الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٠ مساءً

المستفيد الأول مما يحدث في اليمن!

عبدالواسع السقاف
الاربعاء ، ١٩ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
عندما يغيب العقل، تتفرد المشاعر ويصبح من الصعب كبت جماحها.. وعندما نسمح لمشاعرنا بأن تكون قائدةً لتصرفاتنا فإننا بذلك نسمح لها بإرتكاب أكبر وأبشع الفضائع.. هكذا نحن في اليمن يتغلبُ فينا حوار المشاعر سواء كانت سلبية أو إيجابية على حوار العقل .. نتعاطى مع حياتنا وأوضاعنا ورغباتنا بالمشاعر.. ونواجه كل التحديات من حولنا بُحبٍ جارفٍ أو بحقدٍ منقطع النظير!!

هل يخطر ببالك أيها القارئ الكريم أن تدخل بيتاً من بيوت الله لغرض الصلاة وأنت مُتحير ومُتخوف هل تضم أم تُسربل في صلاتك، خاصة وأن هناك من يراقب وينتظر ليرى ذلك! كنا في اليمن نتعايش منذ قديم الزمن بسهولة وسلام ولم يكن يفكر أحدٌ لا بطائفة ولا مذهب ولا أنتماء سياسي.. ولكن للأسف وصل بنا الحال يومنا هذا إلى الحد الذي نخاف معه أن نتحدث عن معتقد أو توجّه.. بات الأخ يتربص بأخيه والجار بجاره وزميل العمل بزميله! بدأت النعرات الطائفية والمذهبية والسياسية تتفشى في المجتمع! وعندما تتفشي هذه الظواهر في أي مجتمع فإنها تُنذر ببداية كارثة مجتمعية وتفكك النسيج المجتمعي برمته!! كيف لا والعامة في مجالسها وفي لقاءاتها وحتى في طريقها ومواصلاتها تتجادل وتتصارع وتتهم بعضها البعض بالعمالة والخيانة والكفر وغيرها من المسميات! كيف لا وصفحات التواصل الأجتماعي ومواقع الصحافة الألكترونية أصبحت حلبات مصارعة بين عامة الشعب والنُخب التي تُغذي هذه الصرعات!! كيف لا والبلد تتحول إلى أقاليم، والأقاليم إلى معسكرات والمدن إلى متارس و(تباب) وتجمعات، كلاً منها يدعي أنه الأحق والأجدر والأفضل و(شعب الله المختار)!

أن ما يحدث في اليمن من صراعات سياسية وعقائدية وقبلية يُعد ظاهرة جديدة في مجتمع أدَّعى على مر القرون أنه مجتمع الحكمة والإيمان والتسامح.. اليمن الذي هو أصل العروبة ومنبع العلم والفتوحات الإسلامية بات اليوم على شفا جرفٍ هارٍ من التفكك والصراعات.. وما تهجير الألاف من دماج وتفكك جبهة القبائل في حاشد وضرب مصالح أبناء الشمال في الجنوب وعسكرة أطراف قبلية وضرب المصالح العامة والخاصة ونهب موارد الدولة، إلا أنعكاس للوضع المُتردي الذي وصلت إليه البلاد! لم تعد الحكمة اليمنية حاضرة في كل ما يحدث، بالرغم من أن مؤتمر الحوار الوطني الذي تضمن أغلب التيارات السياسية ومكونات أخرى قد خرج بوثيقة الحوار الوطني التي ينظر اليها العامة على أنها وثيقة النجاة مما يحدث! فهل هي حقاً وثيقة النجاة!؟؟ هل ما يحدث الأن في البلد يعطي أي أنطباع على أنها في طريقها للنجاة؟ لا أدري هل نترحم على نظام فاسد حتى النُّخالة كان قادراً بعض الشي في حفظ التماسك الأجتماعي، أم نتفائل بنظام حالي يواجه صعوبات غير عادية من أجل حفظ أمن المواطن!

ما يحدث الآن في البلد لم يأت من فراغ، بل إن هناك قوى داخلية وخارجية (أقليمية) تغذي هذه الصراعات، لأنها هي المستفيد الوحيد من أن تدخل اليمن في بوتقة الصراعات! وقد يتسائل البعض مالذي تستفيده هذه الأطراف من هذا الوضع؟ والإجابة واضحة، إن أستقرار ورخاء اليمن يُعد كارثة لبعض القوى الأقليمية التي ستجد شعوبها تحذوا حذو اليمن! وبالمقابل فإن رخاء المواطن اليمني يُضر بمصالح بعض القوى الداخلية التي تستفيد من بقاءه في هذه الحالة المُعدمة مصداقاً للمثل الشعبي (جوَّع كلبك يتبعك)! اليمن الذي لولا صراعات أبنائه مع بعضهم البعض، لكان زهرة الشرق لما فيه من ثروات وقُدرات وموارد! اليمن الذي لو تفرَّغ ابناءه فقط للقيام بالتنمية ونبذ العٌنف، لوصل بهم إلى مصاف الدول المتقدمة!

للأسف الشديد هناك من يلعب على وتر الجهل والأمية الكبيرة المنتشرة في هذا البلد، ليُغذي النعرات المناطقية والطائفية، ويجعل أبناء الشعب في حالة من الاستنفار في مواجهة بعضهم البعض. أبناء الشعب الذين تناسى بعضهم أنهم أبناءٌ لأبٍ واحد، وقبيلة واحدة، ونسب واحد، وأصل واحد، ودينٍ واحد! ألسنا نعي أنه عندما نتهجّم على مواطنٍ من تعز أو صعدة أو حضرموت أو شبوة مثلاً، فأنا نتهجّم على أخٍ لنا في تلك البقعة من الأرض، فتعز وصعدة وحضرموت وشبوة أنما هي أرضٌ يمنية، وسُكانها يمنيون لم يأتوا من الفضاء! عندما نُفجر بيتاً من بيوت الله (بغض النظر عمن بنى أو تعبد في هذا البيت) فأننا نفجر عقيدة الأسلام ودين الأسلام! وعندما نقتل مواطناً يمنياً بدمٍ بارد كما رأينا في مجمع وزارة الدفاع، فأنا نقتُل الأنسانية جمعاً! وعندما نرفع السلاح في وجوه أخواننا، فإننا بذلك نرفع عن صدورنا الأيمان وعن عقولنا الحكمة وعن جنسياتنا المواطنة، ولا يتبقى منا إلا أشباح مرتزقة لا دين لهم ولا وطن!