الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٢ صباحاً

قيم ثورة اليمن بين الثورية والثأرية

سمير الصلاحي
الاثنين ، ٢٤ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٧:٢٠ مساءً
دشن الشهيد التونسي بو عزيزي ثورات الربيع العربي في شتاء قارس على أرض تونس الخضراء مؤذنا بميلاد عام جديدا لامة العرب تتجاذبه أحلام الملايين التي حرمتها الديكتاتوريات العسكرية والمتعسكرة منها طعم الحرية والعدالة والعيش بكرامة طوال عقود عدة.
فتح بوعزيزي الباب أمام الموصد بوجه شباب تونس فخرجوا مندفعين يحملون ورودا ودموعا وصيحات ألم وفي قلوبهم الطيبة أمل كبير كما حلموا به في الانفكاك من قبضة ديكتاتور فاسد سخر تونس وخيراتها لصناعة مجده والمقربين منه على حساب الملايين من الفقراء والمحتاجين والحالمين بالحرية.
وصلت صرخات الثوار الى كل جبال العرب لتتردد أصدائها في صحارينا وودياننا وبحرنا ومحيطنا ونيلنا الازرق منسابة في نهري دجلى والفرات لتصب في جزيرة العرب وخليج العرب.
عملها بن علي و (هرب) وأعلن الثوار هناك...بن علي هرب...بن علي هرب...ولم يمنعهم هروب هذا الديكتاتور من الاحتفال بنصرهم الرائع في أول ثورة سلمية عربية شعبية في التاريخ.
كان اليمانيون يتحركون ويزئرون ويصرخون ويتألمون ثائريين بصمت وكأنه صمت المقابر للموتى العاجزين والمكممه إراداتهم بوهم الديموقراطية الزائفة التي صدقها اليمانيون لعقدين, هما عقدي الوحدة والديموقراطية المكتسبة والمذبوحة في 94 .

وعلى الفور وفي اليوم التالي لهروب بن علي خرج شباب جامعة صنعاء بمسيراتهم الى سفارة تونس بصنعاء, ليستلموا عصاء المارتون في سباق الشجعان ليعلنوها ثورة سلمية ضد ديكتاتورا أخر هو علي نفسه بعد أن هرب بن علي.
رغم ان الشباب اليمني خرج مبكرا وأستلم عصاء المارتون الثوري العربي من شباب تونس , الا أنه لم يتمكن من حسم الثورة التي دخلت شهرها العاشربحسابات مسيرات 15 يناير 2011 .
تكالبت على اليمن قوى وأسباب عدة داخلية وإقليمية ودولية حاولت وتحاول ان تجهض هذه الثورة السلمية في شبه جزيرة العرب والمحاطه بالخط الاحمر في خليج العرب جعلت من هذه الثورة أطول الثورات العربية حتى الان , ولكنها الاكثر سلمية بمعنى ان الشعب يملك السلاح ولم يستخدمه رغم كل أسباب الحاجة لاستخدامه في غالب الاحيان.
لقد فاجاء ألشباب المصري العالم بتفجير ثورته في ال25 من يناير رغم انه كان يرزح تحت واحد من أخطر الانظمة البوليسية في الوطن العربي والقابض على زمام الامور بشكل قوي وبعد أن حاول بعض من أبناء مصر تفجيرها في وقت سابق بعد ثورة تونس بحرق أنفسهم تيمنا ببو عزيزي أمام عيون الاحزاب والجماعات ومراكز الابحاث والمحللين السياسيين وفتاواهم التي عجزت ان تقوم بشي.

خرج الشباب المصري الحر في ثورة سلمية متجاوزا كل الاحزاب وبافكار غلب عليها الطابع التحديثي والليبرالي المشبع بقيم المدنية والتطور والتحديث وذلك بعد أن أداروا حواراتهم ونظموا أنفسهم من خلال صفحات التواصل الاجتماعي , مستفيدين من حركات الشارع النقابي المصري المتمثل بنقابتي المحاميين والصحفيين وكذا الحركة النيابية والتي تكونت بعد سرقة الانتخابات النيابية المصرية الاخيرة ولم يخفي هذا الشباب تأثره بل وبانخراط العديد منهم في حركة كفاية التي رفعت شعار (كفاية) أمام نظام حسني مبارك والتي قادها مجموعة من المفكريين والسياسيين والصحفيين المصريين الذين يمثلون قوى التمرد والثورة في أحزابهم ونقاباتهم من قوى ثورية قومية ويسارية وليبرالية ومستقلة وما تلاها من حركات أصغر كحركة 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير , وبعد أن وجدوا الابواب موصدة أمامهم للتغيير وإسترداد الحقوق.
تجاوز شباب مصر كل الاحزاب وأستطاعوا تحريك مصر كلها وفرضوا منطقهم وثورتهم ومطالبهم بنجاح تاريخي منقطع النضير فحاولت بعض القوى والاحزاب لملمة أنفسها وترتيب نفسها للانقضاض على الثوار والثورة أملا في سرقة أحلام الجماهير الشبابية وثورة شباب مصر حتى أصبح اللصوص ثوار بلا حدود يستضيفهم أحمد منصور ليحكوا حكايات الف ليلة وليلة بصورة مقيته مقززة تشعرنا بهمجية قانون القوة الاعلامية التي تحاول الانتصار على قوة قانون الثورات.

