان الشعر و(الصمايط) والقمصان الفوضوية ، طول اللسان والكرفتة ، الثوب والشورت واللحية ، وكل البنادق والشعارات والملصقات الثورية..

تشكيلة الفريقين ، وخطة اللعب ، وأطقم التدريب الأجنبية ، تبدو متطابقة إلى حد كبير ، فكبار اللصوص في المقدمة ، رأس حربة ، الانتهازيون في القلب وعلى الميمنة والميسرة ، أما على خط الدفاع ، فيقف دائماً المرتزقة والمنافقون.. يحتكر الفريقان أرض الملعب السياسي ومدرجاته منذ عقود ، عندما بدأت المباراة الأولى، على كأس (عرش) الجمهورية ، وما تزال إلى اليوم مستمرة ، ومع احتفاظ غالبية قدامى اللاعبين بلياقتهم البدنية العالية ، وقيمهم الأخلاقية والوطنية المنخفضة ، وحده الجمهور من تسري عليه السنن الكونية ، ولادة ونمو ويأس ، تعاقب زمن الفقر، تسلل العمر ، شيخوخة وموت يسبقه القهر ، عوامل التعرية وعلامات العُري ، لكنه لا يتخلى عن بائس مكانه ، على بؤس مدرجاته ، يستهلك وجوده ، وشباك التذاكر ، لمتابعة اللعبة ، وإن تواجد يوماً ، على أرضية الملعب ، فلتبعية جاهلة ، ورهان خاسر ، على الشيخ (ميسي) ، أو اللواء (بيليه)..!

للمرأة حضورها النادر على أرضية الملعب ، لا أحد يعترض ، فاللعبة عصرية ديمقراطية ، لكنها ما إن تقترب من مرمى الخصم ، أو تشكل تهديداً على الجناح الأيمن ، حتى يصيح لاعبوه بفزع ، ويتردد صدى بعض جماهيره عالياً: يا إلهي.. عورة..!

بين الفينة والأخرى ، يمارس اللاعبون ، عنفهم المسلح ، تجاه بعضهم ، وغالباً تجاه الجمهور ، فيرفع (الحكم) الكرت الأحمر بوجه الضحية.. وبعد طرد الجثة ، من أرض الملعب ، يذهل الجميع لوهلة ، وعقب قراءة الفاتحة ، ضد مجهول ، تتلاشى الذاكرة ، تعود الصفارة ، وتستمر اللعبة.!

قتال يسود شمال شمال الملعب ، لعنات وتهديد بانسحاب الملايين ، بل وانهيار أجزاء من جنوبه ، القتل والخطف والاغتصاب ، يعم مختلف المدرجات ، طائرات (صديقة) بلا طيار (معادي) تقصف الجمهور، تتناثر الجثث في المكان ، يرسل الحكم لجنة وساطة إلى هنا ، ولجنة تحقيق إلى هناك ، وبالطبع ، لا تعود هذه أو تلك ، لكن اللعبة لا تتوقف ، تبقى دائماً وتستمر.. ويستمر الهتاف: لن ترى الدنيا على ملعبي وصيا ، رددي أيتها الدنيا نشيدي..!

مؤخراً اتفق اللاعبون ، أو المتلاعبون ، والحكم وضيوف الشرف ، والباعة المتجولون ، على تقسيم الملعب والمدرجات وما تبقى من الجمهور إلى ستة مناطق (أقاليم) ، فتساءلت الجماهير في حيرة مألوفة: إن لم نستطع لعقود ، مع كوننا (واحد) ، التمييز بين فريقين.. انتهت حياتنا ، ولم تنتهي اللعبة ، ولم تحسم النتيجة ، فكيف الحال بنا وهي اليوم ستة ، ونحن ستة..؟

ما لم يتخلى الجمهور ، عن دوره المتفرج ، ليمتلك أرضية الملعب السياسي ، ويفرض قواعد السلطة واللعبة ، ويحدد ماهية اللاعبين وحدود المتلاعبين ، يقرر آليات الحُكم ، لون الصفارة ، وشخص الحكم ، مالم يفعل ذلك ، سيظل الخاسر الوحيد ، في كل بطولة وأقلمة ، و(الكرة) التي كانت وما تزال تركلها الأقدام ، بينما تتعالى الأصوات.. عورة..!