الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠١ صباحاً

لماذا لاتصلح الفيدرالية في اليمن ؟!

صالح السندي
الأحد ، ١٦ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
لعدة أسباب جوهرية ملّحة ...

1- أسباب قبيلة اجتماعية .
خاصة وليدة التكوين القبلي المجتمعي الذي تتشعب جذورة التأريخية في اعماق التربة اليمنية وتتوغل ممتدة شرقا وغربا - شمالا وجنوبا بحيث يكون من الصعوبة بمكان فصل القبيلة عن بعضها البعض او تجزءتها و تقسيم تكوينها الى انصاف او اجتزاء قطع منها وتوزيعها على بقية الاقاليم..خاصة في الحدود ما بين الأقاليم وما حاصل في محافظة ذمار مثالا صارخا لفشل التجربة الوليدة حيث ضياع الهوية والإنتماء النابع من مكون القبيلة اصلا, لا يمكن بأية حال من الأحوال بعثرته او انفصاله. بالاضافة الى ان سيادة كل قبيلة طاغية على سيادة الدولة بحكم الاعراف والعادات والتقاليد والشيخ يفرض سلطته الحاكمة العرفية على حدود كامل قبيلته دون نقصان. وهناك قبائل من مأرب تمتد جذورها الى شبوة والبيضاء ..وعليها فقس في بقية ربوع اليمن.


2- أسباب اقتصادية .
كما هو متعارف عليه في نظام الأقاليم ان كل اقليم له السيادة المطلقة والحكم الذاتي كامل الصلاحية , وعليه فهو بحاجة ماسّة الى نظام اداري وحكومي مستقل ومتوازن بكل مرافقة ومؤسساته وسلطاته التشريعية والقضائية والتنفيذية , وهذا الكمّ الهائل من الجهاز الحيوي العصبي الحساس في دماغ الدولة الفتية بحاجة الى ميزانية مهولة تؤسس اللبنة الأساسية و البنية التحتية القوية لمواجهة التحديات المستقبلية , من مقرات ومؤسسات وبرلمان ورئاسة وزراء و حكومية وغيرها في نظام الولاية وهيئات تابعة لها, ناهيك عن المشاريع الخدمية والإنمائية والإحتياط النقدي المتوافروالللازم لسد احتياجات الأقليم واشباعه في اطار التنافس الإقليمي المتزامن مع الجوار الإقليمي المحايذ له. بحيث يكون قادرا على استيعاب العمالة والتوظيف في المركزية المفرطة -المجحفة في حال افتقار مقوماتها واسسها المتينة.


3- أسباب ثقافية .
المجتمع اليمني لم يصل الى مرحلة النضج الثقافي والتأهيل المطلوب – ان صح التعبير- لتقبل فكرة الأقلمة والتعايش معها بصورة توافقية متمدنة, فبعد خروجه من ازمنة الديكتاتوريات العجاف وافتقارة الى نظام جمهوري عادل المصاحب لفقدانه اولويات الديموقراطية التي لم يعايشها بشكلها الكامل والملموس , ولم تنغرس بعد في المفهوم الثقافي والحياتي المعاصر ولم يطبقها بشكل يومي في مختلف المرافق والمؤسسات , فدولة عاجزة كليا ليست بقادرة على لملمة الأوضاع من الانهيار كيف لها ان تؤسس لتجربة وليده ونظام جديد بحاجة ماسّة الى اسس الدعم والخبرة وأرضية صلبة و اعمدة متناسقة من الكفاءة والإنطلاقة الكبيرة في مفهوم الدولة , فالفيدرالية تاتي متناغمة مع متطلبات الشعوب والحاجة اليها كخيار مطروح للأفضل ولم تأتي من فراغ او هروب الى الامام لإضافة المزيد من المشكلات والعجز القائم.


4- أسباب سياسية
ولعلها الأهم في بقية الاسباب مجتمعة – ذات الطابع السياسي - فالجو السياسي الملائم والمتناغم مع التوافق الشعبي يمثل ارضية خصبة ومريحة لنشوء براعم الفيدرالية وبزوغ الأقاليم في صورة مثالية وناضجة, الخيار المطروح او المفروض في اليمن نموذجا يفتقد الى هذا العامل الأساسي والهام كون معظم اطياف المجتمع اليمني تعلن رافضة وان وجدت فمتوجسة الشئ الكثير من هذا الغول القادم فجأة ودون سابق انذار ودون معرفة سابقة بهوية الضيف الجديد ونواياه , مع عدم الدراية الكاملة عن ملمات الانتاج المستقبلي على ارض الواقع وامكانية تطبيقة و انجاحة, ومالبديل في حال تعثره واخفاقه , الجنوب يرفض الفكرة – جملة وتفصيلاً- والقبول بها ما يدفع اطيافة الحركيه والثورية الى الانجرار الى مربع الانفصال –المعروف سلفاً- والمطالبه باستعادة الدولة , انه لمن الاجحاف بمكان ان تعالج القضية الجنوبية بالكي والسلخ والتفتيت بعشوائية في وجود امكانيات علاجية اخرى ناجعة ومثمرة.