تم خلع حسني مبارك في مصر وأستلم العسكر السلطة ووقف معهم الحرمية ليفصلوا معهم ثوب مصر الجديد الخالي من ألوان الشباب الزاهية الذين قادوا الثورة وفجروها بل ومهروها بدمائهم وأرواحههم.
كانت الثورة المصرية نموذجية وأعطت رسائل واضحة في أن نجاح الثورة التونسية لم تكن صدفة بل أن الشعوب حينما تريد الحرية تنالها بارادتها وبتضحيات أبنائها فخرج الشباب اليمني وشيوخه في ( ليلة سقوط حسني ) في مسيرات جابت صنعاء وتعز إحتفائا بهذه الثورة وامتدادا لمسيرات الشباب منذ ال15 من يناير وال3 من فبراير ولكن هذه المرة لم يعد الشباب الى بيوتهم وإنما إفترشوا الارض والتحفوا السماء في ساحات الحرية في تعز والتغيير في صنعاء وتلتها كل ساحات الحرية وميادين التغيير على إمتداد الوطن اليمن في عدن والحديدة والمهرة وسقطره وصعده والجوف ومأرب وإب والبيضاء والضالع ولحج والمحويت وحجة وشبوة.
في ال17 من فبراير خرج الليبيين في بنغازي وطرابلس مطالبين بالحرية ضد ديكتاتور أخر (عُمٍر) في الحكم كما لم يعمًر أخر مثله , هذا المسمى (العقيد معمًر).

لقد كان السوريون الاقرب للربيع منه الى الشتاء فدشنوا ثورتهم في ال15 من مارس 2011 لتهنز الارض تحت أقدام واحد من أعتى الانظمة الديكتاتورية التي لم تكن تنوي على التوريث بل عاشته حقيقة عبر إنتقال سلطة الاسد ألاب الى ألاسد الابن بانياب شبل ومخالب أسد ورثها عن أبيه عبر عصابة أحكمة قبضتها على سورية بوجود ألاب لتتفنن في إرخاء القبضة موهمة الشعب المسجون بقرب الخلاص والحرية لتعود وتشد على الرقاب أشد قسوة وأكثر بطشا .

اليوم أعلن الليبيون ان ليبيا أصبحت حره بعد أن تم القضاء على نظام القذافي مُعمًر في نهاية مأساوية كبدايتها ثورة , فسحق الثوار تحت عجلاتهم ومصفحاتهم وتحت قذائف طائرات الناتوا الحليف كل ما يمكن ان يرتبط بصلة بالعقيد الفقيد راميين خلفهم جثثا تتفحم وذئاب تنهش بجثث حية وتسحبها خلفها ثأرا وحقدا وكرها لم نشهده لا في ثورة تونس التي هرب رئيسها ولا في ثورة مصرذات التقاليد العريقة في القضاء فقبض على حاكمها وكل معاونيه وأودعوا السجون , وهم اليوم واقفين امام القضاء لتقدم مصر مرة أخرى درسا جديدا للشعوب المتطلعة لحرية في ان العدل أساس الحكم وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته وان لا عقاب بدون قانون وحكم.

بقيت في التصفيات حتى ألان كما يقول المعلقون دولتان اليمن وسوريا وأقول أيضا ألبحرين التي تم وأد ثورت شعبها بتدخل إقليمي مباشر كما أنها أيضا تستمر حية بدعم إقليمي أخر ولكن رائحة الطائفية النتنة تفوح من فميهما وأقصد المتدخليين الاقليميين رغم عدالة مطالب شعبنا العربي في البحرين التي نؤيدها, أما سوريا وايمن فكلتاهما يحكمهما العسكر العائلي وليس الوطني كما كان الحال في تونس ومصر والذان إنحازا فيهما الجيش الوطني للشعب وتم الخلاص من الطغاة في فترة تعتبر وجيزة وقياسية.

ليبيا مشكلتها مختلفة فهي دولة بلا نظام وجيش بلا هيكل وشعب ثائر بلا قيادة سياسية تدير دفة ثورته بل تلاطمته قوى الاقليم الاقرب في مصالحه في أوروبا ومن ورائها أميركا ومن صحاريها قامت الخلايا النائمة لقوى تورابورا لتستاثر بكل هذا وتفرض نفسها منقذا ميدانيا قبل بها الغرب الى حين.

سوريا مازال مشوارها في إعتقادي أطول وأعقد فبرغم ألارتفاع المضطرد للحضور الشعبي للثورة الشعبية في العديد من المحافضات السورية فان النظام الدموي يمارس القتل ثم القتل ثم القتل والشعب السوري مازال يخرج بصدورعارية .