5- اسباب امنية وعسكرية.
وما سيتبعها من ميزانية مهولة لإنقاذ الجيش من شبح التفكك او اعادة رسمه بطريقه مغايرة تماما لما كان عليه , فاذا كانت الهيكلة اضعفت من القدرة العسكرية والتأهلية للجيش اليمني ووضعته مجددا وعلى الدوام في مرمى القاعدة وهدفا سهلاً لها , فكيف سيكون الحال به في وجود الاقاليم المتفرقة بامكانياتها الضعيفه , وكيف سيتم التوزيع لجميع الوحدات في مختلف الأقاليم او اعادة هيكلتها مرة اخرى حيث تستوعب ابناء كل اقليم على حدة , بما يعني عملية طحن ممنهجة واضعاف قسري سيؤدي الى انشاء دولة رخوة تزداد هشاشة ان كانت هشة في واقعها كما في اليمن نموذجا.
ربما طرح الفيدرالية باجنحتها الطائرة المحلقة في سماء المدنية والحداثة التي لا تتناسب كليا مع جاهزية اليمن يعتبر بمثابة انتحار وهروب الى الامام ويضاعف من المشكلة ويفاقمها, حيث انه تم طرحها دون رؤية تافقية كافية وناضجة ودون التمعن الى مستقبل الاقليم القادم وإمكانياته المتاحه, و حين كان هذا الخيار مطروحا لمعالجة القضية الجنوبية يفتقد الى الشئ الكثير من المنطق والدراسة المتأنية والصلبة كمن يُعالج بالدواء الخطأ لحالة مرضية تستدعي التأني والإسعاف المدروس والتشخيص الصائب.

كانت الفيدرالية حليفها النجاح في اكثر الدول تقدما وحظا بسبب البنية الاقتصادية المؤهله بجدارة لإنشاء نظا م مغاير وبديل كما في الولايات المتحدة والمانيا والامارات ليست ببعيدة عن مسار هذه الدول الرائدة , التي تمكنت من صهر جميع العوامل التي رافقت النظام الوليد و قامت بسد العجز وتوافرت فيها الارضية الخصبة لبناء نظام الولايات المتحدة تحت النظام الحاكم للدولة ككل , في نتيجة متوازية ومعادلة صحيحة من تجميع الشمل في نظام جديد وان كان فيدرالياً. لا العكس من قلب المعادلة كما هو حاصل في اليمن الهروب من الإنفصال الى التقسيم وتجزئة الوحدة الى اشبه ما يكون بدويلات متناحرة في حال فشلها , مع تواجد اقاليم غنية وأخرى فقيرة وغياب الدولة و التوزيع العادل للثروات , ستذكي نار الحروب الطائفية والمذهبية -ان وجدت- وتستغل القاعدة انكماش الدولة وغياب السلطة المركزية الى التمركز فيها والتخطيط وربما اعلان اقاليم كولايات وامارات اسلامية كما حصل سابقا في ابين و رداع –ليس ببعيد- لسهولة بلع الاقليم وصغر الدوله -ان جاز التعبير- وضعفها واذا انفرط العقد فحينها ستنهار الدولة ككل تباعا لانهيار الاقاليم وفشل التجربة برمتها.

اليمن وان كان بثورته التي اهدافها لم تر النور بعد , و لم يكن لمطالبها سقف تراجعت مؤخرا الى مرحلة التقسيم والتهميش وخلق بؤر وصراعات وتناحر والقبول بالأقل الممكن في سبيل البحث عن الدولة التي ضاعت بصعود قيادات و كفاءات هشة غير مؤهلة و غير قادرة على البناء والنماء , اضف الى المحاصصة والتقاسم الحكومي الذي اغفل الوطن وجعله آخر اهتماماته ,, وبذا يضيع مفهوم الدولة وتخرج سائبة من بين ايديهم في سبيل البحث عن الدولة وادعاء الحفاظ عليها التي تشبة الى حد كبير ظروف وملابسات اختفاء القارة اطلانتس التي لم تكن موجودة بالفعل.