لكن هذه الثورة يكتنفها الخطر مضاعفا حينما يحاول أن يولوثها البعض من خلال محاولة جر الثورة بعيدا عن سلميتها وكذا إعطائها الصبغة الطائفية من خلال اللاعبيين الصغار والكبار في المنطقة والجوار السوري من الطرفين وكذا الدعوات المتزايدة للحماية الدولية والتي تنذر بمخاطر كبيرة قد تجر سورية والمنطقة الى أتون حرب وصراعات صعب التنبؤ بمألها خاصة وأن سوريا وذراعها في جنوب لبنان تعتبر أخر معاقل الممانعة مع الكيان الصهيوني وأميركا وكذا إرتباطها مع العمق الاستراتيجي لهذه الخاصية في إيران.

في اليمن, الشعب والشباب اليمني بحركاته السياسية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني وقبائله وحتى قوى الثورة العسكرية المساندة للثورة تتمسك بسلمية ثورتها ومستفيدة من سنوات العمل السياسي العلني للاحزاب وقواعدها المنتشرة من أقصى اليمن الى أقصاه فتمكنت المعارضة اليمنية الى حد كبير قيادة الثورة عبر اللقاء المشترك الذي يضم الاحزاب المعارضة كلها وانتقاله الى صيغة أخرى أكثر مشاركة وهي الجمعية الوطنية والمجلس الوطني لقوى الثورة السلمية اليمنية والذي يقود اليوم الثورة بعد إنخراط معضم قوى الثوره فيه.

كما أن قوى الثورة اليمنية أستطاعت أن تهزم النظام سياسيا وفوتت عليه كل الاعيبه التي لعبها مؤخرا الحسم قليلا لكن التكلفة بالتاكيد ستكون أقل مقارنة بليبيا وسوريا المثلين الاشد دموية في هذه الثورات.
اليوم تقف ثورتنا في محطة مهمة جدا فهي قد تخلفت عن ثوراة تونس مصر وليبيا ولكنها في تقديري أقرب للنجاح من الثورة السورية , فالثورة اليمنية تمكنت من الحصول على الاجماع الدولي بعد ان إتخذ مجلس الامن بالاجماع قراره 2014 وحصول المناضلة / توكل كرمان أحد القيادات الميدانية للثورة على جائزة نوبل للسلام 2011 وتمكنها من الوصول الى المحافل الدولية وإيصال رسالة الثورا بعد أن حرمنا من هذا الحق طوال الفترة السابقة لان الابواب كانت موضدة في وجه الثوار ومفتوحة لممثلي النظام.

ثورتنا اليمنية أثبتت للعالم , أننا شعب حضاري يستحق الحرية والعيش برخاء في ظل دولة ديموقراطية مدنية حديثة بعد كل هذه السنيين التي عشناها تحت وطأة نظام عسكري عائلي فاسد لم يأخذ من الديموقراطية غير الكذب على الشعب تحت عنوان كبير مارسه عمليا والمتمثل بديموقراطية (قل ما تريد وأنا أعمل ما أريد).
اليوم ونحن في هذه المرحلة وأمام المشهد الدامي والمؤسف والمخزي لنهاية القذافي وعائلته وسلوك الثأريين كان يجب علينا ان نقول للقريب قبل البعيد , أن سلمية ثورتنا نابعة من قوه وليس عن ضعف كونها ثقافة نتحلى بها ونحب أن تبقى معنا اليوم وغدا وفي المستقبل .

كما أن السلمية هي ما تميز ثورتنا فلم نخرج منتقمين ولا طالبين ثأرات شخصية وانما طالبين حرية وعدالة.
ولذى فانا وغيري من الثوار المؤمنيين بالثورة السلمية لن نقبل على أنفسنا أن تمتلي قلوبنا بالحقد بل نريد قلوبنا دائما مليئة بالحب والخير.
لن نتشفى في أحد تجري في عروقه دماء اليمن, لن نقتص بانفسنا بل القضاء هو من يفعل وهو من يقرر العقاب وليس نحن.

الثورة بقيم العدل والخير ستأخذ حق المواطنيين والشهداء والجرحى والمخطوفين بالعدل والقانون الذي حرمونا منه طوال 34 عاما.
لن نهين أحد ولن نتشفى بأحد ولن نلوم أحد على موقفا أخذه من الثورة حتى ولو كان ضدي.

سنجعل قاتلينا يتئلمون من صبرنا وحبنا وعدالة ثورتنا , سنجعل سارقينا يعظون أصابعهم ندما وشفاههم حسره ولكننا لن ننتقم.

لن ننتقم ....وعلى الثوار ان يتعلموا...أن يحترموا النفس البشرية ويقدسوها.....فهي أغلى ما وهبنا الله.

وأخيرا, على الثوار عبئ كبير...فالثائر يتميز باخلاقه وقيم الخير والصدق والتسامح وإحترام القانون سماته......والعفو عند المقدرة.
ليعلم الجميع أننا حملة لمشعل ثورة وتغيير ولسنا أبدا حملة ثأر وتكفير.

*العنوان الأصلي للمقالة:
قيم ثورة اليمن بين الثورية في تونس ومصر والثأرية في ليبيا